جريدة الجرائد

الانسحاب من البصرة.. إقرار بريطاني بالهزيمة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


باتريك كوكبيرن - الاندبندنت

إنه اعتراف بالهزيمة، فالعراق آخذ بالتحول الى واحد من اكثر ميادين الحروب في العالم دموية حيث لا يسلم أحد. وقد أعلن توني بلير مؤخراً، معمياً عينيه عن هذه الحقيقة، بأن بإمكان بريطانيا ان تخفض عديد قواتها بأمان في العراق لأن المؤسسات التابعة للحكومة العراقية تصبح أكثر قوة.

لكن الحقيقة هي ان أوار الحرب الاهلية في العراق يزداد سوءاً يوما بعد الآخر. وثمة نقص في الغذاء في بعض انحاء البلاد هناك إلى درجة ان ربع السكان سيتضورون جوعا من دون ان تقدم الحكومة على توزيع حصص غذائية. كما يعاني العديد من العراقيين من الأمراض لان مياه الشرب التي يتناولونها تأتي من نهري دجلة والفرات الملوثين بنسب كبيرة. ولم يكن هناك في أي مكان من تصريح بلير أي نبرة تنم عن شعور بالندم على الانحدار بالعراق الى ارض خربة هجرها نحو مليوني مواطن، فيما تشرد فيها داخليا 1,5 مليون مواطن.

ناديا المشهداني هي امرأة سنية وأم لاربعة اطفال، أجبرت على مغادرة منزلها في ضاحية الحرية في بغداد تحت تهديد بالقتل وجهه مسلحون شيعة يوم الخامس والعشرين من كانون الأول - ديسمبر الماضي. لم يسمح لها بأخذ أي شيء من ممتلكاتها. وهي تعيش الآن مع افراد عائلتها في غرفة صغيرة في احدى المدارس بضاحية سنية من العاصمة العراقية. وقالت السيدة المشهداني لصحيفة الاندبندنت "لقد وعدونا بالحرية، لكننا نجد انفسنا الآن مثل العبيد.. لا حقوق ولا منازل ولا حرية ولا ديمقراطية، ولم تعد لدينا القوة الكافية لننطق بكلمة واحدة." ومثل العديدين من السنة، فإنها تعتقد بأن الولايات المتحدة عززت من نزعة الكراهية الطائفية في العراق للإبقاء على سيطرتها على البلد.

ربما ينطبق وصف السيد بلير للعراق على بلد مختلف عن ذلك البلد الذي تحاول السيدة المشهداني العيش فيه. وقد تهرب رئيس الوزراء من الإجابة عن السؤال الذي يتعلق بالسبب الذي يجعل بريطانيا تخفض عديد قواتها في العراق الى أدنى من 5000 جندي مع حلول الصيف، في نفس الوقت الذي ترسل فيه الولايات المتحدة 21,500 جندي اضافي كتعزيزات. وشدد على القول بأن الحالة في الأماكن التي توجد فيها القوات البريطانية حول البصرة مختلفة كثيرا عن تلك السائدة في بغداد وفي وسط العراق، حيث تتركز جل القوات الاميركية.

أما السرعة التي يتم خلالها خفض القوات البريطانية في جنوب العراق فهي أبطأ مما تكهن به العديد من الضباط البريطانيين خلال احاديث خاصة. وقال السيد بلير في الاثناء "ان التواجد العسكري للمملكة المتحدة سيستمر في عام 2008"، لكن إعادة انتشار لكامل القوات البريطانية المتبقية في قاعدة البصرة الجوية ستتم قبل ذلك بوقت دعما لوحدات الشرطة والجيش العراقيين.

لقد أعطى السيد بلير الانطباع بأن تواجد القوات الاميركية والبريطانية يحظى بشعبية في صفوف العراقيين. أما الحقيقة فهي أن استطلاعاً للرأي كان قد استشهد به تقرير بيكر - هاميلتون عن الحزبين الجمهوري والديمقراطي قال ان نسبة 61% من العراقيين يحبذون شن هجمات مسلحة على القوات الاميركية والبريطانية. وحتى عندما كان السيد بلير يتحدث، كانت ثمة انقسامات مريرة تدور داخل العراق حول حادثة مزعومة لاغتصاب امرأة سنية في بغداد على أيدي ثلاثة عناصر من القوات الأمنية التي يسيطر عليها الشيعة يوم الاحد الماضي. وقد شجبت الحكومة العراقية ذات الأغلبية الشيعية المزاعم عن الاغتصاب، وادعت بأن السيدة كانت تكذب، وأثنت على العناصر الثلاثة الذين اتهمتهم السيدة باغتصابها. وفي الغضون، وبالرغم من ان ارقام الامم المتحدة تظهر ان حوالي 3000 عراقي يقتلون بفعل اعمال القتل الطائفي كل اسبوع، فإن من شأن حوادث الاغتصاب المزعومة ان تذهب بالبلد اكثر إلى الوقوع في أتون الحرب الأهلية.

لقد رسم السيد بلير صورة للعراق تظهره وكأن التقدم السياسي والاقتصادي الذي يتحقق فيه انما يتعرض للإعاقة على أيدي ارهابيين غير مكترثين. وادعى ان هدف تلك المجموعات هو "الحيلولة دون تفعيل الديمقراطية". لكن واحدة من المشاكل الرئيسة هناك هي أن وضع الدستور وإجراء عمليتين انتخابيتين في عام 2005 قد ولدت خلافات بين السنة والشيعة والاكراد. وقال رئيس الوزراء إن هناك 130.000 جندي في الجيش العراقي و150.000 فرد في قوات الشرطة. ومع ذلك، فقد أظهر تقديراً محدوداً للمدى الذي ترتبط فيه هذه القوات بالميليشيات الشيعية او المتمردين السنة.

في الوقت ذاته، صدر عن مسؤولي الحكومة الاميركية رد فعل جسور على خفض عديد القوات البريطانية في العراق. ومع أن الناطق الاميركي الرسمي ما يزال يشير الى "التحالف"، إلا أن هذا التحالف أصبح اليوم عبارة عن مجموعة صغيرة من البلدان، حيث تتكون أكبر مجموعة بعد الوحدة البريطانية من 2.300 جندي من كوريا الجنوبية. وفي الأثناء أعلنت الدنمارك يوم الحادي والعشرين من شباط الحالي عن نيتها سحب 470 جندياً من قواتها العاملة في العراق مع حلول شهر آب - اغسطس المقبل.

أما حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، فهي تتمزق باطراد بسبب الضغوطات المتناقضة من الولايات المتحدة ومن مؤيديها الشيعة. وقد فكرت الولايات المتحدة في تنحيته من منصبه، ولكن، ومع أن أي حكومة تخلف حكومته قد تكون قريبة اكثر من الولايات المتحدة إلا أنها ستحظى غالباً بتأييد شعبي محدود. وفي الغضون، اشتكى السيد المالكي من أنه لا يستطيع تحريك مجموعة من الجنود من دون الحصول على إذن من الولايات المتحدة على الرغم من تحدث أطراف التحالف عن احترام سيادة العراق.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف