تداعيات السياسة الأميركية في العراق على لبنان وفلسطين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سليم الحص
أعلن في مطلع شهر آذار (مارس) 2007 ان الإدارة الأميركية وافقت على عقد مؤتمر في بغداد اليوم، يضم الولايات المتحدة الأميركية والدول المجاورة للعراق الذبيح بما فيها سوريا وإيران، وهما من الدول التي كانت وزيرة الخارجية الأميركية تسميها من "محور الشر" وكانت الإدارة الأميركية تمارس القطيعة التامة مع كليهما. وترافق هذا الخبر وإيفاد مرسل أميركي الى سوريا بذريعة متابعة وضع النازحين العراقيين اللاجئين الى سوريا. فاعتبر هذان التطوران حدثاً مفصلياً في مسار أزمة المنطقة المحتدمة.
وطرح السؤال: فيما لو أدى هذا التطور الهام الى انفراج ما في العراق، فهل ستقتصر مفاعيله على العراق أم انها ستنعكس ايجابا على الوضع في بؤرتي التوتر الأخريين في المنطقة، لبنان وفلسطين.
بداية لا بد من الاجابة على تساؤل بديهي هو: هل يشكل القرار الأميركي تحولا حقيقيا في استراتيجية أميركا في المنطقة؟ في رؤيتنا أن القرار لا يشكل تحولا حقيقيا بل مجرد تبدل في السياسة الظرفية الأميركية ناجم عن ضغط يمارسه الحزب الديموقراطي المعارض، ومعه نفر من الحزب الجمهوري الذي يتزعمه الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، في اتجاه تغيير جذري في سياسة الإدارة الأميركية في العراق بعد أن سجل الحزب الديموقراطي انتصارا على الحزب الجمهوري في الانتخابات النيابية الأخيرة على خلفية الفشل الذي منيت به السياسة الأميركية في العراق بالذات منذ الاحتلال.
المعروف أن الاستراتيجية الأميركية والاستراتيجية الإسرائيلية حيال المنطقة متطابقتان. واسرائيل لم تغيّر أو تعدّل استراتيجيتها، بل انها ساكتة عن التغيير الأميركي مراعاة لموقف الرئيس بوش الذي يتعرّض لضغط داخلي شديد من جانب المعارضة الأميركية. وكما لا موجب لإسرائيل لتبديل استراتيجيتها في لبنان، فإنه لا موجب لأي تغيير في استراتيجية أميركا في لبنان، فالضغط الداخلي على الرئاسة الأميركية لا يشمل السياسة الأميركية في لبنان.
ثم إن الإدارة الأميركية، كما نردد القول، لا تريد شيئا من لبنان وإنما تريد الكثير الكثير عبر لبنان. فالشاهد على ان أميركا لا تريد شيئا من لبنان هو امتداح الإدارة الأميركية للوضع في لبنان بالاشادة بالحريات فيه وبالممارسة الديموقراطية وبالحكومة المنتخبة ديموقراطيا بحسب الزعم الأميركي. أما كونها تريد الشيء الكثير عبر لبنان فيتجلى في استخدام لبنان مسرحا لممارسة ضغوطها على سائر قوى المنطقة، وبخاصة الفلسطينيين والسوريين والإيرانيين وسواهم. والإدارة الأميركية غير مضطرة للتخلي عن هذا الدور المشؤوم الذي ناطته بلبنان.
لذا القول ان أي انفراج قد يطرأ على الوضع العراقي، وهذا ما يتمناه كل عربي، قد لا ينعكس ايجابا على الوضع المتأزم في لبنان في وقت قريب.
ثم كيف يمكن ان ينعكس أي تطور ايجابي في العراق على الوضع في فلسطين، سؤال قد يستثير كثيرا من علامات الاستفهام. هنا أيضا يجب القول إن لا الإدارة الأميركية ولا إسرائيل تتعرض لأية ضغوط أميركية داخلية لتغيير سياستها في فلسطين، بخلاف العراق. لذا لا يُتوقع أي تغيير ملموس على هذا الصعيد.
ثم إن التذكير بأن لا فارق، ولا حتى في التفاصيل، بين استراتيجية أميركا واستراتيجية إسرائيل حيال المنطقة إنما يستحضر سلبيات إسرائيل المطلقة حيال الوضع الفلسطيني والتي لم يطرأ ما يفرض تبديلا فيها. فالأنظمة العربية في محيط فلسطين تواقة الى عقد محادثات للتسوية (ما يسمى سلاماً) مع إسرائيل، ولكن إسرائيل تأبى السير في هذا الطريق. فالرئيس السوري أعرب غير مرة عن استعداد سوريا لاستئناف محادثات "السلام" مع إسرائيل من دون شروط مسبقة، وكذلك فعل الرئيس الفلسطيني محمود عباس غير مرة. أما لبنان فكان موضوع التسوية مع إسرائيل قضية خلافية لمدة من الزمن الى ان حسم الموضوع بالتوافق على ان لبنان، كما صرّح يوماً غبطة البطريرك الماروني حاسماً الجدل، لن يكون أول من يوقع بل آخر من يوقع مع إسرائيل. هذا يعني عمليا ان لبنان على استعداد للتوقيع ربما بعد ساعة واحدة من توقيع سوريا. وإذا كان التوقيع مع أي من هذه القوى العربية لم يتم بعد فالفضل في ذلك يعود ليس الى أي من المسؤولين في الجوار العربي وإنما يعود الى العدو الإسرائيلي الذي لا يجد مصلحة له في أي تسوية أو "سلام".
إسرائيل ما زالت ترفض مشروع خريطة الطريق الذي اعتمدته الرباعية الدولية (أميركا والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة) مع انه يبدو في مصلحة إسرائيل كليا. فالمشروع يندرج في ثلاث مراحل: في المرحلة الأولى يفترض في الفلسطيني أن يوقف الانتفاضة وحركة المقاومة والتخلي عن السلاح. وفي المرحلة الثانية جملة تدابير إجرائية. وفي المرحلة النهائية تباشر عملية التفاوض على "السلام". من الملاحظ أن المفاوض الفلسطيني يمتلك حاليا من أوراق التفاوض واحدة فقط في مقابل كل ما يطالب به من حقوق: انه يستطيع اليوم أن يقدم لإسرائيل أمنها (وهو الوجه الآخر للمقاومة والانتفاضة ولوجود السلاح في يد الفلسطيني) في مقابل ما يطالب به من استرجاع لأرض محتلة واستعادة القدس العربية والاصرار على حق العودة بموجب القرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة. فإذا أوقف المقاومة وسلم سلاحه في المرحلة الأولى فإنه سيصل الى المرحلة الثالثة والأخيرة، مرحلة التفاوض، وليس في يده ورقة تفاوضية يتقدم بها، فينقلب من مفاوض الى مجرد مستجدٍ.
فإذا ما تنازلت اسرائيل للفلسطيني عن شيء مما يطالب به فلن يكون ذلك بفضل قوته التفاوضية بل بفضل "كرم أخلاق" العدو الإسرائيلي. من هنا قولنا ان خريطة الطريق هو مشروع استسلام وليس مشروع سلام.
والمشروع الآخر المطروح هو المشروع العربي، الذي أقرته القمة العربية في بيروت عام ,2002 انه ينص على العودة الى حدود 1967 وحفظ حق العودة للاجئين. كأنما لم يكن ثمة مشكلة مع إسرائيل قبل العام .1967 لو كان الأمر كذلك، فعلام كانت حرب العام 1967 الكارثية؟ فالمشروع العربي، بهذا المعنى، هو تسوية وليس حلا جذريا، أي انه نصف حلّ. مع ذلك فإن إسرائيل ترفضه. وفي حال طرح في المفاوضات فسوف تساوم إسرائيل على مضمونه حتى تصل بنا الى تسوية على التسوية، أي الى نصف النصف، أي ربع الحل. فكيف سيكون ربع الحل مرضياً للشعب العربي عموما والشعب الفلسطيني خصوصا؟ كان الطبيعي أن يكون المشروع العربي معبراً عن أقصى ما تطمح إليه الأمة. حتى إذا ما آلت المفاوضات الى تنازلات فتسوية فإن الحلّ يمكن ان يكون شبه مقبول.
نحن من المؤمنين بأن فلسطين هي قضية وجود وليست قضية حدود. إن إرساء مشاريع الحل عربيا ودوليا على تطبيق القرار ,242 أي العودة الى حدود ,1967 يجعل من فلسطين قضية حدود. أما القرار ,194 الصادر عن الهيئة العامة للأمم المتحدة عام ,1948 والذي تكرر التأكيد عليه بقرارات لاحقة من الهيئة العامة مرات لا تحصى لسنوات وسنوات. فهو الذي يجعل من فلسطين قضية وجود. فإذا حُفظ حق العودة لجميع اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم، وهذا حق من حقوق الانسان، فلا يعود يهمنا أين تُرسم حدود الدولة الفلسطينية كما لا يهمنا موضوع الجدار الفاصل الذي شيّدته إسرائيل. العرب ينتصرون عند ذاك على إسرائيل عبر القرار 194 ديموغرافيا، أي بضمان طغيان العنصر العربي على تكوين السكان في فلسطين في امتدادها التاريخي.
هذه نظرة استراتيجية من الزاوية العربية، يجب أن تؤخذ بنفس طويل، قد يمتد لأجيال. فالعرب يجب أن لا يتخلوا عن مصلحتهم الاستراتيجية، أي مصيرهم، مهما طال الزمن على تحقيق مبتغاهم. ونحن لا نرتجي من التطور المرتقب في العراق تداعيات إيجابية مباشرة على فلسطين بهذا المعنى.
لذلك كله لا نستبعد أن تقتصر تداعيات السياسة الأميركية المستجدة في العراق على العراق في شكل أساسي. أما الصراع مع إسرائيل، ومن ورائها أميركا، فيبقى مديداً لا بل مفتوحاً. والصراع لن يكون حروباً تقليدية، ستبقى إسرائيل متفوّقة فيها بالتكنولوجيا الحربية الأميركية، بل سيتخذ الصراع شكل المقاومة، التي أظهر العرب قدراتهم فيها، والممانعة والمقاطعة والصمود الى ما شاء الله.
بناء على ذلك فإنه يهمنا إحياء مبادرة منبر الوحدة الوطنية (القوة الثالثة) والتي طرحنا فيها مقاربة للحل قوامها ثلاث: أولا، إعلان من رئيس الجمهورية بأنه سوف يتعاطى مع الحكومة على أساس أنها في حكم المستقيلة تيسيراً لأمور الناس الحياتية والمعيشية فيتقبّل منها تصريف الأعمال في نطاقها الضيّق، ريثما يتحقق الحل الجذري للأزمة، ثانيا، استئناف مؤتمر الحوار الوطني وإنما موسّعا على ان يكون على رأس جدول أعماله موضوعا المحكمة والحكومة ثم سائر القضايا العالقة، وأخيرا دعوة المعارضة الى سحب المعتصمين من ساحات بيروت وشوارعها من أجل بعث الحياة في الحركة الاقتصادية. هكذا يستطيع اللبناني الصمود حتى التوصل الى حلّ جذري للأزمة في كل أبعادها عبر مؤتمر الحوار الوطني مهما طال الزمن.