جريدة الجرائد

نووي إيران وكوريا الشمالية: هناك فرق

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

هانز بليكس

يبقى ملف كوريا الشمالية النووي شائكا ومعقدا، وبالرغم من ذلك فهناك أفق لصفقة بين كوريا الشمالية والقوى الخمس، أي أميركا والصين وروسيا واليابان وكوريا الجنوبية. وبالطبع يبقى من غير المرغوب فيه أو المرحب به اللجوء للخيار الآخر، أي الحرب وتغيير النظام، لأن ذلك ومن وجهة نظري ليس واقعيا في حالة كوريا الشمالية، ولنا هنا أن نضع في الاعتبار أن لديهم مدفعية هائلة يمكن أن تستهدف سيول. ومن الواضح أن الولايات المتحدة حاولت، لفترة معينة، عدم تأجيج الوضع.

في المقابل، وكبديل لذلك الخيار، أرى أن طريقة المراحل في المفاوضات، أي التدرج خطوة خطوة في "من يحصل على ماذا"، طريقة معقولة. ولكن في المقابل أيضا ستكون هناك الكثير من العوائق بينما تسير المفاوضات المستقبلية عبر الخطوات المحددة. لن يكون الأمر يسيرا، فالكوريون الشماليون أقرب إلى الإنسان المحشور في زاوية، وسيحاولون الحصول على أكبر ما يمكن من أموال انطلاقا من التجارب التي أجروها في الصواريخ والتفجيرات النووية التي أجروها في الفترة الأخيرة. ولكن هذه خطوة أولى هامة.

والى ذلك فالتغير الأكثر أهمية في رأيي في شأن هذا الملف الشائك يكمن في أن الولايات المتحدة وضعت على الطاولة الوعد الأخير بالضمانات الأمنية، وتطبيع العلاقات في نهاية عملية نزع السلاح. وهذه مسائل أساسية. والنقطة التي كان الكوريون الشماليون يعودون إليها دائما في أية مفاوضات سابقة هي أن على الولايات المتحدة أن تتخلى عن موقفها العدائي.

وفي النهاية فالسؤال هنا هو ما الذي تراه كوريا الشمالية باعتباره ضمانة استقلالها وبقاء نظامها، القنبلة ام الضمانات الأمنية ؟ وردي هنا أنه يجب عليهم أن يعرفوا أن القنبلة لن تجلب لهم سوى المزيد من العزلة وتجعل من بقائهم مسألة هشة. ومن هنا تبدو الطريقة المتعددة الجوانب للأطراف الخمسة المحيطة ايجابية، فهي تمارس مزيدا من الضغط على كوريا الشمالية للسير في الطريق، ولكنها تجعل كوريا الشمالية تنظر أيضا تجاه المزيد من الضمانات الأمنية مقابل معادلة تغيير النظام القادمة من جانب الولايات المتحدة، فيما يجري تعزيز مصداقية أية ضمانات بصورة شاملة.

ومن الطبيعي أن هناك الآن الكثير من المحفزات، وخصوصا إمدادات النفط التي تحتاجها كوريا الشمالية بصورة حيوية في الشتاء.

وعلى العموم، فقد دفعت الضغوط الاقتصادية المستمرة كوريا الشمالية إلى عقد صفقة، فهم على أية حال يعيشون في مستويات عيش متدنية على نحو بائس. ولكنني لست واثقا إلى أي مدى تؤثر العقوبات الأخيرة التي فرضتها الأمم المتحدة، مع أنها ليست كثيرة. وكم ستؤثر استعادة بعض الملايين من بنك ماكاو؟ كما أن الصينيين أوضحوا أنهم لن يفتشوا السفن الكورية الشمالية في البحر.

أما على صعيد ما هو مطلوب من بيونغ يانغ، فتقديري أنهم، وأولا، كان علي كوريا الشمالية أن تعلن قائمة بكل مواقعها النووية، التي يجب، طبقا لقواعد وكالة الطاقة النووية، أن تكون "كاملة وصحيحة". وأذكر هنا أنه وعندما اندلعت الأزمة في كوريا الشمالية في التسعينات عندما كنت رئيسا للوكالة الدولية للطاقة، توصلنا إلى أن إعلان كوريا الشمالية ليس "صحيحا". وتوصلت الوكالة إلى انه لديهم كميات من البلوتونيوم أكثر من تلك التي أعلنوا وجودها لديهم، لأنهم كانوا قد اجروا عمليات تخصيب أكثر من مرة.

وهنا تنداح منظومة من الأسئلة:

* هل ستكون بياناتهم صحيحة هذه المرة؟

* هل هناك مواقع أخرى بالإضافة إلى مواقع يونغبيون؟

* هل يمكن أن تفتح أمام المفتشين؟

* هل هناك مواقع أخرى لتخصيب اليورانيوم، كما تدعي الولايات المتحدة؟

* ماذا عن مناجم اليورانيوم؟

* وكم عددها؟

وهنا أقول، لقد زرت احدها، واعرف وجود مفاعل طاقته 200 ميغاوات تحت الإنشاء. كوريا الشمالية دولة كبيرة فيها عدد من الأنفاق محفورة في التلال، ولم يعرف بعد ماذا يوجد بها، وما مدى ثقتنا عما نعرفه من صور الأقمار الصناعية؟

وهنا أيضا نأتي لسؤال شائك آخر: ما هو مدى حرية الحركة التي سيتمتع بها مفتشو الوكالة؟

الجميع يتذكرون كم كانت تلك قضية كبيرة في العراق. وفي إيران اليوم، حيث يوجد خلاف نووي، الأجانب في كل مكان، والتدويل للقضيتين في العراق وإيران حدث بالفعل، فيما ومع حالة كوريا الشمالية نجد أنفسنا أمام دولة منغلقة، الأمر الذي سيجعل مهمة التفتيش أكثر صعوبة، ومن هنا يجب علينا أن نكون أكثر حذرا من كوريا الشمالية بالمقارنة بإيران عندما يتعلق الأمر بالتفتيش.

وبمضاهاة الأمر مع الملف الإيراني هناك فوارق. فهنا، لم يتطرق الأمر إلى الضمانات الأمنية في المفاوضات بين إيران والغرب، وربما يشعر الإيرانيون باعتزاز لكي يطالبوا ذلك، ولكن الولايات المتحدة لم تتقدم بها.

ثانيا لم تجر أية أحاديث حول تطبيع العلاقات في نهاية العملية، لان الولايات المتحدة ليس لديها علاقات دبلوماسية مع طهران منذ أزمة الرهائن في 1979.

والخلاف الآخر المهم، وهو أساسي: فقد أصر الأوروبيون والاميركيون على وقف إيران عملية تخصيب اليورانيوم كشرط أساسي قبل بداية المفاوضات. بينما استمرت المفاوضات مع كوريا الشمالية حتى وهم ينتجون المزيد من البلوتونيوم.

لقد خصبت إيران كمية محدودة للغاية من اليورانيوم، وأمامهم طريق طويل لإنتاج القنبلة، ربما سنوات. أما كوريا الشمالية فقد أجرت تجربة نووية ومع ذلك استمرت المحادثات.

لقد وضع الغرب نفسه في مأزق في ما يتعلق بإيران، ويجب عليهم الجلوس والتحدث مع الإيرانيين بدون شروط مسبقة. وحين نطرح التساؤل، لماذا لا تكون هناك اتفاقية مثل تلك التي مع كوريا الشمالية ممكنة مع إيران؟

والإجابة الصريحة هنا، أنه يجب على الغرب التفاوض مع إيران، إلغاء الشروط المسبقة لبداية المحادثات والتفكير في الضمانات الأمنية. وإذا ما تبين أن إيران تتدخل في العراق، يمكن إثارة ذلك في المحادثات أيضا. هذا موضوع مشروع.

* المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة النووية ورئيس فريق مفتشي الأمم المتحدة في العراق 2000 ـ 2003 ، والمقال مأخوذ من حوار أجرته معه "غلوبال فيوبوينت" "الشرق الأوسط".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف