كلما تذكرت توفيق الحكيم!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أنيس منصور
تضايق أستاذنا توفيق الحكيم عندما نشرت في مجلة (الجيل) التي كنت أرأس تحريرها صورة لوالدته وهي تبيع مخلفات الطيور التي تكومت أمامها على شكل تل صغير. وفي اليوم التالي اصدر الرئيس عبد الناصر قرارا بتأميم الصحافة. فوجد توفيق الحكيم في هذا القرار عقابا أستحقه أنا وغيري!
وكان سعيدا عندما أصدر الرئيس عبد الناصر قرارا بفصلي من الصحافة والتدريس في الجامعة بسبب ما كتبته عن مسرحية توفيق الحكيم (السلطان الحائر) والإسقاطات المتعمدة على حكم الرئيس وظلم الرئيس!
وضايقته عندما كان يحدثني عن ابنه الفنان اسماعيل الحكيم، فقد أعطاه مبلغا من المال وطالبه بسداده كل شهر، وقال لي اسماعيل انه سعيد ووالده ايضا. ولو نظر ابوه الى رزمة الفلوس التي يتقاضاها كل شهر.. لوجد انها رزمة واحدة تنتقل من يد الوالد الى يد الوالدة الى يد اسماعيل.. رزمة واحدة تدور بينهم جميعا ومن ثلاث سنوات! لقد ضحكنا عليه!
وتضايق توفيق الحكيم عندما نشرت في مجلة (الجيل) أيضا أن سكان عمارته التي في ميدان العتبة الخضراء لا يعرفون من هو توفيق الحكيم. احد السكان قال لي: انه دكتور؟ وواحد قال: ممثل معروف.. وواحد قال: صاحب عمارة لا يهتم بنظافة عمارته. ولم نجد ساكنا واحدا يعرف من هو توفيق الحكيم. وعندما ذهبت مع طه حسين الى الاوبرا لمشاهدة مسرحية (يا طالع الشجرة) وصفها طه حسين بأنها عبث وكلام فارغ! قال ان هناك أدباء وشعراء فرنسيين عبثيين ايضا. ولكن اخف دما من توفيق الحكيم من مثل: لوتر يومون وفرلين وبودلير!
وكأنني اردت ان اصالح توفيق الحكيم فنشرت على لسانه الهجوم على الجماهير التي تهتم باللعب وكرة القدم اكثر من اهتمامها بالادب والثقافة والفن. وقال عبارته المشهورة: انتهى عصر القلم وبدأ عصر القدم!
لقد قرأ الحكيم ان لاعبا دون العشرين يعطونه مليونين من الجنيهات وثلاثة.. فقال: ان هذا اللاعب الصغير اخذ في سنة واحدة ما لم يأخذه كل ادباء مصر من أيام اخناتون. ولم يعش توفيق الحكيم ليسمع عن (دافيد بيكهام) الذي يتقاضى مئات الملايين بحذائه أيضا. وساءلت نفسي ولماذا كل هذا عن توفيق الحكيم. لا بد انني اشعر بالضيق مما حدث لي بسبب توفيق الحكيم. وعاتبت نفسي كثيرا، كيف اتخذ هذا الموقف الصبياني من أستاذ جليل. اذن لقد كانت عاطفتي أقوى من عقلي.. وما دام عصر القلم قد ولى وجاء عصر القدم، فقد كومت هذه الحوادث الصغيرة وجعلتها في شكل كرة القدم وسددتها الى شباك الغضب والسخط. وأطلقت صفارة النهاية لمباراة سخيفة كنت فيها اللاعب والمتفرج والكرة والحكم!