جريدة الجرائد

بوش يرقص «السامبا»!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

جميل الذيابي


"السامبا" رقصة شعبية لاتينية يُعقد لها مهرجان كبير في ربيع كل عام في العاصمة البرازيلية ريو دي جانيرو. رقصة تستهوي مشاهديها وتجرّ إيقاعات موسيقاها الصاخبة محبي الرقص الشعبي، ما جعل رئيس أقوى دولة في العالم يرقص "السامبا" كما يرقص فريق كرة القدم البرازيلي عندما يحقق فوزاً كروياً أو يسجل هدفاً في مرمى المنافسين.

يجذب كرنفال "السامبا" سنوياً أكثر من نصف مليون سائح من مختلف أنحاء العالم، إذ تردد الفرق الغنائية الخارجة من وسط الأحياء الفقيرة أغاني تتناول الصراع الطبقي، بحثاً عن السعادة ونسيان العوز الاقتصادي والفقر المدقع الذي يعيشه السكان، إلا ان البسطاء والمعوزين من البرازيليين لم يعجزهم عوز اليد، إذ خرجوا زرافات ووحداناً ليعزفوا في وجه بوش موسيقى "المعارضة" لسياساته "الأنانية" حول العالم، إيماناً منهم بأن لهم قدرة على التأثير السلمي، وان بلادهم ليست بمعزل عما يجري في الكرة الأرضية.

حافظ البرازيليون على الفولكلور الشعبي عقوداً طويلة، ليبرهنوا أن "السامبا" ليست مهرجاناً غنائياً راقصاً فحسب، بل هي مَعلَمٌ ثقافيٌ يقتص من "عناترة" السياسة كما يقتص من "هوامير" الاقتصاد.

عجِزَ بوش عن رقص "الدبكة" على أرض منطقة الشرق الأوسط وهو يصطحب ضحكته ويهمس في أذن رايس، وتحديداً على أرض الرافدين، بعد ان ملأ شوارعها وطرقاتها وأسواقها ومكتباتها بسوء خططه السياسية بشلاّلات من الألغام تسفك الدماء وتقتل الأبرياء وتزيد بؤر المتطرفين والإرهابيين.

بوش الذي لا يجرؤ على الإعلان عن زيارة جنوده في العراق، وإن رغب فإنها تكون خلسة ومفاجئة وخاطفة، وإلا سيكون مصيره محفوفاً بالخطر الجسيم، فقد كانت الحال مقلقة في البرازيل كما في العراق مع الاختلاف في أدوات التعبير. تظاهر بوش بالرقص "السامبي"، لكنه كان خاضعاً للحماية والحراسة المشددة، من تهديدات المتظاهرين المعارضين لزيارته. وأعْيَت أذني بوش طبول المتظاهرين، الذين تجاوز قرع طبولهم سياسة بلادهم ورداءة اقتصادهم ليلتحفوا رداء الإنسانية الأبيض ضد السياسات "العنجهية".

في العراق وفلسطين ولبنان تعتمد الثقافة "الرقصية" اليوم، على السياسات "الخائبة" والاغتيالات "المأسوية" والاقتتالات "المذهبية" والتخوينات "العمياء"، حتى امتلأت الشوارع والطرقات بجثث الموتى لتختلط الدماء الإنسانية الحمراء بأوراق الكتب البيضاء.

موسيقى منطقة الشرق الأوسط ترجف طبولها ليلاً ونهاراً على أصوات الانفجارات وطلقات البنادق، ولا يمكن ان يكون لبوش وتشيني وكوندوليزا رايس مكان فيها طالما ظلوا يمتطون دابة "المعايير المزدوجة"، وليس أمامهم إلا الفرار من كرنفالات الموت إلى رقصات "السامبا".

فتّش بوش في دفاتره القديمة، فعاد إلى الالتزامات التي قطعها على نفسه وحزبه إبان برنامجه الانتخابي، عندما أكد "أنه يريد القيام بمبادرة ورحلة تبرز أهمية النصف الآخر من أميركا اللاتينية، وتقديم رسالة لهم تفيد بأن الولايات المتحدة صديقة لهم". إلا انه وجد نفسه ضيفاً "غير مقبول" كما لم يكن مقبولاً في فنزويلا وكولومبيا وكوبا.

تعوّد البرازيليون البسطاء على رقصة "السامبا" ليغسلوا بها همومهم وفقرهم لنسيان مشكلاتهم ولو موقتاً، إلا أنهم مع زيارة بوش أبوا إلا أن يرقصوها لإزعاج رئيس الدولة العظمى، إذ رفعوا أمام ناظرَيْه ومرافقيه شعارات ولافتات تَصِفَه بداعية حرب وملوِّث كوكب الأرض، و "العدو الأول للإنسانية"، وصرخوا سوياً "اخرج يا بوش".

انتصر البرازيليون للعراقيين بالصوت على أنغام طبول "السامبا"، مطالبين بإنهاء الاحتلال وإغلاق السجون وحفلات التعذيب اللاإنسانية، خصوصاً ان تلك الصيحات خرجت من أفواه بسطاء في بلد تعتبره واشنطن مضاداً لنفوذ الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز وخططه الرامية لثورة اشتراكية في أميركا اللاتينية.

يبدو ان على بوش والإدارة الأميركية الحالية تعلّم فنون رقصات "السامبا" و "الصالصا" السياسية، لإقناع الشعوب اللاتينية بالصداقة مع الولايات المتحدة، حتى لا تتحول مهرجانات الرقص الشعبية في أميركا الجنوبية إلى "دموية" كما في "دبكة" مستنقع الشرق الأوسط، الذي لم تتمكن الولايات المتحدة من الخروج منه حتى الآن.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف