جريدة الجرائد

انحسار الزواج بين الطوائف العراقية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

في ظل غياب الأمن.. الجميع يحمي نفسه بالعودة إلى طائفته وعشيرته


بغداد: سودارسان راغافان- واشنطن بوست


الملاحظة التحذيرية وضعت تحت باب محل مي محمود. وقد طبعت بعناية بحروف الكومبيوتر، وتقول: "يجب عليك مغادرة بيتك. نمهلك ثلاثة ايام. أو سنقتلك". وقد وجهت الى زوجها وهو مسلم شيعي، وهي مسلمة سنية. فأين سيذهبان ؟
هرب الاثنان من حيهما الذي تسكنه اغلبية سنية الى بيت امه قرب حي شيعي. وخلال أشهر، عندما اقتحم المتمردون السنة تلك المنطقة، وصل الى المحل تهديد آخر بالقتل. آن أوان المغادرة ثانية. وبينما كانت تروي القصة كان صوتها يرتعش، لا بسبب الغضب وإنما اليأس. وقالت "منذ تلك اللحظة اصبحت حياتنا جحيما".

وقالت زينة عبد الرسول، موظفة حقوق الانسان في الأمم المتحدة، وهي نفسها مولودة من زواج مختلط، انه "في ظل غياب الأمن، يحمي العراقيون انفسهم بالعودة الى طوائفهم وعشائرهم. ويصبح من الطبيعي أن يسمع المرء عن انهيار عوائل مختلطة بسبب الطلاق".

وفي الوقت الحالي تعيش مي محمود مع اقربائها، ويعيش زوجها في القاهرة مع عائلته. وتضغط عليها عائلتها السنية بهدف الطلاق من زوجها بسبب طائفته. وعائلته الشيعية مقتنعة بأن كل السنة مجرمون. وقد التقى الزوجان مرتين منذ ابريل.

وقالت مي، 37 عاما، "نحب بعضنا كثيرا. وهذا ما يجعل الأمور أسوأ. نحن نعاني لأننا لا نعيش معا". وقد طلبت عدم ذكر اسم زوجها لأنه معروف في حيها. وكان صوتها، وهي جالسة في فندق، يخفت ويتحول الى همس كلما مر أحد بقربها. وبينما لا توجد احصائيات رسمية يقدر الباحثون الاجتماعيون ان ما يقرب من ثلث حالات الزواج العراقية هي بين أفراد طوائف او اثنيات مختلفة. وبعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 جادل كثير من العراقيين ان كثرة مثل حالات الزواج هذه تظهر ان العراقيين يهتمون بهويتهم العربية او الوطنية أكثر من انتمائهم الطائفي او الاثني.

وخلال الـ 23 عاما الماضية عاش احمد السامرائي، وهو سني ويبلغ 55 عاما، مع عائلته في مدينة الحرية ببغداد. وقبل اشهر قليلة بدأت المليشيات الشيعية ترحل السنة من بيوتهم، ولكنه ما يزال يشعر بالحماية. فعائلة زوجته الشيعية موجودة في الحرية منذ 40 عاما. ولكن بعد مقتل عاملين في جامع سني محلي هرب المزيد من السنة.

وتذكر السامرائي ان زوجته قالت له في احدى الأمسيات "من الأفضل لك ان تغادر". وقد رفض. ولكن بعد ايام قليلة وبعد مغادرة مزيد من العوائل السنية راح يفكر في الأمر، وكان يشعر بالقلق من أن ينظر الى زوجته باعتبارها متعاونة بسبب زواجها من سني. كما كان يشعر بالقلق بشأن ابنه الأكبر عمر، وهو الاسم الأكثر دلالة على الانتماء السني. وكان هناك ضغط من عائلة زوجته ايضا.

وقد اضطر في الأيام التالية الى المغادرة الى بيت والديه الساكنين في حي ذي أغلبية سنية مصطحبا معه ابنه عمر الذي كان يشعر بالخوف.

وحتى ضمن مناخ محكوم بالشكوك العميقة، يبادر العراقيون المنتمون إلى طوائف مختلفة إلى الاختلاط بعضهم ببعض كلما توفرت الفرص لذلك. لكن القصص التي ينقلها موظفو الخدمات الاجتماعية والأمم المتحدة والعراقيون تشير إلى أن النزاع القائم يولّد عدم الثقة داخل العوائل نفسها، والعراقيون يحكون قصصا عن أفراد عوائل كانوا موضع خيانة بعض أقاربهم المنتمين إلى طائفة أخرى. وقال العقيد السابق في الجيش العراقي، خليل إبراهيم الجنابي، 54 سنة، إن ابن اخيه السني أحمد قتل بالرصاص على يد اثنين من حمويه اللذين ينتميان إلى ميليشيا شيعية. ويتمنى الجنابي الآن لو أن ابنته المقترنة بشيعي تترك زوجها. وهو ما زال لديه ابنة أخرى عزباء. وقال الجنابي بمرارة: "أنا لن أزوِّجها ابدا بشيعي".

أما الموظفة الحكومية سمر أحمد، 25 سنة، فتتذكر كيف تحول أبوها ضد عائلتهم.

فأم سمر شيعية. وقبل انتهاء عام 2005 أصبح الأب قريبا إلى زوجته السنية السابقة وأطفالهما. وحينما قُتل أحد الأبناء من ذلك الزواج على يد رجال من ميليشيا شيعية ملأت المرارة روح أبيها، حسبما قالت سمر أحمد التي تعرّف نفسها كشيعية.

آنذاك بدأ الأب بقسر أم سمر كي توقع على أوراق ملكية البيت في بعقوبة الواقعة إلى شمال شرقي بغداد، على الرغم من أنها ورثته عن أبويها.

ثم جاء الأب ذات يوم من أيام أكتوبر إلى البيت حاملا معه وعاء من الكيروسين، وتحت بصر سمر وأخيها راح الأب يسكبه فوق زوجته مهددا بأنه سيشعل النار فيها.

"بعد ذلك وقعت الأم على ملكية البيت"، كما قالت سمر احمد، وما أن مرت أسابيع قليلة حتى علموا أن البيت تم بيعه. ومنذ ذلك الوقت لم تر أباها، وأضافت باشمئزاز: "في المناطق، السنة تطرد الشيعة، والشيعة تطرد السنة. وفي عائلتي، والدي هو الذي طردنا".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف