ربيع طالبان وخريف الأميركان!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد أبو رمان
لم يعد هنالك شك كبير أننا أمام صعود جديد ثان لحركة طالبان، ما يوحي أن عمليات الربيع التي تتوعد بها الحركة قوات الحكومة الأفغانية الحالية والقوات الأجنبية "الإيساف" ستشكل لحظة فارقة في القتال المحتدم منذ سقوط الإمارة، أي منذ أكثر من خمسة أعوام.
تبرز المؤشرات الرئيسة على قوة طالبان من خلال قدرة الحركة على إعادة بناء وتشكيل بنيتها وادواتها العسكرية، إذ تقدر التقارير العسكرية أن هنالك آلافا من المقاتلين التابعين للحركة، التي وسّعت نطاق عملياتها العسكرية إلى مناطق مختلفة وواسعة في أفغانستان بين الجنوب والشرق والغرب، حتى أكثر المناطق تحصيناً في العاصمة كابول (كما حدث في تفجير قاعدة باغرام أثناء وجود نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، قبل أيام).
لقد طوّر الطالبانيون وسائل وتكتيكات عسكرية كانوا في السابق يرفضونها، كما هو الحال في العمليات "الانتحارية"، التي يمثل تبني الحركة لها رسالة قوية على أننا أمام عولمة "جهادية"، بامتياز، على مستويات مختلفة، لا تقف عند التنسيق والخطاب الفكري والسياسي، أو الدعم البشري المتبادل، بل أيضاً على صعيد تبادل الخبرات العسكرية بين الحركات التابعة للقاعدة والجماعات المسلحة في العالم العربي والإسلامي أو الحليفة لها كحركة طالبان.
لا تخفي التقارير العسكرية والسياسية في الغرب، بخاصة الدول المشاركة في "الإيساف"، أنّ طالبان عادت قوية وأن عملياتها في تصاعد مستمر، بل ويرى عدد كبير من المسؤولين الأوروبين أن الحركة تمثل أحد أكبر التحديات لحلف الناتو، الذي يقود العمليات العسكرية في افغانستان. كما طالب العديد من المحللين السياسيين الأميركيين بضرورة بدء الحديث والتفاوض مع طالبان، وعدم الركون إلى الحل العسكري والأمني، الذي ثبت فشله خلال السنوات السابقة.
المفتاح الرئيس في بناء اطار نظري يفسر عودة طالبان يتمثل بفشل الإدارة الأميركية في بناء نظام سياسي يحظى بالشرعية السياسية والقبول التام في أفغانستان، ما أدى إلى بقاء الجزء الأكبر من قبائل البشتون خارج سياق اللعبة السياسية (على الرغم من المشاركة الواسعة لبعض فئاتهم)، وتمثل حاضنة اجتماعية خصبة لحركة طالبان في كل من أفغانستان وباكستان على السواء.
ولم تفلح محاولات الرئيس مشرّف والقوات الأميركية في ضرب البنية التحتية لطالبان "الباكستانية" وتجفيف منابع الدعم البشري واللوجستي لعمليات طالبان والقاعدة، بل على النقيض من ذلك أدت عملية قصف المدرسة الدينية (ديسمبر 2006) والمواجهات بين العشائر البشتونية في إقليم وزيرستان وبين القوات الباكستانية إلى إضعاف موقف الرئيس مشرّف نفسه وتراجعه وتدهور شرعيته السياسية واضطرار الجيش الباكستاتي على توقيع اتفاق مع العشائر الباكستانية، يقوم على عدم تدخل الجيش الباكستاني في تلك المناطق، وقد صرّح الرئيس مشرّف نفسه أنّ الحل هو سياسي وليس عسكريا في مواجهة حركة طالبان.
يعتبر عدد من المراقبين أنّ طالبان الأفغانية لا تمثل سوى الجزء المكشوف من حركة طالبان- البشتونية، التي تمتلك نفوذا وقوة كبيرة في باكستان، وتستثمر ضعف الدولة وفشلها في تحقيق التنمية والأمن، إذ يمثل التحالف الديني- العشائري على الحدود الافغانية- الباكستانية سلطة بديلة عن سلطة الدولة الضائعة. وتساعد تضاريس المناطق الحدودية على توفير حاضنة جغرافية، معززة للحاضنة الاجتماعية، ما يصب في المحصلة لصالح "المقاومة" التي تعتمد أسلوب حرب العصابات والكر والفر في مواجهة الجيوش النظامية التي تتعامل مع معطيات الحرب العسكرية المباشرة.
تؤكد عوامل أخرى على فشل نظام كرزاي، تتمثل أولاً في الرد السلبي على الوجود العسكري الأجنبي سواء تمثل ذلك في استفزاز الكرامة الوطنية الأفغانية أو الأخطاء التي تقع بها قوات الاحتلال، إذ نجحت طالبان في استدراج الاحتلال إلى "عسكرة وجوده" من خلال تلك العمليات التي تؤدي إلى مقتل مدنيين وأبرياء، أو حالة السجون المزرية والاعتقال التعسفي أو الاستهانة بتقاليد الناس الدينية من قبل الجنود إلى غير ذلك مما يشعل فتيل الحمية الدينية ويؤججها لصالح حركة طالبان والقاعدة.
على الجانب المقابل، يمثل انضمام قلب الدين حكمتيار (الذي عاد من إيران) وعدد من أمراء الحرب الأفغانيين السابقين إلى الجبهة المسلحة بقيادة طالبان اختراقا عسكريا وسياسيا جديدا. ومن الواضح أنّ الجبهة الموالية لطالبان تمتد وتتوسع في أفغانستان في ظل عوامل مساعدة عديدة أبرزها عدم وفاء الولايات المتحدة والمجتمع الغربي في التزاماتهم المالية تجاه الأفغانيين واستمرار ظروف المعيشة الاقتصادية بالتدهور وعدم شعور المجتمع الأفغاني بتحسن ملموس على البنية التحية وعلى الخدمات العامة، بل حتى الظروف الأمنية تشهد حالة سيئة مع ازدهار زراعة المخدرات وتجارتها، إذ يشير تقرير لمجموعة الأزمات الدولية إلى العلاقة القوية بين عدد من المسؤولين الفاسدين في الحكومة الأفغانية وبين تجار المخدرات، في ظل إهمال واضح لعملية بناء القضاء الأفغاني وعدم وجود تدريب جيد للشرطة الأفغانية.
قد لا تؤدي المتغيرات الجديدة - بالضرورة- إلى عودة طالبان للحكم، وتشكيل الإمارة الثانية لها، لكن تبرز أننا أمام تحول استراتيجي جديد في موازين القوى الداخلية والإقليمية. صحيح أن الظروف الحالية لا تشبه تلك الظروف التي أتت بطالبان إلى الحكم 1996، لكنها تختلف أيضاً عن الظروف التي أدت إلى سقوط الإمارة الطالبانية في نهاية 2001.
ثمة ملامح مشتركة رئيسة ومباشرة بين التجربتين الأفغانية والعراقية تتمثل في صعود المقاومة والعمليات المسلحة وعدم قدرة الولايات المتحدة على إكمال مهمتها في هذين البلدين، تلك المهمة التي عبّرت عنها الأدبيات الأميركية بـ"بناء الأمم"، إذ فشلت الولايات المتحدة فيها في أكثر التجارب التي خاضتها على هذا الصعيد، وفقاً لمجلة فورين بوليسي الأميركية. ففي الوقت الذي حققت الإدارة الأميركية نجاحات عسكرية سريعة وقوية في تلك الحربين فشلت في تحقيق وعودها بعصر من الحرية والديمقراطية والتنمية.
الفارق بين الحالتين (الأفغانية والعراقية) يتمثل أنّ الإدارة الأميركية قد اعترفت بفشلها الذريع في العراق، في حين أن الرئيس بوش لايزال مصرّاً على دعايته السخيفة حول الوضع الممتاز في أفغانستان مقارنة بعهد طالبان، ويبدو أنه سينتظر بعض الوقت حتى يصبح الوضع مشابهاً تماماً للعراق، وتبدأ التقارير الإعلامية والعسكرية والأمنية بالتسرب حتى يقر بنكسته الجديدة في أفغانستان!