جريدة الجرائد

الفرصة الأخيرة لتجنب حرب أهلية في فلسطين

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


يوهان هاري - الاندبندنت

عندما كنت في قطاع غزة المثقّب بالرصاص والمترنح بفعل الصواريخ في الشهر الماضي، استطعت أن أحس بالأرضية السياسية الفلسطينية وهي تنحطم وتنشق من تحت قدمي. وكانت حركتا فتح وحماس المتنافستين تتجهان نحو حرب أهلية. وكانت القسوة الغبية التي ينطوي عليها قتل كل طرف لأبناء الآخر قد بدأت، حتى أن الجامعتين الرائدتين في غزة "الجامعة الإسلامية" التابعة لحماس و"جامعة الأزهر" التابعة لفتح، قد تعرضتا للقصف بالنيران بعد أن زرتهما مباشرة. أما وقد كانوا محشورين في صندوقهم الذي أقفله عليهم الجيش الإسرائيلي، جائعين ومفتقرين إلى المصادر بسبب حصار المجتمع الدولي، فقد استدار الفلسطينيون كل ضد الآخر.

إن فلسطين إذا ما تحولت لتكون نسخة مطابقة عن الصومال، فإن ذلك سيكون كارثة على أبناء فلسطين الشاحبين، والذين يعانون أصلاً من الاختناق بسبب أربعة عقود من الاحتلال الإسرائيلي الطويل والمقاطعة الدولية، والتي جعلت أكثر من نصفهم يؤون إلى النوم جائعين ومعذبين. كما سيشكل ذلك كارثة على إسرائيل أيضاً. يمكن لحماس وفتح أن يضمنا فيما بينهما أن يكون كل شيء هادئاً على جبهة صواريخ القسام: وهو ما يشكل نهاية إطلاق الهجمات الصاروخية على المدنيين في المدن الإسرائيلية، لكن غزة تتفكك داخلة في حرب أهلية تخوضها مائة من مراكز السلطة المتحاربة المختلفة، وهكذا تفلت الأمور، حيث سيعمد كل طرف إلى إثبات رجولته عن طريق إطلاق ناره داخل إسرائيل.

وهكذا، يتوقع المرء من إسرائيل أن ترحب بتسوية مكة في العربية السعودية. فقد اتفقت كل من حماس وفتح على الانضمام معاً في حكومة وحدة وطنية. ويأتي هذا في جزء منه لإيقاف القتل الفصائلي، وفي جزء آخر كمحاولة يائسة لوضع حد للعقوبات الدولية المفروضة على الفلسطينيين منذ صوت الشعب ديمقراطياً في السنة الماضية "بالطريقة الخاطئة" فانتخب حماس. وقد دأب العالم على المطالبة بتشكيل حكومة وحدة وطنية تحت زعامة عباس منذ ذلك الوقت. وقد أصبح لدينا الآن واحدة.

ماذا كان رد الفعل؟ تفعل الولايات المتحدة وإسرائيل كل ما في وسعهما لتمزيق هذه الحكومة وتحويلها إلى أشلاء. وحتى الاتحاد الأوروبي يصر بدوره على أن العقوبات التي دمرت المستشفيات الفلسطينية والمدارس سوف تبقى. وقد أوردت صحيفة "جيروساليم بوست" تقريراً قال إن كوندوليزا رايس قد "اعترضت" على عباس "بطريقة فظة ومزاج سيئ "بسبب توقيع الاتفاق، مما جعل عباس يغمغم بأن الولايات المتحدة "تدفع بالشعب الفلسطيني باتجاه خوض حرب أهلية".

أما إيهود أولميرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي، فيقول إنه ليس كافياً أن تكون حماس قد التزمت "باحترام" الاتفاقيات كافة التي كانت وقعتها السلطة الفلسطينية، بما في ذلك الاعتراف علناً بحق إسرائيل في الوجود داخل حدود عام 1967. كلا، بل يطالب أولميرت بالمزيد. وحتى لو كانت إسرائيل تفرض احتلالاً عنيفاً عليهم، فإنه يريد من الفلسطينيين أن يقوموا مسبقاً بنزع أسلحتهم بنفسهم ونبذ كل أشكال العنف، حتى ذلك الذي يمارس دفاعاً عن النفس.

أي حكومة فلسطينية تستطيع أن تفعل ذلك؟ ومع هذا، فإن العالم، بما فيه الحكومة البريطانية، يدعم هذا الحاجز الإسرائيلي المستحيل. إنه أشبه بمطالبة الشين فين عام 1992 بالاعتراف بقوات الشرطة في اولستر، وبتسليم أسلحتهم وتقديم فروض الطاعة للملكة، وإلا فإن المفاوضات ستنتهي. لكن هناك الكثير من الإسرائيليين المحترمين الذين يعارضون كل ذلك. ونجد رئيس الاستخبارات السابق الجنرال شلومو غازيت وهو يدعو هذه الشروط "سخيفة، أو ذريعة لعدم التفاوض". وأضاف شارحاً "إنني أدعم الشروع بالمفاوضات اليوم... لماذا ينبغي على الفلسطينيين التوقف عن القتال ضدنا عندما يعرفون أننا غير راغبين في التوصل إلى اتفاق؟",

ثمة دوافع ثلاثة تكمن وراء السلوك الإسرائيلي. الأول هو اعتقاد مقيم بأنهم إذا ما قاوموا حماس، فإنهم سيحصلون على قيادة فلسطينية أكثر ليناً وكياسة. ولكنهم عندما امتلكوا مثل هذه القيادة الأكثر لينا وكياسة تحت رئاسة عباس، فقد جرّسوه وأهانوه بدوره. والدافع الثاني هو عدم الكفاءة. أما الثالث فهو أكثر إرباكاً. هل يكون إذكاء حرب أهلية في غزة محاولة لإضفاء المشروعية على الاحتفاظ بالضفة الغربية؟ إننا ننسحب، فانظروا ماذا يحصل! ويشكل هذا قراءة غرائبية لمصالح إسرائيل نفسها، مع أنها ربما تكون قراءة الحكومة مع ذلك.

إن موقعي اتفاق مكة إذا لم يتمكنوا من أن يعرضوا لأتباعهم تقدماً حقيقياً، فإن الاتفاق سيتداعى. وقد بدأ عباس يتعرض للانتقادات فعلاً من داخل فتح، كما أن حماس باتت تعتبر متوحشة في عين الجيش الإسلامي. وفي مطلع هذا الأسبوع، مات خمسة أشخاص في شجارات بين العائلات المنتمية إلى الأطراف المختلفة.

تعمل حكومة الولايات المتحدة بشكل حديث على تسريع تحقيق هذا الفشل. ويبدو أنها ترى إلى صعود حماس، ليس بوصفه شأناً داخلياً فلسطينياً، وإنما جولة أخرى في الصراع بين الولايات المتحدة وإيران. إنهم يرون حماس على أنها صنيعة لإيران، وأحمدي نجاد على أنه السيد الشيطاني الذي يتحكم بصنائعه. ولا شك في أن هذا التفكير أسطوري: فلو أن إيران لم توجد أبداً، لكانت حماس أيضاً قد فازت في الانتخابات، ولكانت تقاتل أيضاً. لكن إدارة بوش الغارقة في شباك الوهم، تبدو مستعدة لتحويل غزة إلى مسرح لحرب بالنيابة عن القوى العظمى.

اليوم، ثمة فرصة سانحة لتجنيب الفلسطينيين حرباً أهلية، والتي يقوم "المجتمع الدولي" برميها في صفيحة القمامة، بنغمة استهزاء متهكم غير متكلف، وتلويحة غير مهذبة بالأصابع.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف