نهضة إيران المختلة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الأثنين 19 فبراير 2007
بول سالم ـ بروجيكت سنديكيت
كان القرار الأمريكي باستهداف عملاء إيرانيين في العراق، بدعوى احتمال تورطهم في دعم ميليشيات تمارس أعمال العنف، بمثابة إشارة أخرى إلى النفوذ الهائل الذي تمارسه إيران في ذلك البلد المضطرب. إلا أن الولايات المتحدة في واقع الأمر قد مهدت الطريق أمام إيران لتنمية نفوذها في المنطقة حين أطاحت بنظام صدّام حسين في العراق، ونظام طالبان في أفغانستان، فأزالت بذلك العاملين اللذين كانا سبباً في تحجيم النظام الإيراني طيلة العقدين الماضيين. فضلاً عن ذلك، فقد أدى ارتفاع أسعار النفط إلى امتلاء الخزانة الوطنية الإيرانية. والآن تستفيد إيران من الفرصة التي سنحت لها بتورط الولايات المتحدة في مستنقع العراق والثقل الدولي المتنامي لروسيا والصين.
كما تجني إيران الآن عائدات استثماراتها طويلة الأمد. فقد ظلت توفر الدعم للجماعات الشيعية العراقية منذ أوائل ثمانينات القرن العشرين، علاوة على تحالفها القديم مع سوريا. وفي لبنان ساعدت إيران على إنشاء حزب الله، الذي تمكن مؤخراً من الصمود في مواجهة حرب مباشرة مع ldquo;إسرائيلrdquo;، والذي يشكل الخصم الرئيسي للحكومة اللبنانية المناهضة لسوريا والتي يساندها الغرب. أما استثمار إيران في فلسطين فهو حديث نسبياً، إلا أن دعمها للحكومة التي تتزعمها حماس، ليس أقل أهمية. إن إيران التي يبلغ تعداد سكانها سبعين مليون نسمة، قد تكون قادرة أيضاً على بسط تأثيرها إلى تجمعات شيعية أخرى.
إن نهوض إيران يحدث قدراً كبيراً من الانزعاج في الشرق الأوسط العربي، وبصورة خاصة في المملكة العربية السعودية، والأردن، بل وأيضاً في مصر. فعلى الرغم من أن إيران بلد شيعي في منطقة أغلبيتها الساحقة من السُنّة، إلا أن توجهاتها الإسلامية تلقى استجابة لدى الإسلام السياسي الذي يحرك أغلب الحركات العربية المعارضة. والحقيقة أن خصومتها العنيدة للولايات المتحدة، فضلاً عن دعمها للجماعات التي تشتبك في معارك مع ldquo;إسرائيلrdquo;، تحظى بشعبية كبيرة في الشارع العربي وفي الإعلام العربي. وعلى مستوى آخر، فإن نهوض إيران، الذي يعززه سعيها المزعوم إلى تصنيع السلاح النووي، يهدد بإيقاظ العداوة التاريخية بين الفرس والعرب.
في الوقت الحالي تناضل إيران والدول العربية سعياً إلى تفهم العواقب المترتبة على الجرأة التي تبديها إيران مؤخراً. ومما لا شك فيه أن دعم إيران المستمر منذ أمد بعيد للجماعات الشيعية في المنطقة يؤتي ثماره الآن. إلا أن نجاح إيران في العراق، ولبنان، وفلسطين يؤدي إلى خلق قدر عظيم من الانزعاج وعدم الارتياح، بل وحتى الخصومات في بعض الدوائر.
وإذا لم تنجح إيران في التعامل مع قوتها المتنامية بالصورة اللائقة، فقد تتسبب في اندلاع حرب طائفية في المنطقة بالكامل، وسباق تسلح نووي مع بعض دول المنطقة، وحرب مع ldquo;إسرائيلrdquo; أو الولايات المتحدة أو الدولتين معاً. كما قد تتسبب في تحريك القوى الرئيسية في المنطقة، مثل مصر وتركيا، والتي كانت تفرض هيمنتها على المنطقة ذات يوم ثم تراجع دورها مؤخراً. فضلاً عن ذلك فإن نجاحات إيران المتواصلة، قد تؤدي إلى ضغوط هائلة في سوريا، ومن المؤكد أن خسارة دمشق سوف تكلف إيران نفوذها في سوريا، ولبنان، وفلسطين في ضربة واحدة.
إن إدارة الرئيس محمود أحمدي نجاد تصر على لغتها الخطابية المتطرفة، وربما كانت تتطلع إلى عصر ما بعد بوش، حين تكون الولايات المتحدة قد انسحبت من العراق، وتكون إيران قد تمكنت من إنتاج الأسلحة النووية. إلا أن إيران تشعر أيضاً بالحاجة إلى تسوية خلافاتها مع خصومها. على سبيل المثال، على الرغم من أن إيران قد لا تكون سعيدة بالوجود الأمريكي في العراق، إلا أنها تدرك مدى اقتراب العراق من الانزلاق إلى هوة حرب أهلية شاملة لا تبقي ولا تذر. ونتيجة لهذا فقد أعربت عن استعدادها للتعاون مع الولايات المتحدة في التوصل إلى نهاية طيبة للأزمة في العراق. وفي الخليج حاولت إيران طمأنة جيرانها العرب إلى أن القوة الإيرانية ليست موجهة نحوهم وأنها قادرة في الواقع على العمل على دعم أمن منطقة الخليج.
لكن العالم العربي يواجه انقساماً بشأن كيفية التعامل مع نهوض إيران المفاجئ. ويتصاعد التوتر بصورة خاصة بعدما حذرت الولايات المتحدة من المخاطر المحتملة التي قد تترتب على انهيار العراق.
لم تتمكن السياسة الخارجية الإقليمية الإيرانية حتى الآن من الارتقاء إلى مستوى تفوقها الاستراتيجي الجديد؛ فهي تكون العداوات في نفس الوقت الذي تكتسب فيه الصداقات، وقد تهدر المكاسب غير المتوقعة التي حققتها خلال السنوات الثلاث الماضية. وإذا لم تتمكن إيران والدول العربية والولايات المتحدة والمجتمع الدولي من التعامل مع التوترات الحالية بحكمة، فقد تنزلق المنطقة إلى آتون حرب مطولة.
ولكن هناك دوماً طريق يؤدي إلى السلامة، وذلك لأن كافة اللاعبين في المنطقة يتقاسمون مصلحة واحدة تتلخص في الأمن والاستقرار. ويتعين على الزعماء في طهران، والرياض، وواشنطن، والعواصم الرئيسية الأخرى أن يدركوا التكاليف الباهظة التي قد تترتب على المزيد من سوء الإدارة والتدبير للأزمات الحالية، وأن ينتبهوا إلى ضرورة الابتعاد عن حافة الهاوية، والعمل على التوصل إلى حلول تعاونية قبل فوات الأوان.