جريدة الجرائد

العراب فلاديمير بوتين: اتقان استخدام سلاح الطاقة لبعث قوة روسيا

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك



نيال فيرغوسن - التايم

باستطاعتك قول ما تشاء عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين - رغم أنه يفضل أن تحافظ على التهذيب- لكنه استطاع بالتأكيد إعادة تأسيس صدقية بلاده كقوة عظمى. فقبل عشر سنوات، كانت روسيا تمر بحالة فوضى تذكر بأيام القرن السابع عشر التي عرفت "زمن المعضلات". ولم يكن بوريس يلتسين، سلف بوتين، سوى صورة كاريكاتيرية للقيصر الكارثي بوريس غودونوف الذي عانت روسيا في ظله من المجاعة والمذلة. وكان يلتسين المبتلى بمشاكل القلب وادمان الكحول، قد ضمن إعادة انتخابه في عام 1996 من خلال تحويل خصخصة قطاع الطاقة الروسي الى خديعة مهلهلة، مقايضاً حقول النفط والغاز نظير المساهمات في حملته. وفي الغضون، ترتب على المواطنين الروس العاديين ان يتحملوا أعباء التضخم المستشري والبطالة المتفشية. ولا غرابة في ان يكون الموقف الجيوسياسي الروسي قد بدأ بالانهيار خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي. وفيما كانت الجمهوريات السوفياتية السابقة وأعضاء حلف وارسو السابق يصطفون للانضمام لحلف الناتو، بدت القوة العظمى حقيقة وأنها قد أصبحت -كما كانت توصف في الحرب الباردة على سبيل التندر- "بوركينا فاسو" ممتلئة بالصواريخ.

ثم، وفي نهاية عام 1999، ارتقى بوتين الى سدة السلطة. ومنذ ذلك الحين اعاد تكريس سيطرة الكرملين بلا هوادة على قطاع الطاقة والاعلام. واستعاد الاقتصاد توازنه حيث بلغ معدل النمو 6,8%، فيما تراجعت نسبة التضخم الى ارقام فردية. ومع ذلك، فان اكثر إنجازات لبوتين تأثيراً كان استعادة هالة روسيا الكونية. وفيما اضطلع سلفه بدور المهرج على المسرح الدولي، تمتع بوتين بلعب دور الرجل الصلب. وفي الحقيقة، وعندما شاهدته يتحدث في المؤتمر الدولي حول السياسة الامنية مؤخراً في ميونيخ، بدا الرئيس الروسي وكأنه تشخيص مدهش لدور مايكل كورليون في فيلم "العراب" - ليكون تجسيداً للخطر المتخفي. وقد استمع وفد اميركي ضم وزير الدفاع روبرت غيتس والمرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الاميركية المقبلة جون مككين الى بوتين وهو يحذر من ان "عالماً أحادي القطب" - يعني عالما تسيطر عليه الولايات المتحدة - سوف كون "مهلكاً ليس فقط لاولئك الذين يخضعونه لهذا النظام، وإنما ايضا للدولة المعنية ذاتها". وقال بوتين ان "استخدام اميركا المفرط للقوة يغرق العالم في أتون نزاعات دائمة".

لبعض المستمعين، بدت شكاوى بوتين وهي تذكر بشكل غريب بالحرب الباردة. لكنني وبينما كنت انظر في قاعة المؤتمر، فاجأني ان جمهوره المستهدف لم يكن الاميركيين بالضرورة، وإنما المزيد من الأوروبيين والشرق أوسطيين. ومثل مايكل كورليون، بدا بوتين وأنه يتوق إلى أن يصبح رجل أعمال. فروسيا امبراطورية طاقة تجثم على اكثر من ربع احتياطيات العالم المعروفة من الغاز الطبيعي، وعلى 17% من الفحم، 6% من النفط. ولاسباب جغرافية، فان الولايات المتحدة لا تشكل واحداً من زبائن روسيا الرئيسيين. لكن خمسي واردات المانيا من الغاز الطبيعي يأتي من روسيا، كما هو حال مفاعلات إيران النووية الجديدة كافة. وعندما ذكر بوتين اسعار الطاقة، كان الالمان من بين الحضور هم الذين دوّنوا الملاحظات. وعندما تناول موضوع الانتشار النووي، كان الايرانيون الذين تململوا.

لعل النقطة الرئيسية هي ان قوة روسيا الجيوسياسية قرين لقيمة صادراتها من الطاقة. وكما اشار ستيفن كوتكين، مؤرخ برينيستون، فان ازمة الطاقة في سنوات السبعينيات من القرن الماضي قد ساعدت الاقتصاد السوفياتي - في الوقت الذي الحقت فيه الأذى بالغرب- عن طريق جعل النظام السوفياتي يسبح في بحر من البترودولارات. لكن، وفيما تراجعت اسعار النفط دون معدل سعري قدره 20 دولارا للبرميل بين الاعوام 1986 و 1996، فقد تراجعت القوة الروسية كذلك. ولم يكن من قبيل المصادفة ان يتراجع سعر النفط الى 11 دولارا في آخر سنة بائسة من حكم يلتسين.

باستطاعتك ان تتأكد من أن درس التاريخ لم يفت بوتين. فالتبعات السياسية لاسعار النفط المكلفة في هذه الايام جديرة بالتأمل. وبالبساطة نفسها، فان روسيا هي القوة الرئيسية الوحيدة التي لها مصلحة في ارتفاع اسعار الطاقة. وهي تشكل، تبعا لذلك، القوة الرئيسية الوحيدة التي ليس لها مصلحة في استقرار الشرق الأوسط.

ربما يكون هذا هو السبب في أن روسيا تشكل اكبر مشكلة لاميركا عندما يتعلق الامر بوقف ايران عن حيازة اسلحة نووية. صحيح أن بوتين قد اعلن في ميونيخ عن التزامه بعدم الانتشار النووي، لكن الحقيقة تبقى ان الروس هم الذين يشيدون المفاعل النووي الايراني في بوشهر، وان الروس هم الذين فازوا لتوهم بعقد تشييد ست مفاعلات مماثلة. وربما يكون بوتين قد تحدث في ميونيخ عن "خطورة عدم الاستقرار الكوني" الناجمة عن الوضع في الشرق الاوسط. لكن لا شيء يناسبه في الحقيقة أكثر من هذا الوضع، اذ ان عدم استقرار الشرق الاوسط هو الذي يضمن بقاء اسعار النفط عالية، وهي التي أصبحت القوة الروسية تعول عليها. وربما يكون بوتين قد قاد روسيا الى الخروج من "زمن المعضلات"، فهل يكون هذا استهلالا لوقت افتعال المشكلات؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف