جريدة الجرائد

المشرق العربي يغزو بلدان المغرب تلفزيونياً وثقافياً ... واستثماراً

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

القطاع الخاص ينجح حيث فشلت السلطات ...


تونس - رشيد خشانة

يلحظ المتابع للمشهد التلفزيوني العربي سباقاً في هذه الفترة بين القنوات الفضائية العربيّة لخطب ودّ المغاربيين، فيما يتقاطر رجال الأعمال والشركات الاستثمارية من المشرق، وبخاصة الخليج، على بلدان شمال افريقيا لإقامة مشاريع ضخمة فيها، ما جعلها تبدو مثل "ألدورادو" جديدة.

في الخريف أطلقتها قناة "الجزيرة" نشرة مغاربية يومية بعد فتحها مكتبا اقليمياً في الرباط، وسرعان ما أعلنت "مجموعة دبي للإعلام" عن قرب بعث قناة "دبي المغرب العربي" التي قالت إنها ستعتمد برمجة خاصة لـ80 مليون ساكن ولـ10 ملايين مغاربي يقيمون في أوروبا. وقال مدير القناة إن البرمجة ستكون ثرية بالمسلسلات والبرامج المنوّعة، إضافة إلى الإنتاجات المغاربية. واللافت أن هذه القناة هي الخامسة التي تُقدم على مثل هذه الخطوة، بعد قنوات "أم بي سي" و "أل بي سي" و "الجزيرة" و "نسمة تي في" التي تخصص برامجها لسكان المغرب العربي وجالياته المقيمة في أوروبا.

رافق ذلك اتجاه مماثل على الصعيد الاستثماري، إذ أنشئ صندوق استثماري خاص كويتي - إماراتي في قطاع الطاقة والماء والاتصالات والنقل بمساهمة مغربية، أطلق عليه اسم "الصندوق المغربي للبنية الأساسية". واختار الصندوق، الذي حُدد رأس ماله بـ 90 مليون يورو، الدار البيضاء مقراً له. وبعد فترة وجيزة أعلن رئيس "غرفة التجارة والصناعة الإسلامية" الشيخ صالح كامل عن إقامة "صندوق استثماري للمغرب العربي" وقام بجولة على عواصم المنطقة لشرح أهدافه وتعبيد الطريق أمامه قبل انطلاق العمل.

وأتت الخطوتان في أعقاب تدفق مستثمرين إماراتيين وسعوديين وكويتيين على شمال أفريقيا وبخاصة المغرب وتونس والجزائر لتمويل مشاريع عقارية وسياحية واقتصادية عدة. وشكل هذا الاتجاه الجديد تحوّلاً مهماً في العلاقات بين المغرب والمشرق يمكن اعتباره الموجة الثانية من انعكاسات أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) التي حملت الاستثمار العربي على التخفيف من الاتجاه إلى الغرب واستكشاف مناطق جديدة. وتجسّد هذا التغيير في شكل رمزي من خلال تكثيف رحلات الطيران المباشرة بين المشرق وبخاصة الخليج والعواصم المغاربية، بعدما كان المسافرون مضطرين للتوقف في مطارات أوروبية قبل أن يستقلوا الطائرة مجدداً إلى المقصد الأصلي.

وفي هذا السياق دشنت شركات الطيران الخليجية أخيراً رحلات بوتيرة يومية تقريباً إلى العواصم المغاربية وبخاصة "القطرية" و "الإماراتية"، إضافة إلى "السعودية" الموجودة أصلاً في المنطقة، وتخطط "الكويتية" أيضاً لاستئناف رحلاتها إلى تونس والجزائر بعد انقطاع استمر 17 سنة.


"هجوم إماراتي"

وفي تونس نَمَت الاستثمارات الإماراتية بنسق متسارع في السنتين الأخيرتين وتوسعت لتشمل الاتصالات والسياحة والخدمات والعقار، على نحو جعل مجموعة إماراتية تحتل المرتبة الأولى بين المستثمرين الأجانب في البلد. وفاز تحالف "تيكوم ديج ـ مجموعة دبي للاستثمار" في شهر آذار (مارس) من العام الماضي بـ 35 في المئة من أسهم "اتصالات تونس". ويمثل استثمار دبي القابضة في "اتصالات تونس" جزءاً من إستراتيجيتها العامة لتعزيز حضورها في المغرب العربي وعقد صفقات مهمة في قطاع الاتصالات في الشرق الأوسط ومنطقة البحر الأبيض المتوسط. كذلك تعهدت "مجموعة دبي القابضة" تطهير بحيرة تونس الجنوبية واستصلاحها تمهيداً لاستثمارها في أكبر عملية عقارية منذ استصلاح مجموعة "دله البركة" السعودية ضفاف البحيرة الشمالية في الثمانينات. وفي هذا الإطار دُعي رئيس "مجموعة دبي القابضة" محمد القرقاوي الذي زار تونس العام الماضي لحضور اجتماع مصغر لمجلس الوزراء قدم خلاله عرضاً عن المشروع الذي تعتزم المجموعة تنفيذه في البحيرة الجنوبية لإقامة مدينة سكنية تستوعب أكثر من 400 ألف ساكن. وكانت تلك المرة الأولى التي يشارك فيها مستثمر من الخارج في مجلس وزاري مصغر يُخصص للاستماع إلى مشاريعه في حضور وزراء رئيسيين. ويتمثل المشروع الضخم في إنشاء ميناء ترفيهي في خليج تونس على أنقاض الميناء التجاري الذي أغلق في السنوات الأخيرة، إضافة إلى مجمع للأعمال وأحياء سكنية ومجمعات تجارية ورياضية وصناعات خفيفة غير ملوثة.

من جهة أخرى تعهدت مجموعة "إعمار" الإماراتية إنجاز محطة سياحية جديدة على الساحل المتوسطي في مدينة هرقلة (140 كيلومتراً جنوب العاصمة تونس) باستثمارات قُدرت بـ 1.88 بليون دولار. ويتألف المشروع من ميناء لاستقبال اليخوت وملعب غولف ووحدات فندقية وسكنية قادرة على استيعاب 30 ألف سرير. كذلك أعلن رئيس مجموعة "بوخاطر" الإماراتية محمد بوخاطر خلال زيارة إلى تونس أخيراً أن مجموعته تعتزم إقامة مدينة رياضية مساحتها 250 هكتاراً على ضفاف بحيرة تونس تتألف من 9 كليات رياضية و3 نواد للغولف والتنس والرياضات البحرية، إضافة إلى منشآت إدارية وتجارية وسياحية. وتشمل المدينة التي تقدر استثماراتها بـ 5 بلايين دولار إنشاء 10000 مسكن وإقامة ملعب يتسع لـ20 ألف متفرج، إضافة إلى قاعة مغطاة متعددة الاختصاصات تتسع لخمسة آلاف متفرج، وهو ما يعني إنشاء مدينة رياضية ثانية في شمال العاصمة تونس. ويتعلق الأمر بمشروع مندمج يستثمر ميزات البلد الطبيعية على ما قال المسؤولون عنه، ويُتوقع أن يؤمن 40 ألف فرصة عمل في بلد يجابه أزمة بطالة حادة، خصوصاً في صفوف خريجي الجامعات.


