جريدة الجرائد

نفط المناطق السُّنية... هل يغير المعادلة السياسية في العراق؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الثلاثاء 20 فبراير 2007

جيمس جلانز

في جزء ناءٍ من صحراء الأنبار لا يبعد سوى بـ20 ميلاً عن الحدود السورية، تجثم آلة تنقيب زرقاء فوق موقع يضم في باطنه كميات وافرة من النفط والغاز الطبيعي اللذين من المتوقع أن يصبحا روتيناً عادياً في هذا البلد؛ غير أن الجديد يكمن في حقيقة أن الموقع موضوع الحديث يقع في أراضٍ سُنية. فإذا كان من المعروف منذ وقت طويل أن شمال العراق الكردي وجنوبه الشيعي يزخران بكميات ضخمة من النفط، فإن العراق زاد اليوم بشكل مهم تقديراته لكميات النفط والغاز الطبيعي الموجودة في الأراضي السُّنية بعد أن دفع ملايين الدولارات لشركات نفط أجنبية على مدى السنتين الماضيتين قصد إعادة بحث المعطيات الجيولوجية في البلاد وإعادة تدريب المهندسين النفطيين العراقيين.
ويرجح المراقبون أن تكون لهذا التطور الأخير تأثيرات سياسية مهمة؛ ذلك أن الافتقار إلى الموارد الطبيعية في المناطق الوسطى والغربية حيث يتركز السُّنة، دفعهم إلى التشديد على ضرورة وجود حكومة مركزية قوية، تجمع عائدات النفط وتوزعها بشكل عادل على طوائف البلاد، بدلاً من تقسيم البلاد وفق المناطق الطائفية.
ويفيد مسؤولو وزارة النفط أنه بالرغم من أن المهندسين الغربيين والعراقيين كانوا دائماً يعلمون بوجود النفط في الأراضي السُّنية، فإن الموضوع استأثر باهتمام أكبر في ظل الدراسات الجديدة. والواقع أن مسألة موقع تركز احتياطيات النفط تكتسي أهمية أكبر في وقت يبدو فيه أن المفاوضين العراقيين باتوا قريبين من التوصل إلى اتفاق بشأن قانون النفط الذي يجري التباحث بشأنه منذ وقت طويل، والذي من شأنه أن يقنن كيفية السماح لشركات النفط العراقية والدولية بتطوير حقول العراق النفطية.
الدراسات الجديدة زادت تقديرات كمية النفط في سلسلة من المواقع في الأراضي السُّنية إلى الشمال والشرق من بغداد، وفي سلسلة أخرى من المواقع تمتد عبر غرب العراق، يُتوقع أن تضم ما قد يصل إلى تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي. إلا أن الأرقام التي تمت مراجعتها لا تعني، على كبرها، أن الاحتياطيات في المناطق السُّنية تفوق الإمكانيات التي تتوفر عليها الحقول الضخمة الموجودة في أماكن أخرى من البلاد. وبالرغم من أن عملية استخراج النفط والغاز في هذه الحقول تتطلب سنوات، حتى في حال أصبحت المنطقة آمنة بالنسبة لعمل الشركات فيها، إلا أن شركات الطاقة تبدو متحمسة لاستغلال إمكانيات المنطقة رغم أنها لا تضاهي الاحتياطيات الموجودة في الجنوب الشيعي والشمال الكردي.
وتعد الدراسة الجديدة، التي لا تعرفها إلا دائرة ضيقة من المختصين، من الأهمية إلى درجة أنها دفعت الجنرال الأميركي "جون آلن"، نائب قائد القوات متعددة الجنسيات في الغرب، المسؤولة عن إقليم الأنبار، إلى القيام برحلة طويلة في الصحراء يوم الجمعة الماضي لزيارة الموقع. يُذكر هنا أنه من بين المهام المنوطة بالجنرال "آلن" النهوض بالتنمية الاقتصادية في الإقليم. أما الموقع موضوع الحديث، فهو حقل "عكاشات"، الذي يعد واحداً من مواقع السلسلة التي تمتد من إقليم نينوى في الشمال إلى الحدود مع السعودية في الجنوب. وفي هذا الإطار، يقول الجنرال "آلن": "إن ما تقوم به هذه الآلة الضخمة هو أنها تمنح إقليم الأنبار والسُّنة مستقبلاً اقتصادياً مختلفاً عن الفوسفات والإسمنت"، في إشارة إلى منتجات بعض المصانع القديمة الموجودة في المنطقة.
وحسب وزارة الطاقة الأميركية، فقد وصل إنتاج النفط العراقي إلى حدود 3.7 مليون برميل يومياً عام 1979، حين قدم صدام حسين إلى السلطة. ومنذ ذلك الوقت، عرف هذا الرقم ارتفاعاً وانخفاضاً مع مر السنين ليتوقف عند حدود 2.6 مليون برميل يومياً قبيل غزو العراق في 2003. ويعد الإنتاج الحالي دون الأرقام المسجلة قبل الحرب، وهو ما يمثل إحباطاً كبيرا للمهندسين الأميركيين والعراقيين الذين بذلوا جهداً كبيراً في سبيل إعادة بناء البنيات التحتية النفطية في البلاد.
ويقول "ناطق البياتي"، مدير تطوير الاحتياطيات والحقول بوزارة النفط في حوار صحفي معه، إن الإنتاج كان دائماً متمركزاً في الشمال والجنوب؛ غير أن العراق قام في عدة مناسبات بحفر آبار استكشافية في صحراء الأنبار وفي سلسلة من المواقع شمال بغداد وشرقها، حيث كان ثمة إنتاج محدود. وقال "البياتي" كذلك إن الدراسات، التي أُنجزت عبر كامل البلاد، زادت أيضاً توقعات احتياطيات الغاز الطبيعي في إقليمي نينوى والأنبار السُّنيين في الغرب، مضيفا أن كمية الغاز الطبيعي التي يمكن استخراجها نظرياً من حقل "عكاشات" لوحده تعادل الطاقة التي يمكن أن ينتجها 100000 برميل نفط في اليوم.
وإذا كان بعض خبراء النفط الغربيين قد توقعوا في الماضي إمكانية وجود ما قد يصل إلى 100 مليار برميل من النفط الخام الإضافي في الأنبار، فإن التحقق من ذلك اليوم يتطلب فحصاً جيولوجياً جديداً وقدوم آليات إلى الميدان، وهو ما يمثل مهمة صعبة بالنظر إلى الأخطار التي ينطوي عليها العمل في العراق حالياً. هذا ومن المتوقع أن يكون "عكاشات" من بين عدد محدود من الحقول التي ستعطى الأولوية ضمن مخطط تنمية العراق بعدما يتم اعتماد قانون النفط.
وقد أسر خبر وجود النفط في الأراضي السُّنية مخيلة الأشخاص الذين من المرجح أن يكونوا الأكثر تأثراً بالاكتشاف واستفادة منه. وفي هذا السياق، قال فرحان فرحان، عمدة القائم، التي تعد أقرب منطقة سكنية من "عكاشات"، في حوار معه إنه يتطلع إلى الثمار الاقتصادية التي يمكن أن يأتي بها تطوير الحقل إذ يقول "إذا استفدنا من هذا النفط، فسيكون كافياً لغرب العراق كله".


مراسل "نيويورك تايمز" في كربلاء.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف