قمة القدس المقبلة: قمة ’’الهواء الساخن’’
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ألوف بن - هآرتس
لو كان إسحق رابين على قيد الحياة، لكان وصف القمة الثلاثية التي ستلتئم يوم الاثنين المقبل في القدس بمصطلح يفضل استخدامه، وهو "بابلات" ويعني "الهواء الساخن"، لأن شيئاً ما لن يتمخض عن هذه القمة، لا مفاوضات سلام ولا اتفاقية دبلوماسية، واذا لم تدق كوندوليزا رايس اثناء المفاوضات على الطاولة، فإنه لن يتم التوصل، حتى الى اتفاق لتخفيف القيود المفروضة على الفلسطينيين.
بإمكان ايهود اولمرت الاستمتاع بالعنصر الإبداعي المتمثل في الاجتماع مع رايس ومحمود عباس "ابو مازن"، او في الإقامة في فندق في القدس بدلا من شواطئ البحر الاحمر كما كان الحال في أيام اسلافه. ولكن، ماذا عن أبو مازن الذي ما فتئ يجرجر نفسه على مر السنوات من قمة الى قمة ليسمع بشكل متكرر نفس التصريحات عن "بداية المفاوضات" وعن مستقبل افضل؟ في أيار-مايو 1996، ترأس ابو مازن الوفد الفلسطيني الى الجلسة الافتتاحية لمفاوضات الوضع النهائي في طابا. ودعا في حينه الى اقامة دولة فلسطينية في اطار حدود عام 1967 مع جعل القدس الشرقية عاصمة لها، والى التوصل الى حل "عادل" لمشكلة اللاجئين. أما يوري سافير، رئيس الوفد الاسرائيلي، فقد رد باقتراح غامض حول "الفصل بين الشعبين، وبهدف تحقيق التعاون"، بدون حدود، بدون اللاجئين وبدون القدس.
نفس الحديث بالضبط هو الذي سُمع عشية القمة الحالية، وكأن شيئاً لم يحدث طيلة السنوات الاحدى عشرة التي انقضت منذ ذلك الحين: لا كامب ديفيد، ولا الانتفاضة، ولا الهجمات الانتحارية، ولا فك الاشتباك ولا صعود حماس. وبينما يستمر ابو مازن في التحدث عن دولة فلسطينية داخل حدود 1967، يستجيب القادة الاسرائيليون المتغيرون بترديد شعارات غامضة "الأفق الدبلوماسي".
ربما يكون صحيحاً أن شيئا ما لم يحدث، وأن الجانبين ما يزالان عالقين في نفس المواقع الأوّلية، بدون مرونة او اي تفهم للجانب الآخر.
لقد تمّ جرّ أولمرت الى قمة القدس ضد إرادته؛ فقد كانت لديه تحفظات حول مبادرة وزيرة الخارجية الاميركية ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني المتعلقة بالقفز فوق عقبة خارطة الطريق والذهاب مباشرة الى المفاوضات الخاصة بالدولة الفلسطينية. وفي الاسابيع الاخيرة، كان رئيس الوزراء ومساعدوه منهمكين في تكديس الصعوبات على أجندة القمة. وقد جعلوا من الواضح ان اسرائيل تعارض التوسط الاميركي وانها تصر على اجراء مفاوضات مباشرة، حيث شرحوا أن المباحثات ستكون نظرية فحسب، وأن ذلك التنفيذ سيكون مشروطا بالعودة الى المرحلة الاولى من خارطة الطريق وتفكيك المنظمات الارهابية، واخيرا قالوا ان اسرائيل لن تبحث في قضايا ترتيبات الوضع النهائي كما يطالب عباس.
ثم جاء "اتفاق مكة" لتشكيل حكومة وحدة وطنية بين حماس وفتح لينقذ أولميرت من احراج كبير. فقد احتضن ابو مازن خالد مشعل. واثبت، كما كان اولمرت يزعم منذ بداية ولايته، أنه لا يوجد شريك في الجانب الفلسطيني. وفي الاثناء، اصرت رايس على القدوم إلى القدس فيما اعلن اولمرت عن عزمه تحويل القمة الى محاكمة ميدانية. وقد دأب ارييل شارون على وعظ عباس بضرورة محاربة الإرهاب، وسوف يطالبه اولمرت بالتنفيذ التام "لشروط الرباعية" واطلاق سراح جيلعاد شاليت، وإلى وقف اطلاق صواريخ القسام وتهريب الاسلحة الى داخل غزة. وكشريك لحماس، فإن أبو مازن سيجد من الصعب التذرع بالضعف السياسي كمبرر لعدم اقدامه على التصرف.
لقد أقام شارون سياسته على خوفه من "متاهات" اتفاقية الوضع النهائي. وكان قد عرف بأنه بعد اقتراحات ايهود باراك التي عرضها على السوريين والفلسطينيين، فإن اي مفاوضات مستقبلية ستبدأ من شواطئ بحيرة طبريا ومن أسوار معبد الجبل. وكان شارون معارضاً لمثل هذا الانسحاب وعمل كل ما بوسعه من اجل عدم الدخول الى قاعة المؤتمرات، واستمر في اجتراح شروط جديدة؛ فطالب "بسبعة أيام من الهدوء" من جانب الفلسطينيين، ولوح بـ "الجرائم الست في دمشق" أمام الأسد. وقد تكللت المناورة بالنجاح وتبنت المجموعة الدولية مطالب اسرائيل الاولية، بالرغم من دعم هذه المجموعة للمواقف العربية الاساسية.
ان اولميرت هو الخلف العظيم لشارون، بل إنه يبدو أكثر نجاحاً من سلفه في عرض مواقف غير مرنة خلف قناع من الاعتدال والانفتاح. وهو حساس حيال الفروقات التي لا تكاد تلحظ في المجتمع الدولي، ويتودد إلى زعمائه ويحشدهم لفرض شروطه على الفلسطينيين. وستمضي قمة القدس مثل نصر تكتيكي آخر لسياسة اولمرت القائمة على "نعم، ولكن"، ولكنها لن تقربنا من اي حل للنزاع. ولعل السلوى الوحيدة هي ان رايس ستحضر الى المنطقة هذه المرة على متن طائرة صغيرة، مخفضة بذلك استهلاك الوقود وتلويث الهواء في طريقها للقيام برحلة أخرى غير ضرورية.