جريدة الجرائد

’’حماس’’ بين بيني موريس وأيمن الظواهري

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


جهاد الزين

هل يمكن تجاهل العنصر الساخر الكامن في مصادفة ان تنشر "الواشنطن بوست" تصريحات للمثقف الاسرائيلي المعروف بيني موريس يجدد فيها رأيه بصعوبة التعايش بين الاسرائيليين والفلسطينيين في اليوم نفسه (الاحد 11 آذار 2007) الذي يعلن فيه القيادي في تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري "استسلام" حركة "حماس" وتخليها عن "معظم فلسطين"!!
ينبغي ان يتأمل عميقا مثقفون اسرائيليون من طراز بيني موريس في "الجدل" القائم بين "حماس" و"القاعدة" قبل ان يواصلوا تشكيكهم المستجد في السنوات الثلاث الاخيرة بمدى الرغبة الفلسطينية في السلام مع اسرائيل على اساس حل "الدولتين"، اي على اساس قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة تكون عاصمتها القدس الشرقية.

لقد احتل بيني موريس في نهاية الثمانينات من القرن المنصرم، مع صدور كتابه عن اللاجئين الفلسطينيين وتهجيرهم المتعمد في اواخر الاربعينات موقعا قياديا في ما اصبح يعرف بتيار "المؤرخين الاسرائيليين الجدد"، التيار الذي عبرت عنه سلسلة كتب شجاعة وجادة تصدت بحثيا للرواية الرسمية للحركة الصهيونية عن الصراع مع الفلسطينيين والعرب، كان بين "المؤرخين الجدد" ايلان بابيه وتوم سيغيف وغيرهما من الذين شكلوا في التسعينات قدوة لمؤرخين ومثقفين عرب... كانوا يتطلعون الى مواجهة بعض "محرمات" التأريخ الرسمي العربي في مجالات عديدة مختلفة عن الصراع العربي - الاسرائيلي، بالشجاعة والجدية البحثية نفسيهما اللذين تحلى بهما هذا الجيل الجديد يومها من مؤرخي (وبعض باحثي علم الاجتماع) في اسرائيل.

تمثل حالة بيني موريس في الواقع، اي الحالة الارتدادية من مثقف باحث عن صيغة تواصل عميقة مع "العدو - الضحية" ممثلا بالشعب الفلسطيني الى مثقف مستسلم" لفكرة حتمية استئصال احد العدوين للآخر - كما كرر ايضا في "الواشنطن بوست" - تمثل عينة لمستوى مغلق داخل المجتمع الاسرائيلي حيال الموضوع الفلسطيني. فحتى اليوم، وعلى الرغم من اظهار التيارات الاسرائيلية الداعية الى السلام الكامل مع الفلسطينيين والعرب الكثير من الفعالية السياسية، الا ان "الرسالة" التي عبّر عنها ما يمكن تسميته بالاتجاه العام للرأي العام العربي، وتحديدا الفلسطيني، لم يظهر انها وصلت بصورة واضحة الى النخب كما المجتمع الاسرائيلي حتى تلك المؤيدة منها للسلام.

المضمون "الجوهري" لـ"الرسالة" من العالم العربي هي "قرار" السلام مع اسرائيل، وما مقررات "قمة بيروت" العربية عام 2002 الا احد تعبيرات الذروة عن هذا الاتجاه الذي بدأ مع اتجاه الاكثرية الفلسطينية في التسعينات المنصرمة، سيما بعد اتفاق اوسلو، الى الالتفاف حول المشروع الوطني الفلسطيني الذي اصبح واضحا: دولة في الضفة والقطاع عاصمتها القدس الشرقية.
لن ندخل الآن في جدل ان اتجاه الممانعة الاساسية لهذا المشروع بعد "اتفاق اوسلو" جاءت من قلب الحركات المتطرفة داخل المجتمع الاسرائيلي، بل حتى "يأس" القائد الراحل ياسر عرفات بعد العام 2000 جاء نتيجة تلمسه لصعود اليمين الاسرائيلي الرافض لصيغة السلام التي يعرضها الفلسطينيون ولو ان صعود آرييل شارون السياسي يومها ظهر وكأنه نتيجة رفض ياسر عرفات للعرض الاسرائيلي في "طابا" - بعد "كامب ديفيد" عام 1999 وليس نتيجة الشحنة الاستفزازية الشديدة الدلالات التي حملتها زيارة شارون الى المسجد الاقصى.

نقل صعود حركة "حماس" والتيارات الاسلامية بعد العام 2000، سيما مع تصاعد العمليات ضد المدنيين الاسرائيليين النقاش الى مكان آخر مختلف تماما. فلقد نجح اليمين الاسرائيلي في تحويل المشكلة الى مشكلة داخل المجتمع الفلسطيني الذي ظهر او أُظهر بمظهر الرافض للسلام، بل لاي شكل من اشكال التعايش فيما انعقدت قمــة بــــــيروت وأطلقت مشروعها "الجوهري" للسلام مع اسرائيل في ظل تلك الظروف.
كان بيني موريس "المرتد" احدى ضحايا سوء التفاهم العميق العائد... لا بين قيادتين او طبقتين سياسيتين اسرائيلية وفلسطينية فحسب، بل بين مجتمعين، مع انه - وأصر هنا على الزعم - ان خيار السلام الاكثري العربي والفلسطيني المتبلور تاريخيا منذ الانتفاضة الفلسطينية الاولى التي حملت ميدانيا مشروع التسوية - بقي هو نفسه في ذروة ايام المواجهة بعد العام 2000.
غير ان الرسالة الاعمق التي ينبغي عدم تفويتها في معناها الجوهري، بل الذي يبلغ فيها "جوهرية" لم يبلغها سابقا من حيث التعبير عن مدى انخراط العرب والفلسطينيين في مشروع السلام (العادل) هي "لقاء مكة" بين "فتح" و"حماس".

معه كل الحق ايمن الظواهري ان يعتبر ان "حماس" تغيرت نحو السلام بل نحو القبول باسرائيل.

المكان هو الأقدس عند العرب والمسلمين، مكة، المدينة التي تتخطى حدود الاوطان لدى المسلمين. في مكة خيار "الأمة". وهناك "حماس"... ترسل الرسالة "الأعلى" عن تغيرها الذي بدأ أصلا - ولم تعطها اسرائيل ولا الولايات المتحدة الفرصة الكافية لبلورة خيارها - منذ تشكيل الحكومة الفلسطينية بعد فوزها في الانتخابات التشريعية.
على بيني موريس ان يعيد النظر بالمفهوم الذي بنى عليه موقفه "الارتدادي". فرسالة "مكة" ينبغي ان لا توضع تحت مقصلة التشدد اللفظي من نوع محاسبة "حماس" على اختيارها كلمة "احترام الاتفاقات" بدل "التزام الاتفاقات". فالخيار الجوهري... سلمي، بمعزل عن استمرار تيارات رافضة... هي في الواقع يوما بعد يوم تصبح اقل رفضا اذا استثنينا الحالة الخاصة لتنظيم "القاعدة".
والحل واضح: دولة مستقلة في الضفة والقطاع عاصمتها القدس الشرقية.

... بهذا المعنى: "حماس" سالمت ولم تستسلم، وأكاد أقول اسلمت (من سلام) بالتحاقها بالارادة السلمية العامة للفلسطينيين والعرب!
لكن لا فائدة إذا بقي الرفض "غريزيا" لمشروع السلام الفلسطيني داخل الطبقة الجوفية في بنية المجتمع الاسرائيلي...

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف