مؤتمر بغداد... ومؤشرات التحول في سياسة بوش
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الخميس 15 مارس 2007
جون هيوز
"ربما يكون هذا المؤتمر خطوة كاسرة لسطح الجليد"... هكذا يصف الدبلوماسيون في واشنطن مؤتمر المحادثات الإقليمية الذي عقد في العاصمة العراقية بغداد نهاية الأسبوع الماضي، والذي جمع بين الدبلوماسيين الأميركيين ونظرائهم الإيرانيين، وتبادلوا فيه التحايا لأول مرة بعد عدة عقود من الجفاء والقطيعة. وعلى رغم عدم وجود أية علاقات دبلوماسية رسمية بين البلدين لعدة سنوات، فإنه كثيراً ما تم تبادل الرسائل عبر القنوات الخاصة السرية بين الجانبين. وقد أثمر بعض تلك الرسائل عن نتائج إيجابية، بينما باء بعضها الآخر بالفشل. غير أن جلسة "مؤتمر بغداد" المشار إليه آنفاً، كانت هي المرة الأولى على امتداد عدة سنوات، التي يلتقي فيها دبلوماسيون أميركيون وإيرانيون علناً وفي إطار رسمي، على رغم ذلك اللقاء قد تم على أساس إقليمي.
والأمل معقود الآن على أن يتبع "مؤتمر بغداد" هذا، الذي شاركت فيه ست عشرة دولة في المناقشات المتعلقة ببسط الأمن والاستقرار في العراق، اجتماع آخر للدول نفسها، ولكن بمستوى تمثيل دبلوماسي أعلى يشمل وزراء خارجياتها. وفيما لو عقد ذلك اللقاء، فستجد وزيرة الخارجية الأميركية، "كوندوليزا رايس"، نفسها وهي جالسة في مواجهة نظيرها الإيراني، على طاولة واحدة. غير أن هناك من "المحافظين" في إدارة بوش، من يرفض فكرة التفاوض الجاد مع إيران، ريثما تتخلى هذه الأخيرة عن برامجها النووية، التي يعتقد الكثيرون أنها لم تصمم إلا لتزويد طهران بقنبلتها النووية. ولكن هناك من "الجمهوريين" من أوصى بضرورة الانخراط في التفاوض والحوار الجاد مع إيران، على نحو ما أوصى به وزير الخارجية السابق جيمس بيكر في تقرير لجنته الخاصة بـ"دراسة العراق". وكان من رأي "بيكر"، أن إحدى مزايا الحوار المباشر مع طهران، أنه يوفر فرصة للتخفيف من حدة التوتر المتصاعد بين الدولتين.
غير أنه سيكون وهماً ما بعده وهْم، فيما لو توقع المرء أن واشنطن وطهران، قد أضحتا على استعداد للانخراط في حوار استراتيجي جوهري فيما بينهما في الوقت الحالي. كما أنه لم تتضح أية مباشرة عامة بعد، على استعداد طهران لتجميد برامجها النووية، على غرار ما يفترض أن تفعله كوريا الشمالية، بعد مفاوضات طويلة مضنية معها، تضمنت التهديد والوعيد، والمحفزات الاقتصادية.
لكن وعلى رغم ذلك، فلا تزال هناك احتمالات لأن تبدي طهران استعداداً للمشاركة ببعض الإجراءات التي من شأنها بسط الأمن والاستقرار في العراق، بما يعجّل برحيل القوات الأميركية منه. هذا ولا يخفى سعي إيران للاستئثار بقدر أكبر من النفوذ السياسي على منطقة الشرق الأوسط. ويتضمن ذلك فيما يتضمن، تمديد نفوذها في العراق. وربما كان في استقرار العراق، متبوعاً برحيل القوات الأميركية منه، ما ينسجم والخطط والطموحات الإقليمية الإيرانية، أكثر من عراق ممزق وفاقد للأمن والاستقرار بفعل اندلاع نيران الحرب الأهلية. وعلى سبيل المثال، فقد شعرت طهران بضرورة التعاون مع الولايات المتحدة الأميركية، في الإطاحة بحكومة "طالبان" الأفغانية، على إثر هجمات 11/9، وهي الهجمات التي تم تدبيرها وانطلاق عملياتها من معسكرات تنظيم "القاعدة" في أفغانستان. وكان دافع طهران وراء ذلك التعاون مع خصمها الأميركي، خوفها من أن يعم عدم الاستقرار حدودها الشرقية. ولذلك فقد سارعت إلى إنشاء التحالفات بين "لوردات" الحرب الذين تؤازرهم في أفغانستان، والقوات الأميركية الغازية.
كما لعب الإيرانيون دوراً كذلك، في دعم الحكومة الأفغانية المناهضة لـ"طالبان". وكان الطرف الوسيط في هذه العملية، الأخضر الإبراهيمي، وزير الخارجية الجزائري السابق، الذي حقق نجاحاً باهراً في قيادة أكثر من مهمة سلام دولية، في أنحاء مختلفة من العالم، نيابة عن الأمم المتحدة. وفي لقاء صحفي أجرته معه مؤخراً صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" أكد الإبراهيمي دوره في عقد عدة اجتماعات متعددة الأطراف في عامي 1998 و2001، شملت ممثلين أميركيين وإيرانيين على حد سواء. لذلك وفيما لو كانت هناك أية آفاق أو احتمالات لعقد محادثات أميركية- إيرانية جدية، تهدف إلى تخفيف حدة التوتر بين الطرفين، فإن هناك من المتغيرات السياسية في كلتا الدولتين، ما يحفز محادثات كهذه.
فلابد أن يكون إرسال واشنطن لحاملتين إضافيتين من حاملات طائراتها الحربية إلى مياه الخليج العربي، قد لفت أنظار النظام الحاكم في طهران. وعلى رغم مسارعة الناطقين باسم الإدارة الأميركية، إلى نفي أن تكون واشنطن بصدد التخطيط لتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران، فإن صبر بوش بدا أكثر نفاداً وضيقاً مما يسميه اليد الإيرانية المخرّبة في العراق، بما في ذلك توفير الأسلحة التي تفتك بالجنود الأميركيين هناك. وما أن أعلن الرئيس بوش عزمه على التصدي لهذا السلوك الإيراني، حتى ترددت في أركان طهران، أصداء تلك الضربات الجوية الأميركية التي وجهت إلى بغداد، في عراق صدام حسين.
على أن طهران نفسها، شهدت مؤخراً انحساراً ملحوظاً في تأييد الشباب وفئات العاطلين عن العمل، لسياسات الرئيس محمود أحمدي نجاد المثيرة للخلاف والجدل في أوساط المجتمع الإيراني. وتتهم هذه الفئات نجاد بأنه شغل نفسه بالتطاحن والعراك غير المثمر مع كل من واشنطن وتل أبيب، بينما أهمل واجب وفائه بوعوده الانتخابية التي قطعها على نفسه أمام ناخبيه، لاسيما وعده بتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للفئات المستضعفة والفقيرة من الإيرانيين. ومن التطورات الداخلية المهمة في الساحة الإيرانية، ما نقلته الصحف البريطانية والإسرائيلية، عن انشقاق الجنرال علي رضا عسكري، الذي يعد أحد أعضاء النخبة العسكرية للحرس "الثوري"، ومساعد وزير الدفاع السابق، وهروبه إلى الولايات المتحدة الأميركية. وبحكم موقعه وأهميته، فإنه يتوقع له أن يمد وكالات الاستخبارات الغربية، بمعلومات لا غنى عنها عن خفايا البرنامج النووي الإيراني. وبين هذا وذاك، شهدت واشنطن نفسها تحولاً في سياساتها واستراتيجيتها، من نهج الأحادية المُفرطة، إلى نهج الجماعية والعمل المشترك مع أفراد الأسرة الدولية، في حل المعضلات والأزمات التي تواجهها.
مساعد وزير الخارجية الأميركية في إدارة الرئيس ريجان.