جريدة الجرائد

نموذج كوسوفو

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

أريك بخر ـ معاريف

بعيداً عن مركز الاهتمام العالمي، الذي يقلقه الارهاب وارتفاع حرارة الكرة الارضية، اتخذ في بداية الشهر قرارٌ يجب أن يُثير قلق اسرائيل كثيراً، لا سيما على خلفية محاولات إثارة انتفاضة عربية داخلها. ذلك أنه لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، قرر المجتمع الدولي تغيير حدود دولية من دون موافقة جميع الأطراف على جانبي تلك الحدود.
فقد نشر المبعوث الخاص للأمين العام للامم المتحدة، مارتي أهتيساري، تقريراً وضع فيه الأسس لاستقلال منطقة كوسوفو عن الصرب، تلك المنطقة التي أدى حصول انتفاضة فيها من قبل الأكثرية ذات الأصل الألباني المسلم الى محاولة تطهير عرقي على أيدي الأقلية الصربية، وهو ما أوقفه الهجوم العسكري لحلف الناتو في 1999 فقط.
يدور الحديث في ظاهر الأمر عن اجراء تاريخي عادل. يدفع الصرب ثمن وحشيتهم، بعد أن حاولوا تطهير المنطقة من 90 في المئة من سكانها ـ وهم مسلمون عانوا تحت حكم الأقلية الصربية المسيحية، التي اضطهدتهم بدعم السلطات في بلغراد. المشكلة هي أن اقتراح الامم المتحدة يبدو الحل السهل نسبيا، على خلفية ما يحدث في العالم. فاذا كان هذا قد حدث في صربيا، فلماذا لا يُقتطع اقليم دارفور من السودان، حيث لا يحدث تطهير عرقي بل مذابح عرقية حقيقية؟.
عندما يأتي الصرب ليُبينوا للاسرائيليين أهمية كوسوفو بالنسبة لأُمتهم، فانهم لا يساوونها بالضفة الغربية بل بالجليل. في سنة 1389 حدثت في كوسوفو معركة دامية بين الصرب وجيش الامبراطورية العثمانية، وهي مواجهة أصبحت بوتقة صهر الأمة الصربية. انهم ينظرون اليوم الى كوسوفو كما يشعر اليهود نحو القدس تقريباً.
طلبت لهم الامم المتحدة الآن أن يستعدوا للانفصال عن تلك القطعة من الوطن، وكما هو متوقع رفض البرلمان الصربي ـ الذي انتُخب في المدة الأخيرة فقط ـ الاقتراح في الاسبوع الماضي بغضب. يقول اهتيساري إن من الواضح له أن فرض مجلس الأمن فقط سيُمكّن من تطبيق خطته. إن مجلس الأمن لا يذكر مصطلح استقلال بصراحة، لكنه يمنح كوسوفو علماً، ونشيداً وطنياً، ودستوراً، وجيشاً وعضوية في المنظمات الدولية.
سألت في الاسبوع الماضي الأمين العام لحلف الناتو، ياب دي هوب سيغر، هل اللعب بالحدود الدولية فكرة سليمة. وأجاب أن الخطة تتمتع بتأييد تام من الأسرة الدولية، وفي ضمن ذلك الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي. وقال انه في كل مكان سيعتقد العالم جدوى ذلك، سيستطيع أن يقتطع مناطق لحل أزمات.
إن حالة كوسوفو مهمة لاسرائيل من زاويتين. الاولى، الجانب الديمغرافي هو الحاسم، لان من السهل أن نزعم أن أكثرية عرقية في منطقة ما تستحق أن تقرر مصيرها على نحو مستقل. والثاني أن السلوك الذي يعتمد القوة وسيلة في مواجهة سكان القلة يمنح المنظمات الدولية شرعية التدخل على نحو بارز في القضايا الداخلية للدولة، التي لا تعي كيف تُديرها على حسب معايير معقولة.


ترجمة: عباس اسماعيل

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف