جريدة الجرائد

عربة الحكم الروسية: قيادة لليسار.. نظر لليمين

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

ديفيد اغناتيوس - واشنطن بوست


فكر في روسيا الجديدة، وكأنها طريق سريع: اعتاد الناس في الماضي قيادة السيارات على الجانب الأيسر من الطريق، أما الآن فمن المفروض قيادتها على الجانب الأيمن، ولكن التغيير لم يكن مريحا (ولا سيما للسلطات)، ولذا تتحرك البلاد في الوسط ـ وهو أمر مفهوم، ولكنه خطر. وإلى ذلك لاحظت تناقضا في روسيا فلاديمير بوتين في كل حديث هنا هذا الأسبوع. فالمسؤولون الروس يصرون على أنهم لا يريدون العودة للشيوعية، ولماذا يرغبون في ذلك؟ فموسكو تتلألأ مثل هدايا الكريسماس، وأضواء النيون بها أكثر من أي مكان آخر. ولكن وراء الأضواء المبهرة، لا تزال بقايا الدولة البوليسية موجودة ـ والعديد من الروس المحبين للنظام سعداء بذلك. أضف لكل ذلك أن الازدهار في قطاع الطاقة أسهم في نسيان الروس للمشكلة الملحة بتوجههم السياسي. ويقول رجل أعمال روسي معروف: "هناك افتقار للوضوح بخصوص مسارنا. هل نبني دولة مثل الصين.. أم الولايات المتحدة.. أم السويد؟ وما هو شكلها؟، لا يمكن استمرار هذا الموقف، نحن مثل من يجلس بين مقعدين". ويشير كونستانتين كوساتشيوف رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الروسي، إلى ان بلاده قلقة من ديمقراطية شاملة على الطراز الأميركي، فيقول: "بالنسبة لي الديمقراطية ليست هدفا في حد ذاتها، بل هي أداة. هي أفضل الأدوات، ولكن يجب استخدامها بحذر. إنها مثل الكسارة التي يستخدمها عمال المناجم، فهي تزيد الإنتاج، ولكن إذا ما قدمتها لطفل فستقضي عليه".

ويوضح كوساتشيوف أن الروس لديهم ذاكرة سيئة للديمقراطية المفتوحة على مصراعيها في التسعينات، ومعظم الروس الذين تحدثت معهم أكدوا وجهة النظر تلك. كانت فترة جنون عندما تلاشت مدخرات الناس وحاربت العصابات بعضها البعض في الشوارع، وكان البلد خاضعا لحكم ما يعتبره الروس رئيسا مدمنا الكحول ومحاسيبه من اللصوص. وأضاف: "لقد أتتنا الديمقراطية في وقت لم نكن فيه على استعداد لاستخدامها بطريقة بناءة، فدمرتنا. وهو السبب الذي يجعل بوتين يتصرف بطريقة حذرة. فهو لا يريد تكرار خبرات التسعينات". واللغز السياسي الروسي الآن يتركز على من سيخلف بوتين عندما تنتهي فترة رئاسته الثانية عام 2008. ويتمتع الرئيس الروسي بشعبية جارفة، ويصر على أنه سيلتزم بالدستور الجديد الذي يحدد مدة الرئاسة بفترتين. إذن من هو ولي العهد؟

ثارت تكهنات هذا الأسبوع حول من سيخلفه هل هو النائب الأول لرئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف أو نائب رئيس الوزراء ووزير الدفع سيجري ايافانوف. وكان وضع ميدفيديف اقوى ـ إلى أن أعلن بوتين يوم الثلاثاء الماضي ترقية ايفانوف إلى منصب نائب أول لرئيس الوزراء وتوليه مسؤولية الاقتصاد. ويؤكد سيرك الخلافة، غرابة النظام غير الديمقراطي تماما في روسيا، ويعتمد المحللون على الوقت المخصص لميدفيديف وايفانوف في التلفزيون الروسي الخاضع لسيطرة الدولة.

من جانبي كانت لدي فرصة هذه الأسبوع لمشاهدة الدائرة المقربة من بوتين، عندما التقيت مع مستشاره الرئيسي للشؤون الاقتصادية ايغور شوفالوف. فمكتبه يوجد في قصر يرجع للعصر السوفياتي، كان يضم مكاتب الحزب الشيوعي، إلا أن شوفالوف رجل ينتمي إلى العصر الجديد: فهو في الأربعينات ويتحدث الإنجليزية بطلاقة وأنيق مثل أي مصرفي استثماري في لندن. وبالتحدث إليه يوضح أن المدخل إلى مستقبل روسيا هو قرار بوتين بالسعي للانضمام لعضوية منظمة التجارة العالمية، فيما يرى أن بعض المستشارين في الكرملين عارضوا الانضمام للمنظمة، ولكن بوتين قرر أنها أفضل طريقة لضمان عملية تحديث الاقتصاد الروسي.

وعندما سألته عن مشكلة الفساد في روسيا الجديدة لم ينكر شوفالوف المشكلة، ولكنه قال: نحتاج إلى التصميم والصبر".

لقد شجعت أسعار النفط المرتفعة على ازدهار السوق الاستهلاكي، ولكنها ذات بعدين. فشركتا النفط العملاقة المملوكتان للدولة غازبروم وروسنفت، تسيطران على السياسة الروسية ـ العديد من اقرب مستشاري بوتين يحتفظون بمناصب في قطاع النفط. وسياسات الطاقة والسياسات الديمقراطية لا تمتزجان بسهولة.

ويقول ميخائيل كاسيانوف، الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء، خلال سنوات بوتين الثلاث الأولى في السلطة، ولكنه ينتقد الحكومة الآن: "لا تتخلوا عنا، عاملونا كدولة ديمقراطية عادية". ومن المؤكد أن الضغوط الغربية يمكن أن تساهم في الحفاظ على الديمقراطية هنا. ولكن في النهاية الروس هم الذين عليهم تقرير أي جانب من الطريق، يودون قيادة سياراتهم عليه.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف