جريدة الجرائد

النووي والعقوبات .. ولكن أي عقوبات ؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


ديفيد اغناتيوس - واشنطن بوست


يعرف الجميع أن العقوبات الاقتصادية لا تفعل فعلها. انظروا فقط إلى عقود من الضغط العقيم على كوبا. وإذا ما بحثنا في موقع "غوغل" عن عبارة "العقوبات الاقتصادية لا تفعل فعلها" فإننا نحصل على ما يقرب من 1.2 مليون موقع. ولكن في الحالات الحديثة لكوريا الشمالية وإيران، هناك نمط جديد من العقوبات التي تفرضها وزارة الخزانة الأميركية، له تأثير كبير من دون أن نلغي من الذهن أن الحكمة التقليدية يمكن لها أن تكون خاطئة.

ولا يود مساعد وزير الخزانة روبرت كيميت أن يصف هذه الإجراءات المالية بالعقوبات، مفضلا مصطلح "إجراءات فرض القانون"، فيما يشير ستيوارت ليفي وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية أن "العقوبات موضع سخرية، وتتمتع بتاريخ سيئ".

وتأتي الصلاحية بالنسبة للعقوبات الجديدة، كما هو الحال مع الكثير من أسلحة السياسة الأخرى، من قانون الوطنية في الولايات المتحدة الأميركية، الذي يفوض الفصل 311 منه وزارة الخزانة بتحديد مؤسسات مالية أجنبية "ذات علاقة بغسل الأموال". وما أن يجري تحديد بنك أجنبي فإنه يعزل عن النظام المالي الأميركي، ولا يمكنه التعامل بالدولار أو القيام بتعاملات مع المؤسسات المالية الأميركية، كما لا يمكنه التمتع بعلاقات متكافئة مع البنوك الأميركية.

وتفعل الإجراءات الجديدة فعلها بسبب القوة الخفية للعولمة: لأن كل دوائر النظام المالي العالمي مترابطة ومتداخلة، وحجر الولايات المتحدة يمتد فعليا إلى كل البنوك الرئيسية في العالم. وكما أشار ليفي في خطاب ألقاه أخيرا فان تأثير هذا الفصل الصغير من قانون الوطنية "ظل أكثر قوة من الكثير من الأفكار المحتملة".

وطبقت وزارة الخزانة وسائل جديدة على كوريا الشمالية في سبتمبر (ايلول) 2005، عندما وضعت بنكا في ماكاو يسمى" بانكو دلتا آسيا" في القائمة السوداء. ولم تكن هناك إجراءات قانونية وإنما مجرد إشعار في السجل الفيدرالي يلخص الدليل: "بانكو دلتا آسيا" ظل يقدم خدمات مالية غير مشروعة إلى مؤسسات حكومة كوريا الشمالية والشركات التي تعمل كواجهة لفترة زادت على 20 عاما، وفقا لإشعار وزارة الخزانة. وكان بنك ماكاو الصغير قد ساعد الكوريين الشماليين على تداول عملات المائة دولار المزوّرة، وغسلَ أموالا من صفقات مخدرات وموّلَ تهريب السجائر. وزعمت وزارة الخزانة أن كوريا الشمالية "تدفع رسوما لبانكو دلتا آسيا من أجل الوصول المالي إلى النظام المصرفي مع قليل من الإشراف أو التحكم".

وتوقفت التعاملات المالية الدولية فورا مع مصرف بيونغ يانغ، وتوقفت التعاملات مع الجهات الاميركية، إلا أن بيان وزارة الخزانة حذر بلدانا أخرى من مغبة التعامل مع "بانكو دلتا آسيا"، إدراكا منها للحاجة إلى النظام المالي العالمي اتخذت السلطات المصرفية في ماكاو إجراء تنظيميا من جانبها وجمدت أرصدة المصرف التي تقدر بقيمة 24 مليار دولار. وبدأت المصارف في مختلف دول آسيا البحث عما إذا كانت هناك صلات بالشركات الوهمية لكوريا الشمالية بغرض وقفها.

بدأ الآن تطبيق إجراءات مالية مشابهة على إيران. وهنا أيضا جاء التأثير من الطريقة التي استجابت بها المؤسسات المالية الخاصة للضغط العام من جانب وزارة الخزانة. ويقول كيميت انه بات على المصارف دراسة احتمالات المخاطر، بات عليها الآن أن تأخذ في الاعتبار النتائج المترتبة على التعامل مع إيران والمخاطر الأخرى المحتملة إذا اكتشف أنها جزء من تعاملات تتعلق بالإرهاب أو الإنتاج النووي.

بدأت وزارة الخزانة تضغط على الجانب الإيراني في سبتمبر الماضي عندما اتهمت "بنك الصادرات"، وهو واحد من أكبر المصارف الإيرانية المملوكة للحكومة، بتحويل مبلغ 50 مليون دولار إلى "حزب الله" وحركة "حماس" ابتداء من عام 2001. واتخذت وزارة الخزانة قرارا بوقف "بنك الصادرات" من الدخول إلى النظام المالي الاميركي، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. واتخذ إجراء مماثل في يناير (كانون الاول) الماضي ضد بنك "سيبا" الذي تتهمه وزارة الخزانة بأنه وسيط لدى "منظمة الصناعات الفضائية الإيرانية" التي تشرف على برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني.

وفي نفس الوقت كان مسؤولون كبار بوزارة الخزانة قد التقوا بمصرفيين ووزراء مالية في مختلف دول العالم، للتحذير والتنبيه على التحلي باليقظة تجاه أي تعاملات مع شركات إيرانية، من المحتمل أن تكون متورطة في دعم الإرهاب سرا. هذه الحملة الهادئة كانت كافية لإقناع غالبية المصارف الأجنبية الكبرى في أوروبا واليابان بالابتعاد عن إيران.

العقوبات الجديدة أكثر فعالية، لأنها أجبرت، أخيرا، دولا تتحدى قرارات مجلس الأمن حول الإنتاج النووي مثل كوريا الشمالية وإيران على دفع ثمن حقيقي. إلا أن ليفي يتساءل عن الهدف لإثارة جدل داخلي حول ما اذا كانت هذه سياسات التحدي ذات معنى، وهذا يحدث في إيران. الأشخاص الذي لديهم حس في مجال الأعمال التجاري يدركون أن مثل هذا السلوك يجعل من الصعب عليهم مواصلة العلاقات التجارية العادية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف