جريدة الجرائد

عن حزب الله.. والشجاعة الحقيقية!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

خيرالله خيرالله

من الطبيعي أن يلجأ الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله إلى التصعيد، خصوصاً أن المطلوب متابعة العملية ذات الطابع التدميري التي يتعرّض لها لبنان منذ سنوات عدّة. بدأت العملية بوضع العراقيل في طريق مشروع الانماء والاعمار الذي كان وراءه رجل استثنائي اسمه رفيق الحريري كان مسكوناً بلبنان وإحياء دور لبنان على الصعيدين العربي والدولي. كانت هذه العملية في مصلحة سوريا ولبنان وفي مصلحة السوريين واللبنانيين. ولكن ما العمل مع نظام سوري يعتقد أن تدمير بيروت والحياة في لبنان يصبّ في مصلحته؟ ربّما يصبّ في مصلحة النظام ولكن هل يصبّ في مصلحة سوريا والسوريين؟ الجواب أن ازدهار سوريا يخدم لبنان والعكس صحيح. ولكن ما العمل مع نظام يعتقد أن القتل والتدمير والقمع وإفقار الناس وجعلهم يعيشون في حال من البؤس عّلة وجوده؟
جاء التمديد لإميل لحود في سياق تنفيذ عملية تدمير لبنان والقضاء على مشروع الانماء والاعمار. وجاءت محاولة اغتيال الوزير مروان حماده بهدف واضح يتلخّص بتحذير كلّ من يقف في وجه المشروع التدميري بأنّ حياته مهدّدة. مرة أخرى أكدّ اللبنانيون تعلّقهم بالحياة وبمشروع الانماء والاعمار، فكان لا بدّ من التخلّص من رفيق الحريري. وما يشهده لبنان اليوم تتمة لردّهم على جريمة الرابع عشر من شباط 2005. أظهر ردّهم مرة أخرى أن رغبتهم في الصمود والمقاومة لا حدود لها على الرغم من الانقلاب الذي يسعى "حزب الله" إلى تنفيذه هذه الأيّام عن طريق توجيه سلاحه إلى اللبنانيين مستهدفاً حياتهم وأرزاقهم ومستقبل أولادهم وكلّ ما له علاقة بالحضارة والعيش المشترك في البلد. والأخطر من ذلك كلّه أن الانقلاب الذي وراءه "حزب الله" وأدواته المستأجرة ذات الألوان الزاهية، تعبير عن حال من الافلاس السياسي كان أفضل تعبير عنها اضطرار حسن نصرالله في خطابه الأخير للتذرّع بالأديان السماوية والشرائع لتبرير احتفاظ الميليشيا التي بإمرته بسلاحها. إلى ما قبل فترة قصيرة، كان نصرالله يتحدّث، هو وأركان حزبه، عن البيان الوزاري لحكومة شرعية يرفضون الاعتراف بها. مرّت المحاولة الانقلابية التي يؤكّد الأمين العام لـ"حزب الله" أنها "ستنتصر" على غرار انتصاره الصيف الماضي على اسرائيل، بمراحل عدّة كانت حرب تموّز الماضي احداها. إذا كانت حرب الصيف انتصاراً، فهي انتصار على لبنان واللبنانيين. لا يزال البلد يعاني من الآثار المدمّرة لتلك الحرب التي افتعلها الحزب والتي استخدمت فيها اسرائيل قسماً لا بأس به من همجيتها. هل يريد السيّد نصرالله استكمال الحرب الاسرائيلية على لبنان كي يتكرّس الانتصار الذي يعد به أنصاره؟ هل الانتصار على بيروت عن طريق تعطيل الحياة فيها يعتبر انتصاراً؟ هل إثارة الغرائز المذهبية، خصوصاً بين السنة والشيعة، يعتبر انتصاراً؟ هل جعل لبنان أسير المحور الإيراني ـ السوري يعتبر انتصاراً... أم أن الانتصار الحقيقي يكون في تمكين اللبنانيين، جميع اللبنانيين من الاستفادة من نتائج مؤتمر باريس ـ 3؟
تحدّث الأمين العام لـ"حزب الله" في خطابه الأخير طويلاً عن الشجاعة. نعم ثمّة حاجة إلى شجاعة وإلى قرارات شجاعة بدءاً بالاعتراف بأن حرب الصيف كانت كارثة على لبنان وأن سلاح "حزب الله" سلاح ميليشيوي لا يخدم لبنان، بل يخدم العملية ذات الطابع التدميري التي لا هدف لها سوى القضاء على لبنان وإعادته إلى نظام الوصاية الذي لديه رسالة واضحة يوجّهها إلى اللبنانيين: إمّا تلغى المحكمة ذات الطابع الدولي في اغتيال رفيق الحريري والجرائم الأخرى المرتبطة بها... وإمّا يستمر مسلسل الاغتيالات والتفجيرات وتستمرّ معه المحاولة الانقلابية بقيادة "حزب الله".
إن احتلال وسط بيروت وتعطيل المؤسسات والتسبب في إغلاق المحلات التجارية والمطاعم وتطفيش المستثمرين العرب والأجانب ليس عملاً حضارياً. من يحتلّ الممتلكات الخاصة والعامة ويرابط فيها يقوم بعمل ذي طابع أقرب إلى الابتزاز من أيّ شيء آخر. مَنْ يمتلك شجاعة حقيقية ينادي بثقافة الحياة وينادي بلبنان أوّلاً ويتمسّك بمشروع الانماء والاعمار ويتمسّك بالشرق الأوسط العربي كما يفعل سعد رفيق الحريري ويرفض توزيع الاتهامات يميناً ويساراً في شأن السلاح والمسؤولية عن استخدام السلاح. مَنْ يمتلك شجاعة حقيقية يتذكّر دائماً كم عانى لبنان وكم عانى أهل الجنوب، خصوصاً، جرّاء إبقاء جبهة الجنوب جرحاً نازفاً منذ أواخر الستينات من القرن الماضي. مَنْ لديه شجاعة حقيقية يقول إن لبنان يستحق الحياة ويستحق أن يعامل بطريقة مختلفة عن تلك التي كانت تعامله بها المنظمات الفلسطينية المختلفة التي شاركت في تدمير وسط بيروت في ظل تشجيع النظام السوري. من يريد أن يتذكّر الماضي قليلاً للاستفادة من تجاربه يتذكّر أمرين. الأمر الأوّل الدور الذي لعبته "القيادة العامة" التابعة لأحمد جبريل، وهي تنظيم موال للنظام السوري كلّياً، في تدمير فنادق بيروت منتصف السبعينات من القرن الماضي. أمّا الأمر الثاني فهو إرسال دمشق وحدات جيش التحرير الفلسطيني التي كانت في أراضيها لترابط على خطوط التماس في وسط بيروت خلال الحرب اللبنانية. تكمن الشجاعة في رفض "حزب الله" هذا الدور الذي يراد له أن يلعبه في إطار عملية تدمير بيروت وغير بيروت!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف