لا فائدة من تحميل ايران المسؤولية عن التمرد في العراق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
باتريك كوكبيرن - الاندبندنت
لا يكاد يكون مدهشاً أن تعتقد الحكومة الايرانية بأن الولايات المتحدة تقف وراء اختطاف احد الدبلوماسيين الايرانيين في بغداد مؤخراً. ويقول الإيرانيون انه قد خطف على أيدي 30 رجلا كانوا يرتدون الزي الرسمي لفرقة كوماندوز في الجيش العراقي، والتي تعمل غالبا مع القوات العسكرية الاميركية في العراق.
وكانت الولايات المتحدة قد كشفت سابقاً عن ازدرائها لاي حصانة دبلوماسية قد تحمي الايرانيين في العراق عبر اعتقالها في الشهر الماضي خمسة مسؤولين من مكتب ايراني مؤسس منذ زمن في مدينة أربيل الكردية. كما خول البيت الابيض في وقت سابق القوات الاميركية بقتل او اعتقال اي ايرانيين ممن يرون أنهم يشكلون تهديدا.
إن ما يثير الاستغراب هو السرعة التي تسعى واشنطن من خلالها الى تصعيد المواجهة مع ايران. وقد عاد خطابها السياسي الى النبرة المشددة التي غالبا ما كانت تسمع عندما كانت الولايات المتحدة تتهم صدام حسين في عامي 2002 و2003 باخفاء اسلحة دمار شامل تهدد العالم. ولا يعتقد اي مراقب جاد للعراق منذ شن الغزو الاميركي عليه، ولو للحظة، بان ايران تبنت التمرد السني او اضطلعت بدور أساسي في نشوء الميليشيات الشيعية. فقد كان واضحا عندما سقط صدام أن ايران ستستفيد. فقد كان، بعد كل شيء، عدو طهران اللدود، وقد سر الإيرانيون برؤيته وهو يذهب.
ثمة نتيجة حتمية ثانية تمخضت عن انتهاء نظام صدام السني في اغلبيته، والتي تمثلت في أن الشيعة العراقيين الذين يشكلون نسبة 60% من السكان سوف يصعدون الى سدة السلطة في بغداد. وكان الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش الاب قد استقرأ ورغب في تجنب وصول الشيعة إلى سدة السلطة في العراق، فرفض ارسال القوات الاميركية الى بغداد بعد انتصارها في الكويت ودحر القوات العراقية في عام 1991. فماذا يأمل الرئيس جورج بوش في إنجازه من خلال مجابهة ايران، او حتى خوض غمار حرب ضدها؟ إن ذلك سيكون، في اطار العراق، سياسة تتسم بحماقة كبرى، لانه سينظر اليها على انها معادية للشيعة ومعادية لايران في نفس الوقت. ويبدي الشيعة العراقيون في الاثناء شكوكا في ان الولايات المتحدة تخطط لانتزاع السلطة من ايديهم. ومنذ السنة الماضية اعربت اغلبية من الشيعة، ولاول مرة، عن دعمها للهجمات المسلحة التي تشن على القوات الاجنبية بقيادة الولايات المتحدة.
إن هناك بعض الفوائد التي تجنيها واشنطن من وراء تصعيد النزاع مع ايران، حيث تخصصت ادارة بوش في خلق شياطين تحملهم مسؤولية كافة اخفاقاتها في العراق. فكان أولا صدام حسين ثم ابو مصعب الزرقاوي. وقد قتل الرجلان في السنة الماضية، لكن الحرب استمرت بالاتجاه نحو التصعيد.
أما حالياً، فيجري تصوير ايران على انها الشيطان الجديد. وهي التي تقف، حسبما هو مفترض، خلف تزويد العراقيين بقنابل جوانب الطرق التي تسببت في قتل العديد من الجنود الاميركيين والبريطانيين -بالرغم من ان التكنولوجيا التي تستخدم في هذه الاجهزة البسيطة والقاتلة مع ذلك، يمكن ان توجد بشكل عام في أي سقيفة في حديقة.
لقد كان العراق يفتقر منذ أمد طويل الى كل شيء عدا الاسلحة. إذ تمتلك كل عائلة عراقية اسلحة حتى في ظل نظام صدام. وكان صدام قد طرح في اوائل تسعينيات القرن الماضي برنامجا لإعادة شراء الاسلحة الثقيلة، والذي يدفع بموجبه أموالاً مقابل الأسلحة الثقيلة التي يتم تسليمها. وكان ان عرضت احدى القنابل في جنوبي شرق العراق ثلاث دبابات على الحكومة شريطة ان يكون السعر مجزيا، لكن القبيلة عندما وجدت السعر الذي قدمته الحكومة منخفضا، اعادت الدبابات الثلاث الى ترسانتها.
لعله سيكون من الصعب جدا على الولايات المتحدة ان تنتهج سياسة معادية لايران في العراق كما وفي الشرق الاوسط في وقت تدعم فيه حكومة عراقية موالية للشيعة في بغداد. ولعل مما يبعث على الاستغراب ان الحزب القوي الوحيد المعادي لايران، والذي يعبر عن هذا الموقف بصوت عال مثل السيد بوش هو حزب البعث. وطالما برر حزب البعث معارضته تولي حكومة من أغلبية شيعية زمام السلطة في العراق من خلال القول بأن هؤلاء تابعون لايران.
في الشرق الاوسط ككل، تمتلك السياسة الاميركية الجديدة المعادية لايران المزيد لتوصي به من وجهة نظر اميركية. فهناك الكثير من المشاعر المعادية لايران والمعادية للشيعة في محيط المنطقة، ناهيك عن ان بعض الزعماء السنة العرب في الدول العربية المعتدلة قد شعروا بالحرج بسبب النجاح الذي حققه حزب الله الشيعي في حربه التي خاضها في الصيف الماضي امام اسرائيل مقارنة مع عدم كفاءتهم الواضحة. ولا غرابة في ان تكون هذه الدول سعيدة بالانضمام إلى الولايات المتحدة في تأجيج المشاعر ضد الشيعة والايرانيين.
إن السيد بوش يتصرف على نحو هزلي مثل سياسيي حزب المحافظين البريطاني في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، والذين لعبوا "البطاقة البرتقالية" بخصوص أولستر، وزعموا انهم كانوا يحمون الامبراطورية بينما كانوا في واقع الحال يحركون العصبية المعادية للكاثوليكية والمعادية للايرلنديين لما يعود عليهم بالمصلحة. وقد يجني السيد بوش نفس الفوائد من خلال لعب بطاقة معاداة الشيعة ومعاداة ايران.
سألني خبير في العراق مرتبكاً: "حتى لو شن بوش حربا ضد ايران، فالى اين يعتقد انها ستوصله؟ انها ستلصقه في العراق ولن يستسلم الايرانيون. ويكون قد وسع نطاق الحرب فحسب".
ان الجواب عن هذا السؤال ربما يكون ان نزعة ادارة بوش المعادية لايران انما تتصل أكثر بالسياسات الاميركية منها بالسياسات العراقية. حيث يبقى هناك دائماً شيطان طازج وجاهز يجري تقديمه للناخب الاميركي. ويجري تصوير ايران على انها اليد الخفية وراء اخفاق الولايات المتحدة في العراق وفي لبنان. وفي الغضون، يظهر الاعلام الاميركي الذي كان سهل الانخداع بخصوص اسلحة الدمار الشامل، يظهر نفسه وهو سهل الانخداع أيضا وعلى نحو مماثل امام هذا التهديد الايراني المبالغ في تصويره.
لقد أظهرت ادارة بوش نفسها دائما على أنها اكثر اهتماما بالامساك بزمام السلطة في واشنطن منها ببغداد. وبغض النظر عن اخفاقاتهم في ميدان المعركة، فقد ظل الجمهوريون دائما قادرين على الاحتفاظ بالرئاسة وبمجلسي الكونغرس في عام 2004. اما المواجهة مع ايران وتحويل الانتباه عن الحريق في العراق، فإنها قد تكون افضل فرصة لهم للاحتفاظ بالبيت الابيض في الانتخابات الرئاسية لعام 2008.