جريدة الجرائد

الوعد ... صادق؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

علي الرز

خطأان مشتركان يتجولان يوميا بين شوارع الاحتمالات السياسية العربية وتحديدا تلك العابرة للمنطقة المشتعلة، الاول صار ديدن الموالين للسياسة السورية ومفاده ان اي شكل من اشكال العلاقة المتطورة بين دمشق وواشنطن يعني انتصارا لوجهة النظر السورية وممارسات النظام منذ سبع سنوات وحتى اليوم، والآخر يعتبر هذه العلاقة بمثابة هزيمة لمشروعه وبداية صفقة قد تؤدي الى تغيير السلوك الاميركي (الاميركي هذه المرة!) من العراق الى فلسطين مرورا بلبنان.
قبل حرب العراق وبعدها، لم تكن العلاقات السورية - الاميركية مقطوعة. كان الحوار مستمرا بين وزير الخارجية آنذاك كولن باول وبين المسؤولين السوريين حول انبوب النفط العراقي المهرب الى سورية وضرورة التزام سورية الضوابط الدولية في هذا المجال اضافة الى ملاحظات حول مستوى التعاون الامني والتسليحي الوليد بين دمشق وبغداد. يومها، اكد السوريون انهم ملتزمون القرارات الدولية وخصوصا "النفط مقابل الغذاء" واصروا على نفي وجود الانبوب أوالتعاون، وطلبوا من الاميركيين مقاربة اخرى للعلاقات الثنائية ترتكز على "فهم اكبر للدور السوري في المنطقة وقدرة سورية على ان تكون قاعدة اساسية للامن والاستقرار مستقبلا".
فترة اختبار النيات السورية التي اوصى باول الادارة الاميركية بأن تعتمدها ارتكزت على تقويم جملة سلوكيات، اهمها التعاون في الموضوع العراقي كي تكون دمشق "حديقة خلفية" هادئة لسياسة التصعيد الدولية والاقليمية ضد نظام صدام حسين، سواء عبر التزام القرارات الدولية او بتسهيل تأمين ارضية مناسبة في المؤتمرات والاجتماعات العربية والاسلامية للاعصار القادم من الغرب، اضافة الى تغيير التعاطي مع لبنان خصوصا وان الاستحقاق الرئاسي داهم، وتسهيل التوافق الفلسطيني على تنفيذ الاتفاقات الموقعة مع اسرائيل، واستمرار التعاون السوري مع الولايات المتحدة في الحملة الدولية لمكافحة الارهاب.
النقطة الاخيرة هي الوحيدة التي عبرت اختبار النيات، فقد كان تعاون سورية الاستخباراتي مع الولايات المتحدة كبيرا جدا في المراحل الاولى للحرب على الارهاب، ووصل الى درجة السماح لمسؤولين في "سي. آي. اي" بان يزوروا بعض الاماكن في سورية ويجرون تحقيقات على الارض. ولكن، بينما كانت اشادات "امنية" تخرج من افواه مسؤولي الادارة كانت الانتقادات السياسية تتوالى حول فشل سورية في النقاط الاخرى واصمة الوعود التي اعطيت ... بالكذب.
في مارس 2003 وبينما القذائف والصواريخ تنهمر على بغداد، دخلت قوة كومندوس اميركية من الاراضي الاردنية الى الاراضي العراقية وفجرت انبوب النفط المهرب الى سورية، ولاحقا قال باول لمسؤولين سوريين:" فعلنا ذلك كي نمكنكم من ابقاء وعدكم صادقا بأن لا وجود اصلا لهذا الانبوب"، ثم دار الحديث حول مجمل الامور التي ارتأت واشنطن انها لم تصب في اطار التعاون، من موقف سورية في الاجتماعات العربية والاسلامية الى تسهيل خروج بعض القياديين العراقيين واستضافة آخرين، وبالطبع كان لا بد من المرور "الدائم" على وضعي لبنان وفلسطين.
القصة بعد ذلك معروفة، ذهاب سورية بعد الانهيار البعثي السريع في بغداد الى اقصى خطوط التطرف في المواقف داخليا وعراقيا وفلسطينيا ولبنانيا، من تسهيل دخول المقاتلين و"المجاهدين" الى العراق، الى التمديد للرئيس اللبناني اميل لحود والدعم المطلق لحركتي "حماس" و"الجهاد"، اضافة الى التضييق الداخلي على الاصوات السورية التي ميزت نفسها عن موقف النظام ... وحده التعاون الاستخباراتي الأمني مع الاميركيين بقي مستمرا وعبر عنه الرئيس السوري نفسه في حديثه الى الصحف الاميركية حين قال انه (التعاون) نجح في انقاذ حياة اميركيين في العراق وغير العراق.
بنت سورية استراتيجيتها الانتظارية (بالتعاون مع الحليف الايراني) على المزيد من تسهيل اعمال العنف لتوريط الاميركيين في العراق اكثر وبالتالي انهاك المشروع الاميركي في المنطقة، وعلى الحفاظ على القبضة الداخلية قوية وقامعة، وعلى تطوير حضور "حماس" و"الجهاد" في فلسطين كما ونوعا وبالتالي تطوير فاعلية الورقة السورية التفاوضية، وعلى التعامل مع "الخاصرة" اللبنانية بالمنطق الذي يعرفه الجميع ولا ضوابط او حدود له بما في ذلك تحويل لبنان الى رواندا او الصومال اذا اقتضى التفاعل الداخلي والعربي والدولي المستمر مع قضية استشهاد الرئيس رفيق الحريري ذلك... ووسط هذه الصورة بدا الحديث عن تعاون اميركي - سوري انتصارا لفريق وهزيمة لفريق آخر.
ولكن، اذا كانت العلاقات الجديدة تقتضي التزام سورية القرارات الدولية، والتعاون الاقليمي والدولي البناء، ونبذ سياسة التدخلات في شؤون الآخرين او اعتبار دول الجوار ساحات واوراقا، وسيادة منطق المكاشفة والمحاسبة، وتسهيل قيام المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الحريري، والتعاطي الحضاري مع امور المنطقة والعالم، والانفتاح الداخلي نحو مزيد من الحريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية... فالانتصار هو لسورية وللمواطن السوري ولمواطني الدول المجاورة لسورية، بل هو انتصار حتى لمعارضي السياسة السورية الذين يخشون صفقة على حسابهم.
العلاقات الجديدة لا تستوي معها اللغة القديمة ولا الممارسات القديمة، وعلى معتبري الانفتاح الجديد "انتصارا لصمود سورية وهزيمة للمشروع الاميركي" ان يدعموا اعتبارهم بتغيير حقيقي في النهج والسلوك والممارسة ومقاربة التطورات الاقليمية والدولية بواقعية، كي لا تتكرر عبارة كولن باول بعد تفجير الاميركيين للانبوب قبل اربع سنوات:"فعلنا ذلك كي نمكنكم من ابقاء وعدكم صادقا".
لا علاقات جديدة قوية بلا ... وعد صادق!

alirooz@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف