جريدة الجرائد

خيارات بوش تجاه إيران وركلات الوقت الضائع!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

السبت 24 فبراير 2007

توماس فريدمان


ما أن أرى الرئيس الأميركي جورج بوش وهو يلهث في صراعه الحالي مع كل من إيران وكوريا الشمالية والعراق، حتى تعود إلى خاطري تلك العبارة التي كثيراً ما ترددت عن إدارة الرئيس الأسبق ريجان: "أنى لليد اليمنى أن تدرك ما تفعله اليسرى؟". وإنني لأكاد أجزم بأنه وما أن يُكتَبَ التاريخ الداخلي لإدارة الرئيس بوش، حتى ندرك أنها كانت إحدى أكثر الإدارات الأميركية تمزقاً وتشرذماً من الداخل، على رغم ما يبدو عليها من تماسك خارجي وانضباط صارم، يقوم على جوهر المبادئ المحافظة. على أن الشيء الوحيد الذي اتفق عليه طاقم بوش، هو عدم تكرار أي من الأفعال المنسوبة للرئيس الأسبق بيل كلينتون. وفيما عدا ذلك، فهم يختلفون حول كل شيء. وليس أدل على ذلك مما كشفت عنه محاكمة "سكوتر ليبي" الأخيرة، وما ورد فيها من إفادات وأقوال قضائية، بينت مدى وطبيعة العراك الحامي بين مكتب نائب الرئيس والبيت الأبيض من جهة، والبيت الأبيض ووكالة الاستخبارات المركزية من جهة أخرى، ثم عراك الكل مع وزارة الخارجية. كما أكد الحقيقة نفسها "جون بولتون"، السفير الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة، بتقليله من شأن الصفقة النووية الأخيرة التي عقدها بوش مع بيونج يانج، ووصفه إياها بأنها ليست أكثر من مجرد خدعة زائفة. بل الصحيح أن في ذلك الموقف ما يشف عن أكبر صدع وانقسام من نوعه، داخل صفوف الإدارة.

"وفيما يتصل بإيران وكوريا الشمالية، فالإدارة ما تزال تفتقر إلى أدنى سياسات بشأنهما، وذلك بسبب تنازع المواقف والأهداف في صفوفها". ذلك ما قاله روربرت ليتواك، من "مركز ويلسون" ومؤلف الكتاب الصادر للتو "تغيير النظام: الاستراتيجية الأميركية من منظور 11 سبتمبر". ويستطرد ليتواك قائلاً: إن الأسطوانة التي لا تمل الإدارة من تردادها هي أن "كل الخيارات لا تزال فوق الطاولة". لكن المعضلة هي أن هناك الكثير جداً من الأهداف فوق الطاولة نفسها! وبسبب طول أمد الانقسام الداخلي للإدارة حول أي الخيارين أفضل: تغيير النظام أم تغيير السلوك، فإنها لم تحقق أياً منهما بعد. وبالنتيجة فهي لم تحصل إلا على شيء واحد فحسب، هو شراء كل من بيونج يانج وطهران لشهادة التأمين التي قدمتها لهما إدارة بوش، أي تطويرهما لبرامجهما النووية.

وإنه لمن بداهة القول إن بوش قد أدرك هذه الحقيقة، وهو يلهث الآن لتصحيحها. وكان سلفه كلينتون قد انتُقِدَ بسبب اعتماد إدارته على الهواة والمبتدئين، أكثر مما فعل أي رئيس أميركي قبله. أما بوش، فسيرسخ في ذاكرة الأميركيين لكونه أكثر الرؤساء إحاطة لنفسه بالهواة واللاعبين المبتدئين في سياسته الخارجية.

وفيما يتصل بكوريا الشمالية، فقد تمكن بوش في نهاية المطاف، من إبرام صفقة ممتازة مع نظيره الكوري الشمالي "كيم يونج إيل"، الأسبوع الماضي، قضت بشطب بيونج يانج من قائمة الإرهاب الدولي الأميركية، وبتطبيع العلاقات بين البلدين، شريطة أن تتخلى بيونج يانج عن ترسانتها النووية. وكان في وسعنا التوصل إلى صفقة مماثلة قبل عدة سنوات خلت، لولا تطاحن وعراك طاقم بوش الداخلي، حول أي الخيارين أفضل: تغيير النظام أم تغيير السلوك في بيونج يانج؟ وفيما لو جرى تنفيذ هذه الصفقة الأخيرة، فإن تلك السنوات البور، لن تعد خسارة كارثية تذكر، رغم عدم وجود أي ضمانات لتنفيذها حتى الآن. أما إذا لم تنفذ، فتلك هي الكارثة بعينها.

وبهذه المناسبة نتساءل: لماذا نحن عاجزون حتى الآن عن بلورة أي خطة جدية لوضع حد لإدماننا للنفط، رغم مرور عام كامل على ذلك الخطاب الذي حدثنا فيه بوش عن "إدماننا للنفط"؟ والإجابة هي أن "أرباب" وحماة سياسات السوق في البيت الأبيض -بقيادة نائب الرئيس ديك تشيني- قد عقدوا العزم على عرقلة أية جهود حكومية ترمي إلى فرض ضريبة أو سقف معين على انبعاثات غاز الكربون، بغية تشجيع ابتكار مصادر الطاقة البديلة المتجددة، بينما آثر الرئيس الجلوس مكتوف اليدين، واكتفى بالفرجة على ما يدور حوله!

وعن العراق، فمن المفارقات العجيبة أن ذلك البلد كان المكان الوحيد الذي نحا فيه بوش إلى خيار "تغيير النظام"... لكن انظرْ كم هي بائسة عواقب ذلك الخيار، ابتداءً من النقص الحاد في عدد القوات اللازمة، ما أفقد العراق قدرته على النهوض على قدميه حتى الآن. وفيما لو أنفق كل من رامسفيلد وتشيني ذات الوقت الذي أمضياه في التآمر على تنحية كولن باول من منصبه، في التخطيط لكيفية إسقاط صدام حسين، لكان العراق اليوم، سويسرا الشرق الأوسط. وما زيادة عدد القوات التي قررها بوش مؤخراً هناك، سوى ضربة هواة أخرى، لكونه يحاول جاهداً وبعد فوات الأوان، أن يقوم في عام 2007 بما كان يجب القيام به أصلاً منذ عام 2003. ويا لهول الثمن الفادح الذي دفعناه!

واليوم، كيف لنا أن نتفادى المطالبة بركلة إضافية في الزمن الضائع، لكن في إيران هذه المرة؟ علينا أن نضع على الطاولة، صفقة لا لبس ولا غموض في أهدافها ومزاياها: علاقات دبلوماسية كاملة، وتعهدات وضمانات أمنية لطهران، فضلاً عن إصدار آلاف تأشيرات الدخول للطلاب الإيرانيين، فيما لو وضعت طهران برامجها النووية تحت إمرة ورقابة الأمم المتحدة، وكفَّت عن دعمها للإرهاب. فإما هذا أو العقوبات والعزلة الدولية. فهل يحسن الضربة الأولى الصحيحة في طهران، لاعبو الغولف السياسي في البيت الأبيض هذه المرة؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف