الطبقة الوسطى في الخليج وصعوبة التعريف
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الأثنين 26 فبراير 2007
جيمس زغبي
لا تقتصر أبحاث ومسوحات الرأي العام، على قياسها لاتجاهات السلوك العام فحسب، بل يمكنها أن تكون مفيدة للغاية، في تحديد ودراسة الواقع الاجتماعي نفسه. وعليه فقد أجرينا استطلاعاً مشتركاً للرأي العام بين مؤسسة "زغبي العالمية" لاستطلاعات الرأي، ومؤسسة "ماكينزي وشركائها" حول الدور المتنامي والحيوي الذي تؤديه الطبقة الوسطى في اقتصادات منطقة الخليج العربي. وكان في اعتبار مؤسسة "ماكينزي" قياس أهمية الطبقة الوسطى، باعتبارها مؤشراً على استقرار دولة ما من الدول، وعلى آفاق واحتمالات نموها المستقبلي، إلى جانب اهتمامها بقياس أثر الخصخصة على فاعلية الدور الذي تؤديه هذه الطبقة الاجتماعية.
أما من ناحيتنا في مؤسسة "زغبي العالمية"، فقد انصب اهتمامنا على سؤال محوري، هو كيفية تعريف الطبقة الوسطى أولاً. ذلك أن المفاهيم مثل "الشريحة العليا" و"الشريحة الدنيا" من الطبقة الوسطى، قد تأثرت كثيراً في تطورها وصياغتها كمفاهيم، بعلم الاجتماع الغربي، وجاءت بمثابة ردة فعل على المفاهيم الحتمية الماركسية لما ترمز إليه الطبقة الاقتصادية. ولذلك السبب، فقد ظلت تلك التعابير عائمة وخاضعة لعدة معايير وقياسات، تعتمد في معظمها على أنماط الاستهلاك والتوقعات وما إليها.
ولدى بحثنا في محرك "جوجل" الإلكتروني، مستخدمين كلمات أساسية مثل: السعودية، الإمارات، البحرين... الطبقة الوسطى"، حصلنا على إجابة امتدت لآلاف المقالات حول مادة البحث، ولكن دون أن نعثر في أي واحدة منها، على كيفية علمية لتعريف الطبقة الوسطى الخليجية. بل تحرياً للدقة، إن التعريفات التي حصلنا عليها خلال البحث، كانت على قدر كبير من الالتباس والتناقض، في وصف الفئة الاجتماعية موضوع البحث.
ولذلك فقد كان خيار إجراء استطلاع للرأي العام الخليجي، هو الحل الأقرب والأمثل للمشكلة. وشمل الاستطلاع الذي أجريناه بهذا الخصوص في كل من السعودية والإمارات والبحرين، ما يقارب الألفين وأربعمائة (2400) مواطن من هذه الدول. وإلى جانب توجيه السؤال للمستطلعة آراؤهم، عن عملهم ووظائفهم، شملت أسئلتنا كذلك، جوانب أخرى عن الأسر والاهتمامات والسلوك، إلى جانب سؤال رئيسي عن الكيفية التي يعرِّفون هم بها مفهوم "الطبقة الوسطى". وقد مكَّن ثراء المعلومات الذي وفره استطلاع الرأي هذا، كل مجتمع من المجتمعات، من تحديد وتعريف الخصائص والسمات المميزة لكل واحدة من طبقاته الاجتماعية. وبالنتيجة، فقد توصلنا إلى فوارق جد كبيرة، ليس بين الدول الثلاث التي شملها الاستطلاع فحسب، وإنما في السلوك والاهتمامات الخاصة بكل طبقة واعية بذاتها في تلك الدول والمجتمعات.
فعلى سبيل المثال، ذهب إلى تعريف أنفسهم باعتبارهم منتمين إلى "الطبقة الوسطى" ثلثا الذين شملهم الاستطلاع في الدول الثلاث. ولدى مراجعتنا لبيانات واستمارات الاستطلاع، تكشف لنا المزيد من التفاصيل المتعلقة ببروز الطبقة الوسطى المؤكدة لهذا التعريف. من ذلك مثلاً إجابة معظم المستجيبين لأسئلة الاستطلاع بأنهم يعملون بنظام الأجر، لدى سؤالهم عما إذا كانوا يعملون في القطاع العام أم الخاص. وفيما عدا الذين يعملون منهم في القوات النظامية، فإن غالبية من شملهم الاستطلاع، يمكن وصفهم بما يعرف في الغرب بـ"ذوي الياقات البيضاء". ويشمل هذا الوصف، المهنيين والمدرسين والعاملين في مجال الرعاية الصحية، وموظفي المكاتب وغيرهم.
وعموماً يقع هؤلاء الذين نسبوا أنفسهم للطبقة الوسطى، واستناداً على مستويات الدخل والأجور، بين الفئة العليا والدنيا. ومما يثير الاهتمام أن سلوكياتهم جاءت في المرتبة الوسطى أيضاً. ذلك هو ما بينته إجاباتهم عن الأسئلة المتصلة بالأمن الوظيفي، ونظامي التعليم والرعاية الصحية في بلدانهم، وبما إذا كان لهم المال والوقت الكافيان للاستمتاع بأوقات فراغهم. وعلى رغم وجود بعض الفوارق بينهم، فإن القاسم المشترك بين من شملهم الاستطلاع، هو وسطية وضعهم الاجتماعي، كما وصفوا هم أنفسهم بذلك، وحددوا هويتهم الطبقية. ومما لاشك فيه أن هناك الكثير من العمل اللازم القيام به لاحقاً. إلا أن هذه النتيجة السريعة، التي يمكن الخروج بها من أي استطلاع للرأي، في وسعها المساعدة في وصف وتعريف الكثير من الظواهر الاجتماعية.