اهتمام بالجزائر

غير أن الكويتيين والبحرينيين أظهروا في الوقت نفسه اهتماماً بالاستمرار في الإاستثمار مغاربياً. فمجموعة "الكويت القابضة - كيبكو" (مركزها في البحرين) أنشأت أخيراً شركة للاستثمار في شمال أفريقيا برأس مال تجاوز 100 مليون دولار وستركز نشاطها على ثلاثة بلدان هي: المغرب والجزائر وتونس. كما أن "بنك الخليج المتّحد" (الكويتي - البحريني) يخطط لتوسيع نشاطه في المنطقة بعد نجاح تجربة إنشاء بنكين غير مقيمين في تونس "بنك تونس العالمي" والجزائر "بنك الجزائر والخليج" اللذين حققا فوائد قياسية في العام الماضي، وهو فتح مكتباً في العاصمة الليبية طرابلس كفرع لبنك تونس العالمي. ولوحظ أن الجزائر باتت تستقطب أعداداً متزايدة من المجموعات الاستثمارية الخليجية منذ اعتمادها اقتصاد السوق وإطلاق مسار التخصيص الذي يشد اهتمام رجال أعمال وشركات كبيرة من المشرق. ولا يكاد يمر يوم من دون أن تحمل الأنباء زيارة لرئيس مجموعة أو رجل أعمال خليجي كبير إلى أحد البلدان المغاربية، خصوصاً الجزائر حيث حرص الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة على الاجتماع مع عدد منهم.

واللافت أن آخر الإحصاءات أظهرت أن نصف الاستثمارات الخارجية التي استقطبتها الجزائر (خارج قطاع النفط) أتت من بلدان عربية، مثلما ورد في دراسة أعدها المكتب البريطاني المتخصص "أكسفورد بيزنس". وأفادت الدراسة أن مصادر الاستثمارات العربيّة ثلاثة أساساً وهي: السعودية والكويت ومصر، وهي تتجه إلى قطاع الاتصالات والبناء والعقار والسياحة. كما أن مجموعة "إعمار" الإماراتية قدمت مشروعاً ضخماً بقيمة 25 بليون دولار للسلطات الجزائرية لإقامة مشروع لإعداد خليج الجزائر العاصمة واستثماره.


إعلام وثقافة

والثابت أن عملية "الانتشار الاستثماري" الخليجي في المغرب العربي لا تخضع فقط إلى منطق البحث عن مشاريع مجدية وإنما هي تعكس أيضاً تحسَّن صورة المغرب في خيال المشرق. ومن المؤشرات الدالة على هذا التطور التعاطي الإعلامي الجديد مع المنطقة بعد قرار تخصيص حيز إخباري مستقل لها في قنوات تلفزيونية عربية، مع ما يعنيه ذلك من حرص على ملاحقة التطورات السياسية والاقتصادية في المنطقة.

ويظهر الحرص نفسه في الحقل الثقافي، فما من مُموَل للنشاط الثقافي في بلدان الخليج (حيث يلعب القطاع الخاص دوراً أساسياً في تنشيط الحياة الأدبية) إلا وخصَّص حيزاً مهماً للمغاربيين على غرار "مؤسسة البابطين" الكويتية الخاصة التي عقدت دورات عدة لملتقياتها الشعرية في مدن مغاربية وأشركت شعراء ونقاداً في هيئاتها ولجانها. كما أن "منتدى الفكر العربي" الذي أطلقه الأمير خالد الفيصل خصص مركزاً مهمّاً للنخبة المغاربية إن في هيئاته أو في نشاطاته ومجلته.

قصارى القول ان ما أخفقت السياسة في نسجه من جسور بين المشرق والمغرب يحاول القطاع الخاص ترميمه اقتـــصادياً وإعــلامياً وثقـــافياً، في محاولة لإحياء الوشائج التي كانت أمتن في القرون الماضية قبل إقرار التأشـــيرات والحـــدود، إذ كانت الطرق البرية سالكة وحركة التــبادل الثقافي نشطة حتى في عقود الليل الإستعماري. والظاهر أن "الخضة" التي شهدتها البلدان الخليجية في علاقتها مع الغرب فتحت أعينها على ضرورة القيام بحملة لـ "إعادة إعمار" العلاقات مع البلدان المغاربية في أكثر من حقل، وهو مسار ربما أعطى نتائج إيجابية على صعيد تقريب المشرق من المغرب في الأمد المنظور.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف