جريدة الجرائد

كلمة سواء إلى «حزب الله»

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

إياد أبو شقرا


صار مفهوماً أن هناك ثلاث عقبات جوهرية تهدد أي وفاق دائم في لبنان، كلها تتصل بالشكل المطلوب أن يكون عليه البلد.

العقبة الأولى، التفاهم على المحكمة ذات الطابع الدولي المولجة النظر في موجة الاغتيالات الأخيرة وعلى رأسها جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري.

والعقبة الثانية، إصرار "حزب الله" على الاحتفاظ بسلاحه، لأنه حسب كلام أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله بالأمس، هذا السلاح "سلاح مقاومة" وحق حمله "اكتسبناه من الأديان والقوانين الوضعية والشرائع السماوية ...". أما السلاح الذي سيجمعه الآخرون فسلاح "العملاء الذين تحولوا إلى رموز وطنية، والمجرمين والقتلة الذين تحولوا إلى ضمانات وطنية .." وفق ما لمّح إليه سيد المقاومة.

والعقبة الثالثة، إصرار المعارضة على مقاسمة الأكثرية الحكم انطلاقاً من اعتبارها (أي المعارضة) أن هذه الأكثرية "وهمية"... نتجت عن الخداع والاحتيال، وفي هذا السبيل لا ترى المعارضة ضيراً من مواصلة شلّ الحياة في لبنان وتدمير بُناه التحتية بالاعتصامات والتحركات الاعتراضية.

بالنسبة إلى العقبة الأولى، يحق لـ"حزب الله" أن يخشى توسيع إطار عمل المحكمة بحيث تشمل حقبة خطف الرهائن الأجانب وتفجير مقر المارينز الأميركيين ومقر القوة الفرنسية في أكتوبر (تشرين الأول) 1983. غير أن تحصين الحزب موقعه الداخلي بكسبه احتضان اللبنانيين كفيل بإبعاد هذا الملف عن رياح التحالفات والعداوات و"الصفقات" السياسية على المستوى الإقليمي. ولكن الظاهر اليوم أن الحزب، المرتبط عضوياً بطهران وتكتيكياً بدمشق، عاجز عن التصرّف كحزب لبناني يؤمن حقاً بالدولة اللبنانية ويراعي مصالح كل أبنائها.

العقبة الثانية، الخاصة بالسلاح، تستحق أيضاً نظرة تفهّم وتعاطف جزئي. فـ"حزب الله" حريص على أمن قياداته وكوادره، وهو سيجازف في حال ارتضى بالتخلّي عن سلاحه بأن تتكرّر في مناطق نفوذه داخل لبنان مشاهد تصفية إسرائيل للشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي ويحيى عياش وغيرهم في فلسطين. لكن الحزب بلغ في نهجه "البراغماتي" حد تبني مقولة ماكيافيلي "... أن تخشاك الناس خير لك من أن تحبك". ولهذا اختار ألا يراهن على حسن ظن اللبنانيين به، مفضلاً أن يحك جلده بظفره ولا شيء غير ظفره ... من دون أن يعبأ بالرسالة السياسية السلبية التي يوجهها إلى شركائه في الوطن.

وهنا نصل إلى العقبة الثالثة.

لقد قرّر الحزب، مستنيراً بنصائح حليفيه الإقليميين الرئيسيين الانقلاب على الحكومة التي شكلّت في ضوء نتائج الانتخابات العامة الأخيرة، خاصة أن لدى أحد الحليفين ملفاً نووياً شائكاً، وأن مضاجع الثاني يقضّها شبح المحكمة الدولية.

إلا أن الحملة الانقلابية ـ التي "طمأننا" السيد نصرالله بالأمس إلى أنها مستمرة ـ بدأت تأخذ شكل تحدٍّ أفضى إلى تشنج سنّي ـ شيعي على الساحة الإسلامية اللبنانية. وتفاقم هذا التشنج أكثر بإزاء "وجبات" الإعدام العراقية وغزارة أنهار الدم التي تسيل بين الإخوة في العراق.

وبما أن السيّد نصرالله سياسي حصيف، وبما أن نسبة المسيحيين والدروز بين سكان الوطن العربي الكبير ضئيلة لدرجة تسمح له بتسديد السهام إليهم، فقد ارتأى أن يرمي على قيادات المسيحيين والدروز مسؤولية "زرع" الفتنة بين السنة والشيعة.

ولكن السيّد، الذي كسب قبل سنة غطاءً مسيحياً يتمثل بالنائب ميشال عون و"تياره"، يهمّه كثيراً ألا يحرج هذا الغطاء أكثر مما أحرجه حتى الآن، ولذا فإنه كلّما همّ بالكلام عن الأحجام والأرقام نراه يسارع إلى القول " ... لا أتحدث عن أحجام طائفية بل عن أحجام سياسية"، كما قال الجمعة الماضي.

الحقيقة المُرة هي أن السيّد يقود حزباً يتعذر وصفه بغير أنه حزب طائفي، والحقيقة الأمرّ منها أن السيّد يخوض منذ بعض الوقت حرب تحريض طائفي سافرة ... من المؤسف جداً أن ينحدر وحزبه إليها.

فقد تجاوز منظرّو الصف الثاني في الحزب منذ بضعة أسابيع كل الحدود في التخوين والتحريض والحض المكشوف على القتل. وبالأمس، حاول السيّد تسخيف الكارثة الكبرى المحدقة بالبلد أكثر عندما قال ما معناه "هناك شخص عنده مشكلة شخصية مش عارف يحلّها وبدّو يحمّل لبنان كلّو" التبعات والمسؤوليات.

هذا كلام غريب جداً.

وسيستغربه ليس فقط وليد جنبلاط (المقصود به مباشرة)، بل أيضاً عائلة رفيق الحريري وعائلة سمير قصير وعائلة جورج حاوي وعائلة جبران تويني وعائلة بيار الجميل وعائلات كل الشهداء الأحياء خلال العامين الماضيين. بل، وكل عائلات الشهداء الذين سقطوا وطمست بصورة انتقائية جرائم اغتيالهم على امتداد 30 سنة.

منظّرو الحزب يتهمون الأكثرية بأنها "وهمية" استناداً إلى مقاعدها الـ11 (منها مقعدان فقط للشيعة) في دائرة بعبدا ـ عاليه المختلطة ... جاعلين من هذه المقاعد "قميص عثمان". وهم يزعمون أن سعد الحريري ووليد جنبلاط انقلبا على "حزب الله" بعدما ضمنا أصواته فيها، ولولا ذلك لفازت بالمقاعد اللائحة المقابلة التي ضمت "تيار" عون ومناصري دمشق.

ولكن الحقيقة التي يتجاهلها "حزب الله" وخبراء الفيزياء والرياضيات فيه أن نسبة عالية جداً من الأصوات التي حصلت عليها لائحة عون كانت الأصوات المسيحية المتشددة المناوئة لـ"حزب الله" بالدرجة الأولى، وما كان هؤلاء ليصوّتوا لعون لو عرفوا مسبقاً أنه سينتهي حليفاً وغطاء للحزب!

ثم أن "حزب الله" نفسه هو الذي خذل في دائرتي زحلة وكسروان ـ جبيل مَن حالفهم في بعبدا ـ عاليه ... إذ أعطى أصواته للائحتي عون. وهو الذي خذلهم تكراراً عندما تسارع إيقاع مسلسل الاغتيالات حتى جاء اغتيال جبران تويني لينسف آخر بقية باقية من ثقة في صدقية الحزب.

بصراحة، على الحزب أن يخجل من إثارة موضوع بعبدا ـ عاليه، لأن هذه الإثارة المتكررة تنم عن رغبته في مصادرة حق الطوائف الأخرى في اختيار ممثليها، وحصر حق اختيار مَن يمثلون تلك الطوائف بناخبي الطائفة الشيعية. وهذا "سيناريو" ربما يكون الحزب قد اعتمده أخيراً بعدما نجح في تهجير جيل جديد من شباب لبنان ... لم يسعفه انتماؤه الطائفي بالاستفادة من "المال النظيف".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف