جريدة الجرائد

الإرهاب هل يحول شمال أفريقيا إلى أفغانستان جديدة؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الأربعاء 21 فبراير 2007

كريج سميث

المخطط، الذي حيك بسرية لعدة أشهر في جبال شمال أفريقيا القاحلة، كان يروم شن هجوم على السفارتين الأميركية والبريطانية في تونس العاصمة؛ غير أنه انتهى إلى معارك بالسلاح أسفرت عن مقتل اثني عشر ناشطاً ورجلي أمن تونسيين. والحال أن أكثر ما يثير القلق بخصوص العنف في تونس، البلد الهادئ والسياحي هو أنه عبر الحدود قادماً من الجزائر، التي تعهد بها تنظيم إرهابي إسلامي بتوحيد الجماعات الإسلامية الراديكالية في منطقة شمال أفريقيا.
ويرى مسؤولو محاربة الإرهاب من ثلاث قارات أن الاضطراب في تونس يمثل أحدث دليل على انكباب مجموعة جزائرية متطرفة لها تاريخ طويل في العنف حالياً على ترجمة ما تعهدت به: أي تنظيم المتطرفين عبر شمال أفريقيا والانضمام إلى فلول "القاعدة" بهدف التحول إلى قوة دولية للجهاد. والأسبوع الماضي، تبنت المجموعة مسؤولية سبع عمليات متزامنة تقريباً دمرت مراكز للشرطة في مدن شرق الجزائر العاصمة، وأسفرت عن مقتل ستة أشخاص.
ويرى مسؤولو محاربة الإرهاب الدوليون إن شمال أفريقيا يمكن أن يتحول، بحكم تضاريسه الصعبة حيث تنتشر الجبال والصحراء، إلى قاعدة للإرهاب شبيهة بأفغانستان وعلى مقربة من أوروبا. وهو أمر يبعث على القلق لاسيما بالنظر إلى الجذور العميقة لسكان شمال أفريقيا في أوروبا وسهولة السفر بين المنطقتين. أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن التهديد لا يقل خطورة على اعتبار أن معظم حاملي جوازات السفر الأوروبية غير مطالبين بالحصول على تأشيرات قصد السفر إلى المدن الأميركية.
ويذكر هنا أن المجموعة الجزائرية العنيفة،"الجماعة السلفية للدعوة والقتال"، تخضع منذ سنوات لمراقبة أجهزة الأمن الأميركية. وفي هذا السياق، قال "هنري كرامبتون"، سفير الولايات المتحدة المتنقل السابق المكلف بمحاربة الإرهاب، في مؤتمر لمحاربة الإرهاب في الجزائر العاصمة العام الماضي:"لقد أصبحت "الجماعة السلفية للدعوى والقتال" منظمة إرهابية إقليمية، تُجند المتطوعين وتَنشط في بلدانكم- وماوراءها"، مضيفاً "إنها تنسج علاقات مع مجموعات إرهابية في المغرب ونيجيريا وموريتانيا وتونس وغيرها".
والواقع أن طموحات الجماعة تؤرق مسؤولي محاربة الإرهاب الذين يحرصون على عدم انبعاث شبكات تم كبحها بشكل كبير عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر من جديد. وإذا كانت جل التقديرات ترى أن أعضاء المنظمة يُعدون بالمئات، فإنها صمدت رغم أزيد من عشر سنوات من محاولات الحكومة الجزائرية القضاء عليها. بل إنها اليوم تُعد أفضل تنظيم إرهابي من حيث التنظيم وطرق التمويل في المنطقة.
العام الماضي، اختارت "القاعدة" في الذكرى الخامسة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" ممثلا لها في شمال أفريقيا. وفي يناير، قامت هذه الأخيرة بتغيير اسمها إلى "القاعدة في المغرب الإسلامي"، معلنة أن زعيم القاعدة، أسامة بن لادن، هو من أمر بهذا التغيير. وفي هذا الإطار، يقول "جون لوي بريجيار"، القاضي الفرنسي المتخصص في محاربة الإرهاب في باريس، "إن القاعدة ترمي إلى جعل "الجماعة السلفية للدعوى والقتال" قوة إقليمية، وليس قوة جزائرية فحسب"، معتبراً الجماعة الجزائرية أكبر تهديد إرهابي يواجه فرنسا اليوم. ويضيف الخبير الفرنسي قائلاً: "إننا نعلم انطلاقا من القضايا التي نشتغل عليها أن مهمة "الجماعة السلفية للدعوى والقتال" اليوم هي تجنيد الأشخاص في المغرب وتونس، وتدريبهم وإرسالهم إلى بلدانهم الأصلية أو أوروبا لشن هجمات".
أُنشأت "الجماعة السلفية للدعوى والقتال" كفرع لـ"الجماعة الإسلامية المسلحة"، التي خاضت إلى جانب ميليشيات إسلامية أخرى حرباً أهلية استمرت عقداً من الزمن بعد أن قام الجيش الجزائري بإلغاء انتخابات 1992 لأن حزباً إسلامياً كان قريباً من الفوز. وفي 2003، اختطف زعيم "الجماعة السلفية للدعوى والقتال" 32 سائحاً أوروبياً، أُطلق لاحقاً سراح بعضهم مقابل فدية بلغت 5 ملايين يورو (6.5 مليون دولار) دفعتها ألمانيا. ويقول المسؤولون إن "عماري الصيفي"، اشترى أسلحة وجند المقاتلين قبل أن يقوم الجيش الأميركي بالمساعدة على محاصرته والقبض عليه في 2004. واليوم يقضي "الصيفي" عقوبة بالسجن المؤبد في الجزائر.
ومنذ ذلك الوقت، تولى قيادةَ الجماعة زعيمٌ أكثر تشدداً هو "عبد المالك دروكدل". وحسب الجيش الجزائري، فإن"دروكدل" بدأ مشواره في التسعينيات كعضو في عصبة "أهوال" المنتمية إلى "الجماعة الإسلامية المسلحة"، والتي تُنسب إليها بعض من أفظع مذابح الحرب الأهلية في الجزائر. وقد أعلن "دروكدل" عن قدومه عبر هجوم بشاحنة ملغومة على أهم منشأة لإنتاج الكهرباء في البلاد في يونيو 2004، ووضع نصب عينيه ربط الجماعة مع "القاعدة".
وبعد ذلك، سرعان ما بدأت تظهر الصلة بـ"الجماعة السلفية للدعوى والقتال" في قضايا الإرهاب بأماكن أخرى في شمال أفريقيا وأوروبا. وبدا أن "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" وأعضاءها أصبحوا قِبلة للمجموعات المشتبه في صلتها بالإرهاب في المنطقة، على غرار العلاقة التي كانت قائمة بين ممثلي "القاعدة" في لندن قبل عقد من الزمن بالمتطرفين في أوروبا.
وقد ظهرت المؤشرات على وجود تحالف يتعدى الحدود في يونيو 2005 عندما هاجمت "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" مركزاً عسكرياً في موريتانيا، أسفر عن مقتل 15 جندياً. وحسب الجيش الأميركي، فإن المهاجمين فروا إلى الجارة مالي. ويرى مسؤولو الاستخبارات الدوليون إن المسؤولين الأمنيين المغاربة وجدوا، على إثر غارات استهدفت خلايا مشتبه في صلتها بالإرهاب الصيف الماضي، وثائق تتحدث عن اتحاد بين "الجماعة السلفية للدعوى والقتال" و"الجماعة المقاتلة الإسلامية في المغرب"، و"الجماعة المقاتلة الإسلامية في ليبيا"، ومجموعات تونسية صغيرة.
وعلاوة على ذلك، فقد أعلن الرجل الثاني في تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري في شريط فيديو في سبتمبر المنصرم أن شبكته الإرهابية العالمية اتحدت مع "الجماعة السلفية للدعوى والقتال". على أن أقوى دليل حتى الآن على تعاون "الجماعة السلفية للدعوى والقتال" العابر للحدود في شمال أفريقيا جاء في يناير بعدما أعلنت تونس أنها قتلت 12 متطرفاً إسلامياً واعتقلت 15 آخرين.
وباعتبار تونس وجهة سياحية مفضلة للأوروبيين، فإن هذا يجعل منها هدفاً مفضلاً. وقد وجدت قوات الأمن التونسية صوراً بالأقمار الاصطناعية من "غوغل أورث" للسفارتين الأميركية والبريطانية، إضافة إلى أسماء دبلوماسيين يعملون في السفارتين. غير أن الأهداف كانت تضم أيضاً، حسب مسؤولين أمنيين وصحافيين في تونس العاصمة، فنادق ونوادي ليلية.
والواقع أن هجوماً على هذه المواقع كان سيوجه ضربة قوية للقطاع السياحي في تونس، والذي يشكل أهم مصدر للعملات الأجنبية. ففي أبريل 2002، أدى هجوم تبنته "الجماعة السلفية للدعوى والقتال" على كنيس يهودي في جزيرة "جربة" السياحية، إلى إلحاق الضرر بالنمو الاقتصادي في البلاد، ليشهد العام ذاته أكثر معدلات النمو انخفاضاً في فترة عشر سنوات.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف