الصين وأميركا وسيناريوهات المواجهة النووية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
مارك هيلبرين - لوس انجليس تايمز
قبل الانخراط في قراءة متسرعة لما تم التوصل إليه من اتفاق مع "كيم يونج إيل" وانفراج العلاقات مع نظامه، فإنه من المفيد الإشارة إلى أن الاتفاقات السابقة التي أبرمت معه لم تحل بالضرورة دون مواصلته لتطوير عدد من الأسلحة النووية ومن ضمنها إجراء تجربته الأخيرة. لكن كوريا الشمالية التي استطاعت تحييد القدرات التكتيكية الأميركية في شبه الجزيرة الكورية بعد بنائها أسلحتها الكيماوية والبيولوجية الخاصة لا تسعى في الواقع سوى إلى ضمان استمرار نظامها على قيد الحياة مستندة إلى الابتزاز سبيلاً لذلك، وهي بهذا المعنى مستعدة للتخلي عن قوة ليست في حاجة إليها مقابل حصولها على الاعتراف الدولي وبعض السلع الأساسية. بيد أن القوة الآسيوية التي يتعين الاحتياط منها ليست هي كوريا الشمالية، بل الصين. فقد كان أسلاف النظام الصيني الحالي من أجبر الولايات المتحدة على الانسحاب من الجزء الشمالي لكوريا، كما ساهموا في إلحاق الهزيمة بالقوات الأميركية في حرب فيتنام.
واللافت أن الصين استطاعت مضايقة أميركا على مسرح القارة الآسيوية بإتقانها اللعبة الاستراتيجية المجبولة عليها منذ القدم، بينما كانت تعاني من الفقر والفوضى، وتعوزها الأسلحة الحديثة. وابتداء من عام 1978 شرعت الصين في توظيف نموها الاقتصادي وتطورها التقني الهائل لبناء قدراتها العسكرية ساعية إلى تمثل النموذج الياباني في عهد "ميجي" الذي حول اليابان من بلد إقطاعي متخلف إلى دولة صناعية هزمت الأسطول الروسي في معركة "تاسوشيما". وبتغيير الصين لموقفها من الولايات المتحدة وتحسن العلاقات قليلاً في العقود الأخيرة سارع الرئيسان الأميركيان الأخيران إلى تقديم مساعدات إلى بكين في الوقت الذي تم فيه داخل الولايات المتحدة الركون إلى اطمئنان مبالغ فيه والسقوط في نوع من التراخي العسكري رافقه نشر للقوات الأميركية في آسيا تميز بانعدام الكفاءة. والحال أن الصين ما فتئت تتقدم إلى الأمام بينما تتراجع الولايات المتحدة؛ والسبب، من بين أمور أخرى، هو امتلاكها لرؤية منضبطة وواضحة، في حين تنوء رؤيتنا تحت هاجس الخوف وغياب فهم حقيقي لدى المسؤولين باستراتيجية الصين الكبرى، وبعنصرها النووي الذي تقوم عليه.
هذا التخاذل الأميركي في مواجهة الصين شجعها على السعي إلى اللحاق بالولايات المتحدة في المجال النووي. وجاء إقدام أميركا على تقليص ترسانتها النووية طيلة الخمس سنوات الأخيرة من 10 آلاف صاروخ استراتيجي إلى 1700 صاروخ ليفاقم الوضع، حيث عملت الصين على زيادة عدد صواريخها وتطوير مداها لتنتقل من 80 صاروخاً إلى 1800 صاروخ. وإذا كان التفوق الأميركي في السابق المعتمد على العدد الهائل من الآليات العسكرية ساهم في ردع الصين وإخافتها، إلا أنه في ظل التقدم الكبير الذي تشهده الصين وانعكاس ذلك على قدراتها العسكرية، يصبح التفوق الأميركي في خطر، وعما قريب ستصبح الصين على قدم المساواة مع الولايات المتحدة. فمع تنامي عدد الصواريخ التي تملكها الصين تصبح الأهداف الأميركية ضئيلة نسبياً وعلى مرمى من قدرتها، وهو ما قد يغري الصين، مهما كان الاحتمال بعيداً، بتوجيه الضربة الأولى إلى أميركا. وفي الوقت الذي قامت فيه الولايات المتحدة بتقليص أسطولها من الغواصات النووية، الذي يعتبر عصب استراتيجيتها البحرية، من 37 إلى 14، تعمل الصين على بناء قدرتها لحماية ثغورها البحرية وملاحقة ما تبقى من السفن الأميركية.
ولئن كان التنافس النووي بين القوى الصاعدة على الساحة الدولية أمراً مألوفاً، فإن القاعدة الأساسية التي تحكم العلاقات الدولية هي ضرورة مواجهة التحدي النووي كلما كشر عن أنيابه. وخلافاً للتوقعات قد تقدم الصين على استخدام سلاحها النووي بعدما تبين لها أن أميركا مستعدة للجوء إليه أيضاً إذا ما انتهكت الصين اتفاق الهدنة الكورية. ولا يقتصر الخطر فقط على اختلال التوازن الكمي في عدد الأسلحة لدى بكين وواشنطن، بل يكمن الخطر أيضاً في الاستراتيجية النووية الصينية التي باتت تعتمد على تقنيات متطورة تفوق ما كان سائداً خلال فترة الحرب الباردة. وإذا كان من السهل على الخبراء وضع استراتيجيات محكمة تواجه الصعود العسكري الصيني، إلا أن ذلك يصبح متعذراً في ظل غياب إجماع سياسي لدى الشعب الأميركي وتراخيه في مجال الدفاع عن أمنه القومي مع ما يتطلبه ذلك من دعم سياسي ورصد الاعتمادات المالية الكافية.
وللتدليل على مدى قدرة الصين على استغلال الإنجازات التكنولوجية للانخراط في حرب غير تناظرية مع الولايات المتحدة ما علينا سوى النظر إلى التجربة الصينية الناجحة التي أجرتها على سلاح مضاد للأقمار الاصطناعية. فبالنظر إلى التطلعات الصينية وتصادمها مع المصالح الأميركية ليس مستبعداً نشوب حرب بين البلدين حول تايوان، أو كوريا الشمالية، بحيث تلجأ الصين إلى إخراج القدرة النووية الأميركية من المعادلة ليس بالاعتماد على التوازن في السلاح، بل إلى طرق أخرى للردع. فالصين تدرك أن جميع الجوانب الاقتصادية والعسكرية الأميركية تعتمد على أجهزة وشبكات إلكترونية موصولة مع بعضها بعضاً. وفي حال تعرضت تلك الأجهزة لخلل مفتعل وتعطلت فإن أميركا كلها ستتوقف لفترة قد تمتد لسنوات وتغرق في الظلام والفوضى. فقد تلجأ الصين إذا ما حصرت بين النصر، أو الهزيمة، إلى تفجير شحنات نووية عالية في الهواء متسببة في انتشار الإشعاع الكهرومغناطيسي الذي سيعطل بدوره جميع الأجهزة الإلكترونية للحكومة الأميركية مع ما لذلك من تداعيات خطيرة.
وبالطبع لن تستطيع الولايات المتحدة الرد بضربة نووية مباشرة لأن التفجيرات الكهرومغناطيسية الصينية لم توقع ضحية واحدة أميركية، فضلاً عن أن اللجوء إلى تقنية تعطيل أجهزة الصين الإلكترونية لن يجدي نفعاً بالنظر إلى عدم ارتهان الحكومة الصينية لتلك الأجهزة. ولعل النقطة الأهم في الاستراتيجية النووية التي يتعين الاهتمام بها هي إبقاء الاحتمالات المطروحة أمام جميع الأطراف متوازنة، بحيث يصعب نقلها من نطاق الفرضية إلى نطاق الواقع. وفي هذا الإطار يتعين على الولايات المتحدة تقوية أنظمتها الإلكترونية، وبناء نظام للصورايخ ينهي ليس فقط احتمال توجيه الصين ضربة أولى، بل يضمن أيضاً حماية أفضل لقدرتنا العسكرية وتوجيه الضربة الثانية.