الموت يغيّب جوزف سماحة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
السفير
قبل أيام استقل جوزف سماحة الطائرة إلى لندن ليكون جوزف: صديق عمر الكاتب والصحافي حازم صاغية. لم يكن قد مضى أسبوع على وفاة زوجة صاغية، الكاتبة والفنانة مي غصوب. يقال إنه في الليلة التي سبقت سفره، تحدّث سماحة كثيراً عن الموت الذي لطالما سخر منه، وكيف أنه ذهب بمي بهذه السرعة، بغتة.
أقام سماحة مع صاغية في البيت اللندني نفسه.
ليل 24ـ25 شباط 2007 تناولا العشاء سوية. كان سماحة يشكو من وجع في صدره. في القلب الذي غذّته الأحلام الكبرى. رجاه "رفيق الدرب" أن يرى طبيباً، لكنه، كعادته، رفض. اعتبر "العارض" عابراً. جوزف العنيد دائماً في صحّته، الأقل مرونة في شؤونها مما هو في الأفكار المفتوحة دائماً على الحوار والاختلاف. شرب سماحة كوباً من العصير، وقال إنه يشعر بتحسن. دخل لينام.
في الصباح، أعد حازم ركوة القهوة ودخل ليوقظ عزاءه: صديق الطفولة والشباب. لم يستيقظ جوزف سماحة. توقف قلبه خلال نومه. رحل بسلام الدنيا وهدوئها. لم يمض ليلته الأخيرة في بيروت التي جافاها الهدوء والسلام منذ زمن. لكن المدينة، بأهلها، لن تكف عن أداء فروض الوداع الذي لا آخر له... تماماً كأفكار جوزف سماحة التي أغدقها على الصحافة العربية طوال 35 عاماً.
لقلبه وابتسماته ونبل عينيه كل الحب والشوق.
المقال الأول في السفير
في العدد الثاني من السفير بتاريخ 27 آذار1974 كتب جوزيف سماحة:
... فـي ســطـور
في الملف المكلل باسمه في "المركز العربي للمعلومات"، خانتان شاغرتان: "المذهب" و"تاريخ الوفاة". مُلئت الثانية أمـس: ليـل 24 ـ 25 شباط ,2007 وظلت الأولى شاغرة.. كما، على الأرجح، أراد لها جوزف نصري سماحة.
صحافي لبناني، ولد في الخنشارة (المتن الشمالي) العام .1949 أنهى دراسته الثانوية في مدرسة "الفرير" في بيروت، لينتقل بعد ذلك إلى الجامعة اللبنانية حيث نال الليسانس في الفلسفة العام ,1972 ثم حاز على دبلوم دراسات معمقة في العلوم السياسية العام 1981 في باريس.
ولداه: أميّة (30 عاماً) وزياد (29 عاماً).
عمل في مجلة "الحرية" من العام 1972 وحتى ,1974 ثم التحق بجريدة "السفير" العام 1974 وبقي فيها حتى .1978
ترأس تحرير جريدة "الوطن" الناطقة بلسان الحركة الوطنية اللبنانية من 1978 وحتى .1980 وما لبث أن عاد إلى "السفير" ليبقى فيها حتى العام .1984
غادر لبنان إلى فرنسا العام ,1984 وعمل مديراً للتحرير في مجلة "اليوم السابع" التي أسسها الكاتب الفلسطيني بلال الحسن، وبقي في هذا الموقع حتى العام .1992
التحق بجريدة "الحياة" في العام ,1992 وأصبح لاحقاً نائباً لرئيس التحرير.
تبوأ مركز مدير تحرير في جريدة "السفير" في العام 1995 وبقي فيها حتى العام 1998 عندما انتقل مجدداً إلى "الحياة"، وأصبح رئيساً للدائرة السياسية فيها ومقرها لندن، ثم عيّن مديراً لمكتبها في بيروت حتى العام .2000
أصبح رئيساً لتحرير "السفير" في العام ,2001 ثم تركها ليحقق حلمه الخاص في آذار ,2006 مؤسساً جريدة "الأخبار" ومترئساً تحريرها منذ صدورها في آب .2006 كتب افتتاحيته اليومية في "الأخبار" تحت "ترويسة" هي "خط أحمر"، أما في "السفير" فكانت "ترويسته" هي "الآن هنا".
ألّف كتابين: "قضاء لا قدر: في أخلاق الجمهورية الثانية" (1996) و"سلام عابر: نحو حل عربي للمسألة اليهودية" (1993)، كما نقل كتباً فلسفية وسياسية عدة عن الفرنسية.
هيام القصيفي - النهار
"... على غفلة بيروحوا وما بيعطوا خبر" هكذا غادرنا جوزف سماحة
الصحافي صاحب "الكاريسما" مزج الصحافة والسياسة بنهم القراءة
انتقــــم مـــن بـــؤس الحيـــاة وغـــاب يـؤرّقـــه هـــمّ بيــــروت
لن نقرأ اليوم جوزف سماحة. ولن يقرأ جوزف سماحة اليوم الصحف، عشقه الاول والاخير. كثير علينا ان نخسرهم واحدا تلو الآخر، سمير قصير وجبران تويني وجوزف سماحة. كل من موقعه ومن منبره الخاص والفريد.
غاب جوزف سماحة ذلك "النبيل " الغارف من الحياة منتقما من شقائها وبؤسها، ذلك المثقف الغارق في السياسة، والسياسي الذي تلتصق به الثقافة الصافية غير المدعية. غاب بعيدا من بيروت التي شعر في الايام الاخيرة، بحسب ما قال لأصدقائه بأن "جنونا مقبلا عليها". لكنه نام عند اصدقائه ليستيقظ في عالم آخر بعيدا من جنون بيروت.
في لندن غادرنا جوزف سماحة، وغادر " الاخبار"، مشروعه الذي اراد من خلاله كما كتب الى طلال سلمان يوم ترك جريدة "السفير"، ان يحقق جزءا من احلامه. لم يكن غريبا عليه ان يترك بيروت الى لندن، لمؤاساة حازم صاغية بوفاة زوجته مي غصوب، ولم يكن غريبا ان ينام لحظاته الاخيرة عند صديقه الاقرب، الذي تربط بينهما علاقة صداقة متينة قديمة، صقلتها الحياة والصحافة والتقاء الافكار واختلافات الرأي وحفر الموت فيها عميقا.
كان عليه ان يعود بالامس الى مكتبه، واليوم على ابعد تقدير، لكن حجوز الطيران غدرت به، فلم يجد مكانا للعودة الى بيروت. تقول الاغنية الرحبانية "مهما تأخر جايي"، لكن الموعد جاء مبكرا ، فرحل سماحة مبكرا عن ثمانية وخمسين عاما، بعدما ركن اخيرا الى مشروع اراده ان يكون تجربة مختلفة، اثارت بينه وبين اصدقائه الخلّص كثيرا من الاسئلة والسجالات والمناقشات.
من نقرأ اليوم ومع من نصوغ نقاشا واعيا ومثقفا؟ ومع من نتبادل آخر عناوين الكتب الصادرة حديثا والمقالات؟ اصدقاء سماحة بين الدمعة والصدمة، يسألون. وخبر موته جمعهم في جريدة "الاخبار"، يبكون بصمت وبألم مدوّ. هم كثر، من "الحياة" و"السفير" و"النهار"، تجمعهم لغة واحدة عنه، وصفات نادرة تحلى بها. هو الانسان الذي غاب، قبل ان يكون الصحافي او السياسي، "كريم الى ابعد حدود الكرم، هو العارف طعم الشقاء والتعب، مد يده لمساعدة اصدقائه حين غدر بهم الزمن. وفيّ لأصدقائه في زمن ندر فيه الوفاء في مهنة تنافسية. حنون الى ابعد حد، مدرك تماما لما حرمته اياه الحياة وما انعمت به عليه، فزاوج بين الحرمان والنعمة، من دون كلل، حتى تعب قلبه وجسده. هو "الظاهرة بمفهومها الانساني الذي جمع النضال والحب والسياسة والالتزام والصحافة، من دون ان يتقوقع في قالب مقفل. فخلق له سمعة نظيفة وراقية".
اجمل ما في سماحة بحسب اصدقائه انه "انتقم" من الحياة، شرّ انتقام، تلذّذ بسيجارة "الجيتان بلوند" حتى الثمالة، وارتشف الكأس حتى الثمالة، وعرف كيف يحول "الكاريسما" التي تميز بها سحرا خاصا، ممزوجا بسخرية وطرفة وعشق للحياة لا ينضب.
الحياة حرمته والده صغيرا وتركته مع شقيقه الراحل وليد في عهدة والدته سيسيليا، التي عبرت بهما دربا شاقة وصعبة في ايام ندرت فيها الالفة. تحولت والدته اما لجميع اصدقائه، وتحوّل هو طالب الفلسفة في الجامعة اللبنانية، عضوا مشاغبا وشغوفا في كل ما يدور من اسئلة لها صلة بكنه الحياة ومعناها الحقيقي، وهو الذي خبر منذ صغره الشقاء والظروف الصعبة.
تزوّج باكرا وانجب امية وزياد، فتحولا لب حياته وعنصر الامان والاستقرار في حياة متنقلة بين لبنان وباريس. هو الوالد الذي وزع حنانه بين عائلته وابناء شقيقه وليد، الراحل باكرا ايضاً. فقد شقيقه ووالدته فصار ولداه محور حياته العائلية، ولم يتخل عنهما لحظة ولا عن مسؤولياته رغم ظروف شخصية خاصة، بل جعل منهما كفة الميزان الاولى في مقابل كفة استقلالية راقية.
يمتزج الخاص والعام في شخصية عامة كشخصية جوزف سماحة، لكنه هو المعروف في أوساط نخبة مثقفي بيروت والعالم العربي والفرنسي، ابتعد عن الاعلام المرئي، فلم يتحول شخصية تلفزيونية، لان الكلمة المكتوبة بالنسبة اليه، تبقى خالدة وحية. بقي الخفر الريفي مرافقا له، مع كل مستلزماته، لكنه اضاف اليه ثقافة متنوعة وشاملة وعميقة، كتبا ومقالات وموسيقى وافلاما. عاش في وسط فني متنوّع، بين مخرجين وموسيقيين وكتاب وصحافيين. لم يكن رجال السياسة بالنسبة اليه سوى المعبر الى العمل اليومي الصحافي، الا ان حنينه وركنه الدافىء تبقى الكلمة المطبوعة، ايا يكن مصدرها.
لا ينام سوى ساعتين او ثلاث. برنامجه اليومي في الاشهر الاخيرة، كان حضوره الى المكتب في جريدة "الاخبار" في العاشرة قبل الظهر. على الكنبة الجلد السوداء يفلش اوراقه، يقرأ، يبدأ الاجتماعات المتنقلة والدورية. يقرأ. يعقد اجتماعات عمل. يقرأ. يكتب مقاله الاسبوعي، ثم يقرأ، يشرف على الجريدة، ثم يقرأ ويغادر بعد منتصف الليل بقليل، او كثير.
كان يتنفّس القراءة تماما كالاوكسيجين والسيجارة. يبدأ نهاره المبكر بالصحف اللبنانية، ثم العربية والفرنسية والانكليزية، يقرأ بتمعّن، وقد يفاجأ البعض بأنه يقرأ للجميع، لكن قلّة تستوقفه. يطالع تقارير جمة تصله دوريا، هو الذي تميز بشبكة علاقات اوروبية ودولية واسعة، تمكن عبرها من تطوير مهنته، ومن تحويل مكتبه في اي جريدة عمل فيها، مكتبا يؤمه صحافيون ومثقفون غربيون وعرب. لا يغيب كتاب عن عقله، ولا عن قلمه ، يدوّن الهوامش على اي كتاب او مقال، فتتحول ذاكرته مطبخا لكم من الافكار والتحليلات. يكتب مقالته اليومية بقلمه، لا عبر الكومبيوتر، ويستشهد كثيرا وينسب اقوالا وجملا، ولا يسرق افكارا ولا جملا. مقاله عميق ومختصر، مقتضب بأسلوبه لكنه خزّان من الافكار يرميها من دون ثرثرة للنقاش والتحليل. بالنسبة الى اصدقائه الصحافيين، اهمية مقالة جوزف انها كانت تترجم "تلك المسافة النقدية التي تفصل التزامه السياسي والعقائدي عن مهنيته وحرفيته، فتجعله نقديا متمايزا. كما حصل يوم كتب عن الهجمة على بلدة القاع ايام الحركة الوطنية عام 1976، منتقدا بحدة ظروف حدوثها". هل بقي جوزف على هذه المسافة في "الاخبار"؟ هو سؤال تداوله سماحة مع اصدقائه، منهم من عتب عليه ومنهم من ناقشه ومنهم من ابتعد عنه سياسيا، واستمر على علاقة شخصية من بعيد الى بعيد.
منذ نحو سنة، وفي فترة التحضير لصدور "الاخبار" بحسب ما يقول الزميل ابراهيم الامين، عاش جوزف في الجريدة، ولم يغادرها الا في ثلاث رحلات عمل تتعلق بالجريدة، الى باريس والقاهرة ولندن. كانت "الاخبار" حلمه بأن يصدر جريدة "غير تنافسية"، فتحوّلت عالمه الصغير والكبير. هو صاحب شعار "الاستهلاك الهوائي" الذي يسخر به من الذين ينكبون على العمل وشراء المنازل والسيارات ولا يعيشون حياتهم. عاش الاشهر السبعة الاخيرة من حياته في جريدته. لم يكن رئيس تحرير بالمعنى التقني للكلمة، تشغل باله العناوين الاولى والصفحة الاولى.انه نبع اخبار وافكار لا ينضب يوزعها ويتابعها مع الصحافيين. كان يريد من الجريدة، هو اللبناني والعربي والقومي، ان "تكون الجريدة الاولى بعد الحرب الاهلية، خطا احمر في وجه المشروع الغربي"، كما يقول الامين. الخط الاحمر الذي جعل منه عنوان زاويته اليومية، تحول خطا اسود على صوره التي رفعت في كل اقسام "الاخبار".
هناك، حيث لا تزال البهجة بالاشهر الاولى من السنة الاولى قائمة، تلقى زملاؤنا ضربة قوية، فعلا البكاء والنحيب، مع كل خطوة ومع كل باب يفتح. صحافيون ومصورون وسياسيون يعيشون الصدمة على وقع الدموع والبكاء. على مكتب سماحة صورة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وفوقه صورة الرئيس الاميركي جورج بوش الذي يكن له سماحة عداء تاما، وهي صورة رفعها زملاؤه في غيابه لممازحته عند عودته. لكنه لم يعد.
"الخط الاحمر" غاب عن الصفحة الاولى، لكن فكرته الاخيرة كانت عن لبنان المقبل على جنون وعن المنطقة التي لن تنجو من الويلات، معززة بحركة من يده قائلا "مش ظابطة".
هو الخبير والعارف بشؤون المنطقة، الآتي من عوالم سياسية وعقائدية متنوعة. يساري بامتياز، بدأ حياته السياسية بوعي قومي عززته علاقته بحازم صاغية وخاله خالد صاغية، صاحب التجربة البعثية والقومية التي ذهب ضحيتها. مع الحزب السوري القومي الاجتماعي عزز سماحة ثقافته وعمقه السياسي، وساهمت الآفاق التي فتحتها الجامعة اللبنانية امامه في صوغ علاقات واسعة ومتينة مع مجموعة من الكوادر الثقافية والسياسية الناشطة سياسيا.
لا ينفصل سماحة الصحافي عن السياسي، فجرأته الادبية جعلته ينتقي خياراته السياسية من دون مواربة، لا ايام الحركة اليسارية الواعية والحركة الوطنية، ولا حين كان قريبا، لا ملتصقا بالخط الفلسطيني ابان تسلمه جريدة اليوم السابع في باريس، ولا حين عادى سوريا ووقف ضدها بشراسة، ولا حين عاد الى بيروت منتهجا "خطا جديدا بدأه في السفير ومن ثم في "الاخبار" كما يقول اصدقاء له.
في السبعينات تولى ادارة تحرير مجلة "الحرية"، وانتقل منها الى رئاسة تحرير صحيفة "الوطن". لكن تجربته مع "السفير" تبقى المتميزة. بقي واياها على غرام وانتقام. دخلها وكان من مؤسسيها، ثم غادرها وعاد اليها ليعيش ايام الحصار الاسرائيلي على بيروت، ليغادرها مجددا، الى "اليوم السابع" ثم "الحياة"، ليعود من جديد اليها، ويغادرها الى "الحياة"، ويعود اليها مرة اخيرة ويغادرها مرة نهائية الى "الاخبار".
