الرياض تتقدم نحو «المركز»
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
طلال سلمان
بالاضطرار أكثر ممّا بالرغبة، تتقدم المملكة العربية السعودية نحو أن تكون "المركز" العربي، عملياً، و"المركز" الإسلامي، معنوياً.
صارت الرياض "محطة إجبارية" للعلاقات العربية ـ العربية، وللعلاقات الدولية مع العرب، وبشكل أساسي للعلاقات الأميركية ـ العربية.
تضافرت ظروف كثيرة مساعدة على "إلزام" مملكة الحذر والاعتماد الدائم على البقاء في الظل بينما الآخرون يتنافسون وقد يتناكفون على تصدّر الصورة بالتقدم إلى الصف الأول وتحمّل مسؤولية "استقبال" المشكلات والأزمات الحادة التي تعصف باستقرار المنطقة وتهدّد كياناتها السياسية ومكوّنات وحداتها الوطنية.
يمكن القول إن "الدور" فرض نفسه على هذه المملكة التي اعتمدت، طوال تاريخها، دبلوماسية الغرف المغلقة والكلمات الدالة وإن كانت مقتضبة، وتحاشي سياسة الخطابات ذات الرنين الحماسي والتصريحات ذات الدوي.
لقد جاءت "الأزمات"، عربية وإسلامية إليها، في ظل غياب "المركز" الذي شغلته لحقبة طويلة القاهرة، بقيادتها السياسية وبالجامعة العربية فيها، ثم توزعته دمشق وبغداد وإلى حد الجزائر وطرابلس الليبية في فترة معينة، مع حفظ حق معنوي لقاهرة حسني مبارك في أي مشروع للحل.
منذ أواخر الثمانينيات، ومحطة "الطائف" اللبنانية، "أُجبرت" السعودية على أن تتصدّر واجهة الاتفاقات التي توقف الاشتباكات العربية ـ العربية.
ثم كانت الحرب الدولية ضد غزو صدام حسين الكويت محطة فاصلة، إذ لم يكن أمام السعودية من خيار، فارتضت أن تكون "المركز" والمنطلق للهجوم الذي أعاد "الدولة" إلى الإمارة التي اختفت لفترة، وفتح الباب للحرب الأخرى التي ستشنها الإدارة الأميركية على العراق بعد 12 عاماً، بذرائع ثبت كذبها ولكنها أفادت في إضفاء "الطابع الدولي" على "الاحتلال" الذي لم يتورّع "قائده" جورج بوش عن وصفه بـ"الحرب الصليبية"!
في العام ,2002 وفي بيروت تحديداً، أطلقت المملكة وبلسان ولي العهد آنذاك والملك حالياً عبد الله بن عبد العزيز، ما بات يُعرف بـ"مبادرة السلام العربية"، والتي يمكن العثور على "مسودتها" الأولى في مشروع أخيه الراحل الملك فهد في ما سمي "فاس الأولى" التي أسقطت في نسختها التمهيدية وتمّ تعديلها في "فاس ـ 2" لكي تعتمد ـ عربياً ـ كصيغة مستجدة لمعالجة القضية الفلسطينية بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان وإخراج منظمة التحرير الفلسطينية منه إلى "الشتات"، مجدداً، في المنافي البعيدة: تونس، صنعاء، عدن، الرباط، إضافة إلى دمشق المختلفة في علاقتها بالقضية وموقفها من المنظمة عن الآخرين.
وها هي الإدارة الأميركية "تغري" مملكة الحذر بأن تظهر لها، وبلسان إسرائيلي فصيح، القبول المبدئي للنظر في هذه "المبادرة" واعتمادها كمنطلق للبحث الجدي في مستقبل الصراع الذي بات الآن إسرائيلياً ـ فلسطينياً وصار سائر العرب "شهوداً" على وضع مشروع خاتمته المفترضة.
ولم تكن مصادفة أن تتصدى المملكة، بتأثيرها المعنوي، لكي تجمع الفلسطينيين المقتتلين تحت الاحتلال الإسرائيلي في مكة المكرمة، لكي يعقدوا اتفاق وقف الاشتباك كمدخل للتفاهم على حكومة لا تنفرد حماس بتشكيلها ولكن بشرط أن تقترب أكثر من مشروعات الحل المطروحة والتي تشكل "مبادرة بيروت" حدها الأقصى.
وكان اللقاء مع طهران ضرورياً لتوفير الزخم المطلوب لهذا "الاتفاق".
ثم اتسع الباب لدور أكثر علانية في الأزمة اللبنانية، وهو الذي يراهن عليه اللبنانيون الآن كمدخل لتسوية سياسية تنقذهم من خطر الاقتتال المذهبي الذي يغذيه وينفخ في ناره الاحتلال الأميركي للعراق والذي يجهد لأن يزوِّر طبيعة المشكلة فيحيلها إلى الخلاف المذهبي التاريخي بدل أن تظل بصورتها الأصلية: خطر تمزق الكيان السياسي ووحدة الشعب العراقي تحت ضغط الاحتلال وكنتيجة مباشرة له.
... وها هو مسعود البرزاني في الرياض، التي سبق لها أن استضافت ولو تحت لافتة "المؤتمر الإسلامي" مجاميع من رجال الدين العراقيين، سنة وشيعة، في مكة، قبل شهور قليلة.
... كذلك فإن السعودية لم تكن بقادرة على رفض المشاركة في مؤتمر بغداد، يوم السبت الماضي، الذي يرى فيه كثير من المراقبين محطة على طريق طويلة نحو مخرج للاحتلال الأميركي قبل أن يجهز على العراق، وقبل أن يتسبّب في تعميم مناخ الفتنة بين السنة والشيعة على امتداد العالم الإسلامي، وليس فقط في المحيط العربي.
في كل هذه المحطات كانت الضرورة تجمع إلى الرياض طهران، فتسعيان إلى توسيع دائرة الحوار المرشح، لأن يصير تعاوناً وتكاتفاً لمناهضة الفتنة بتعميق المصالح المشتركة، وهي كثيرة وعظيمة التأثير... وهو جهد لا تعترض عليه واشنطن جدياً، خصوصاً إذا ما انعكس عليها بشكل مساعدة توفر لها "مخرجاً" من أزمتها العراقية التي باتت مشكلة جدية للإدارة الأميركية داخل بلادها ثم في علاقتها مع العرب خصوصاً، وفي العالم الإسلامي عموماً، بل وحتى على النطاق الدولي على اتساعه.
لقد صار مطار الرياض "محطة إجبارية" لكل الموفدين الدوليين الآتين إلى المنطقة العربية، سواء أكانوا قادمين وراء مصالح بلادهم، وهي مؤثرة جداً، أو قادمين بحثاً عن علاقات أكثر استقراراً مع "المركز" العربي ومداه الحيوي.
فضلاً عن أن الرياض باتت مرشحة لإنتاج مشاريع حلول للعديد من الأزمات العربية التي لا يخاف أطرافها من "أطماع" المملكة في التصدي لدور القيادة... وإن كانوا يرحبون بها في دور "المرجعية" و"الجسر الموصل" إلى الآخرين، سواء أكانوا قريبين جداً إلى حد الاحتراق بنار الخلاف، أو بعيدين عن العين وعن التأثير... وبالتالي متروكين للريح الإسرائيلية أو للعواصف الأميركية التي يصعب ضبط مواعيد هبوبها على هذه الأرض التي تبدو ـ في بعض اللحظات ـ وكأنها غدت مشاعاً بلا صاحب، يتوزعها الأقوياء، بالتراتب ذاته: الأميركي ثم الإسرائيلي ثم أي ثالث قادر على فرض مشاركته بقدرته على التخريب أو بحيوية وجوده من أجل "الحل الذي يرضي جميع الأطراف"!
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف