أخيرا التقى الأعداء في بغداد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عبد الرحمن الراشد
على مدى ثلاث سنوات أصرت الحكومة الأميركية بعناد على نبذ الاتصال بالخصوم في منطقة الشرق الأوسط، من مبدأ أن في الاتصال اعترافا بدورهم، ومكافأة لهم على أفعالهم المعادية.
وفي بغداد، وليست في أي عاصمة أخرى، أخيرا قبلت الولايات المتحدة وجلست رسميا مع العدوين، ثم لاحقا في تركيا تجلس زيرة خارجيتها مع وزيري خارجية إيران وسورية، في خطوة مهمة وان جاءت متأخرة بعض الشيء. وربما يحق للأميركيين تحميل الحكومتين جزءا من مسؤولية مأساة عشرات الآلاف من العراقيين الذين قتلوا عبر الدعم، أو السماح للجماعات الإرهابية بالعبور إلى الأراضي العراقية. وطالما أن الاميركيين يعلمون جيدا أن أكثر من خمسة آلاف إرهابي دخلوا العراق، ونفذوا عمليات انتحارية نجحت في زعزعة الأمن، والى حد كبير في إفشال الحكومة المركزية العراقية وإيصال الأمور إلى حافة الحرب الأهلية تقريبا، فان المنطق كان يقتضي الحديث مع إيران وسورية، إن كان لهما يد في ما يحدث. والصحيح انه قد لا توجد حاجة إلى الجلوس مع الإيرانيين والسوريين في حالتين، واحدة لو أن الاميركيين نجحوا في العراق وهزموا الإرهاب، أو الحالة الثانية وهي لو أنهم يملكون القدرة على ردع الدولتين.
الأكيد أن واشنطن فشلت في مواجهة الإرهاب في العراق، وفشلت في منعه، وعجزت عن التأثير على الحكومتين الإيرانية والسورية.
والامتناع عن التفاوض مع الخصوم منطق أعوج وراء مقاطعة الحكومة الاميركية إلى مقاطعة الحكومة الفلسطينية بعد فوز حماس في الانتخابات، على اعتبارها منظمة معادية، ولأنها لا تعترف بما تريد الولايات المتحدة منها الاعتراف به، الأمر الذي أدى إلى المزيد من التدهور لا إلى التراضي أو الخنوع. ولو كانت العلاقات الدولية دائما حكرا على الأصدقاء لما بات هناك مبرر لفتح سفارات ومنح دور لوزارات الخارجية. العكس هو الصحيح. ففي الأزمات تحتاج إلى اكبر قدر من التواصل مع الخصوم على أمل العثور على فرصة لإصلاح ما فسد، أو العثور على مشروع حل، أو اكتشاف نقاط اتفاق مجهولة، بل وأكثر من ذلك تبادل المعلومات الصحيحة التي قد تصل مشوهة عبر قنوات غير مباشرة بين الخصوم.
إذا كان لإيران وسورية إصبع في فوضى العراق ودماره، وهو أمر تلمحان إليه في الآونة الأخيرة بالحديث عن استعدادهما للتعاون لفرض الأمن، فان مؤتمر بغداد قد يفتح طريق التعاون وثمنه. وأقول ثمنه لأننا ندرك أن في منطقتنا سوقا كبيرة للمساومة السياسية أدواتها الحروب والإرهاب، وتفتعل أزمات من اجل الوصول إلى أهداف أخرى لا علاقة لها بما يحدث أمام أعيننا. إن استطاع السوريون والإيرانيون التعاون من اجل إحلال السلام في العراق وإنهاء الفوضى ووقف الإرهاب فان ذلك سيكون منعطفا كبيرا لحل ما تبقى من قضايا أخرى عالقة. وان لم يفعلوا فإننا نسير في منحدر لا يمكن الصعود منه لاحقا. فالاميركيون وصلوا إلى قناعة أن فشلهم في العراق سيدفع ثمنه آخرون لا الاميركون والعراقيون وحدهم ولن يخرجوا الا بتوسيع دائرة الأزمة.