وبين "الحياة" و"السفير" وباريس ولندن، تقاطعت حياة سماحة مع حياة زملائه الصحافيين، ومنهم سمير قصير. تصادقا وتقاطعت طرقهما، وكانا صديقين، ثمّ فرقتهما السياسة وجمعهما الموت.
جوزف سماحة "قرّب موعد رحيله... واللي ناطرينه رح يدق الباب". لكنه جاءه من دون ان يقرع الباب.
ترك سماحة بيروت ويعود منها الى حيث والدته وشقيقه في بينو - عكار، عله يستريح من السفر والتعب والسهر والليل. رحل الى هناك، تاركا قلمه وعموده اليومي فارغا. فمن نقرأ اليوم؟
جوزف سماحة يعانق الغياب والصحافة العربية تفتقد قلمه التحليلي الخلاق
سافر إلى لندن لتقديم العزاء لحازم صاغية بوفاة زوجته فقضى بسكتة قلبية مفاجئة
عمّان - الغد
غيب الموت أمس في العاصمة البريطانية لندن الكاتب والمحلل السياسي اللبناني جوزف سماحة عن عمر يناهز الثامنة والخمسين إثر سكتة قلبية مفاجئة.
وبرحيل سماحة الذي يرأس تحرير صحيفة "الأخبار" اللبنانية اليومية، تفقد الصحافة العربية كاتبا سياسيا لامعا يرقى تحليله وكتاباته إلى مستوى الفكر السياسي في تحولاته وعواصفه.
بدأ سماحة حياته المهنية صحافيا ملتزما بقضايا النضال العربي في صحيفة "السفير" اللبنانية، حسبما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية.
وشارك في اصدار صحيفة "الوطن" التي كانت الناطقة باسم الحركة الوطنية خلال اول سنوات الحرب الاهلية (1975-1990).
انتقل لاحقا الى باريس حيث عمل في مجلة "اليوم السابع" ثم الى لندن حيث عمل في صحيفة "الحياة" التي تصدر هناك.
عاد الى بيروت بعد انتهاء الحرب ليرأس تحرير "السفير" لبضع سنوات قبل ان يتركها ليشارك في تأسيس صحيفة "الاخبار" القريبة من المعارضة التي بدأت بالصدور منذ نحو عام .
عرف سماحة بقلمه الجريء ورفضه المساومة على مواقفه المبدئية.
وكان سماحة انتقل من بيروت الى لندن قبل اسبوع ليقف الى جانب صديقه الزميل حازم صاغية المحلل السياسي في صحيفة "الحياة" اثر وفاة زوجته الناشرة والكاتبة والفنانة اللبنانية مي غصوب صاحبة دار الساقي للنشر التي رحلت اثر عارض صحي طارئ عن خمسة وخمسين عاما.
ولجوزف سماحة ابنة هي امية (30 عاما) وابن يدعى زياد (29 عاما).
وبدا الذهول طاغيا على العاملين في صحيفة "الأخبار" الذين كتبوا على الصفحة الأولى من موقعهم الإلكتروني كلمات وضعت بإطار أسود مع صورة للراحل سماحة كتب تحتها:
"على حين غرّة، وفي عزّ رقاده، رحل جوزف سماحة ليلة السبت الأحد 25 شباط، خلال وجوده في لندن لمؤازرة صديقه القريب الصحافي حازم صاغيّة في مصابه برحيل زوجته مي غصوب. في "مبنى الكونكورد" كما يسمّيه زياد رحباني، الجميع في حالة ذهول. هل يمكن أن يكون صمت جوزف نهائياً".
وكان آخر مقال كتبه الراحل في "الأخبار" ونشر يوم أول من أمس السبت بعنوان "ضبط التحرّك ضبط الشعارات" يقول فيه"
"يعيش لبنان مواجهة سياسية بين معسكرين. يبقى الوصف ناقصاً واختزالياً ما لم نضف إليه أن كل معسكر يتكوّن من حساسيات مختلفة بعض الشيء ولو أنها وجدت نفسها، لحسابات متعدّدة، متلاقية حول الكثير. صحيح أن جداراً عازلاً كان يفصل، يوم 14 شباط، بين المتظاهرين والمعتصمين، لكن الصحيح، أيضاً، أن من يكلّف نفسه عناء التدقيق يكتشف جدراناً فاصلة، ولو واهية وغير منظورة، تخترق كلاً من المتظاهرين والمعتصمين. وإذا كان العلم والنشيد الوطنيان يظللان الجميع فلكل حزب علمه ونشيده".
ويضيف سماحة "الأمر طبيعي. كان العكس سيكون غريباً. الحساسيات المختلفة سببها تباين الأحجام، والأيديولوجيات، والانتماءات الطائفية والاجتماعية، والعلاقات الإقليمية والدولية، وإرث الماضي، ونوعية القيادة، إلخ...
ينطبق هذا التقدير على المعارضة طبعاً. "حزب الله" و"أمل" يتقاطعان ولا يتماهيان. وكذلك "المردة" و"التيار الوطني الحر". ويصعب جداً أن نجد تطابقاً بين الداعية فتحي يكن والحزب القومي.
لم تشأ الموالاة أن ترى هذا التعدّد. تعامت عنه قصداً لذرائع تفيدها واستمرّت تروّج لـ"حزب الله وملحقاته" متجاهلة عدم انطباق الوصف على الواقع".
ينطبق التقدير المشار إليه على الموالاة، كما يقول سماحة، فـ " "المستقبل" و"الاشتراكي" و"القوات" و"الكتائب" والتكتل الطرابلسي وشخصيات "قرنة شهوان" موجودة كلها في سلّة واحدة، لكنها موجودة بصفتها كائنات مستقلّة ومتمايزة. لكل من هذه الأطراف حجمه ضمن بيئته، وتاريخه السياسي أو الميليشياوي. وما يقال عن هذه القوى يقال عن المعارضة حيث نجد من هو قادم من ماضٍ صراعي إلى حاضر تحالفي".
ويتابع "ربما كان علينا أن نتذكر أننا في حضرة معسكرين حديثي العهد في التكوّن لم يتح لهما الوقت الكافي لإرساء تقاليد، وبناء شبكة علاقات قاعدية، وتطوير مضمون برنامجي متجانس. ويحق لنا أن نفترض أننا، بعد فترة، قد نشهد خلطاً للأوراق وانتقالاً من موقع إلى آخر، وتبديلاً في التحالفات. وتزداد السهولة في ذلك من أن أحزاباً في لبنان باتت كتلة صمّاء تستدير كما يُشاء لها أن تفعل".
ويرى الكاتب بأنه "لا يجوز للانقسام الأكبر، إذاً، أن يحول دون رؤية التمايزات. ولقد أدّت هذه إلى بروز أواليات خاصة لإدارة العمل شبه الجبهوي. ولقد بات معروفاً أن في كل معسكر، قوى تملك كلمة راجحة، وأنه يكفيها أن تتلاقى وتتوافق حتى يصبح في إمكانها جذب حلفائها إليها. لا نستطيع أن نتحدث عن هيئة أركان واضحة ومنظمة تقود أياً من الفريقين، إلا أننا نعرف أن قدراً من التنسيق والتشاور يحصل يومياً ولو أنه لا يحظى بالتغطية الكافية حيث يمكن لصدور بيان أو إعلان موقف أن يسرق الأضواء عن خلفية إنتاجه".
وبناءً على ذلك، كما يقول سماحة، يجدر تقديم ملاحظتين.
"تخص الأولى المعارضة. نعم ثمة تلاقٍ في الأهداف السياسية شهد دفعة قوية عبر التفاهم الثنائي بين "التيار الوطني" و"حزب الله". ويمكن الزعم أن التدرّج من شعار حكومة الوحدة الوطنية إلى شعار الانتخابات النيابية المبكرة حصل بعد نقاش أثمر اتفاقاً. لكن، في مقابل ذلك، كانت تطفو إلى السطح خلافات خاصة بوتيرة التحرّك وأشكاله ووسائله. هناك مستعجلون لأي "إنجاز" بناءً على حسابات خاصة بهم، وهناك من يدعو إلى البطء ومدّ التحرّك في الزمن. هناك من يعاني ضعف القدرة على الانضباط وهناك من يستطيع أن يمارسه. هناك من ينزلق نحو الاستفزاز أو رد الاستفزاز وهناك من يمتنع. هناك من يميل إلى شعارات معيّنة يمجّها طرف آخر لا بل يرفضها لأنها تجافي ثقافته وتحرجه أمام جمهوره."
ويتابع "أكثر من ذلك، هناك من يوازن بين تحرّك اعتراضي، ذي طابع انشقاقي حكماً، وبين حرص كبير على السلم الأهلي وتجنّب الفتنة وإدراك أن أي حل سياسي سيعيد وضع المختلفين إلى بعضهم جانب بعض. لكن هناك من يميل إلى قبول المجازفة بقدر من التوتير إذا كان ذلك، في اعتقاده، مدخلاً إلى التسريع. وأخيراً، ثمة أصوات على الهامش تعتقد أنه لا بد من غالب ومغلوب".
أما الملاحظة الثانية التي يوردها سماحة "فتخص الموالاة. ينطبق عدد من الملاحظات السابقة على قوى الموالاة. إلا أن في الإمكان إضافة شيء آخر ظهر واضحاً في مهرجان 14 شباط. نستبعد فرضية توزيع الأدوار لنقول إننا سمعنا تنويعات يصعب إدراجها في سياق سياسي واحد. لم يكن "الفرسان الثلاثة" للموالاة على موجة واحدة تماماً. لم يكونوا، أيضاً، على تناقض لأن الجذع الذي يجمعهم راسخ وقوي".
وإذ يمكن أن يمثّل خطاب سعد الحريري عرضاً تفاوضياً أوليّاً مقبولاً، بحسب الكاتب، فإنه "يبطل أن يكون كذلك إذا أضيف إليه موقف من حكومة الوحدة الوطنية أكده أحد الأركان وموقف من العلاقات اللبنانية- السورية أكده ركن آخر. لقد جرى التعبير عن تعدّدية ما ضمن فريق 14 آذار هي، في العمق، تعدّدية مفهومة بحساب المصالح والمواقع وقدرة كل طرف على استكشاف "حصته" في أي توازن جديد يمكن أن تقود إليه التسوية".
وخلص سماحة إلى القول "إن المعارضة تحتاج إلى ضبط إيقاع تحركها بصرامة أكبر فيما تحتاج الموالاة إلى صرامة مماثلة لضبط شعاراتها. وبما أن تجربة الشهرين والنصف أوحت أن إيقاع التحرّك بمثل أهمية الشعارات السياسية فإن المسؤولية موزّعة على الطرفين في ما سنعيشه في المرحلة المقبلة".
وتتقدم "الغد" إلى أسرة الفقيد جوزف سماحة والزملاء في "الأخبار" والصحافة اللبنانية بأصدق مشاعر المواساة في هذا الفقدان الكبير وهذه الخسارة الفادحة.
جوزف سماحة (1949 - 2007)
- صحافي عربي مواليد العام 1949.
- درس الثانوية بمدرسة الفرير في بيروت .
- حاز إجازة في الدراسات المعمّقة من مدرسة الدراسات العليا في باريس وإجازة في الفلسفة من الجامعة اللبنانية في بيروت.
- صاحب تجربة مهنية تمتدّ بين بيروت وباريس ولندن:
- رئيس تحرير صحيفة "الأخبار" اللبنانية: 2006 - 2007
- رئيس تحرير صحيفة "السفير" اللبنانية: 2001 - 2005
- مدير مكتب صحيفة "الحياة" في بيروت: 1999 - 2001
- نائب رئيس تحرير صحيفة "السفير" اللبنانية: 1996 - 1999
- كاتب في صحيفة "الحياة" من (باريس): 1992 - 1996
- مدير تحرير صحيفة "اليوم السابع" (باريس): 1984 - 1992
- مدير تحرير صحيفة "السفير": 1980 - 1984
- رئيس تحرير صحيفة "الوطن": 1977 - 1980
- مدير تحرير مجلة "الحرية": 1973 - 1977
- له كتابان: "سلام عابر" و "قضاء لا قدر"، ومجموعة من الكتب غير المنشورة.