جريدة الجرائد

أخفض هامتي لأمهات العراق!...

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الخميس 15 مارس 2007

ليلى أحمد

صور تمزق قلبي، كلما طالعت صحف الصباح، المرأة الأم العراقية التي كانت ومازالت أولى ضحايا لعبة الساسة الاغبياء.
كانت ترتدي عباءة سوداء، انعكاسات الشمس وتعبها جعلت لون العباءة المهترئة خضراء كلون.. التعب، تلف رأسها المحتشم بـ "فوطة" وهو الحجاب الشعبي بالعراق، ثيابها داكنة اللون بنكهة الحزن السرمدي الذي لا ينتهي، فضفاضة تتيح لها سهولة الحركة، ترتدي نعلا، طالما اخذها للبحث عن وليدها... قدمان مشققتان بعمق الوادي ما بين دجلة والفرات.
وجه غاضب تلطم وجهها الباكي امام جثمان ضناها المسجى في تابوت خشبي يحمل في برواز أنيق... اسمه وتاريخ ميلاده.. ومقتله...


مشهد/ نهار - خارجي
وجه لأم باك فوق سن الاربعين، تبدو مع تعاريج العذاب كمن بلغت الستين... تبكي امام كاميرات الفضائيات، وتشير لسقوط سقف بيتها على رؤوس اطفالها الاربعة النائمين، حين كانت في السوق لتشتري طعامهم.
وجه امرأة عجوز، لا ينتهي تقاطيعها ازمنة من الحزن الذي لا ينتهي، تجلس بكبرياء جبل فوق كومة صخر... وتنظر للبعيد... البعيد، تبدو كأنها الزمن، ترى بنظراتها الغارقة في المرارة والعناد هذا التاريخ الذي حول العراق المعاصر إلى مجزرة من الدم. كأنها التاريخ... ترى عصافير قلبها من الاحفاد وهم يقصفون رؤوسهم بموت مجاني... وتقتل شباباً رهنت الامهات عمرا... ليستقيم عودهم.


مشهد/ مساء- داخلي
هي رحم الارض، لا تفهم ما يدور بوطنها من توحش مستشر... تنتظر في بيتها البدائي "خط" رسالة تأتيها من ابنه مغتربة... تجلس امام "جولة" سوداء كالفحم فوقه ابريق شاي لا لون له غير السواد... تنظر للنار التي تضرم حولها، ولا تدري ان كان هناك فجر سيأتي ام انه بعيد المنال...
أم العراق الممتد عبر خريطة الكون الشاسعة العمق والاتساع، حفيدة حمورابي اول مشرع قانوني في التاريخ... نخلة الارياف والصحارى والوديان والاهوار والمدن، والتي حملت في دمها ورحمها اسرار بناء حضارة آشور وبابل... وثقت بالدنيا، فمنحت الحياة اطفالا لعمار الارض بالحب والنبت والسلام... وهي لا تحصد سوى قصف رؤوس أحبتها ولا تأخذ سوى نهارات مليئة... بالجثث... والدم.


عبر الأسلاك
بصوت منكسر غارق في الحزن يهاتفها ابنها أو ابنتها من غربة قهرية... يتلهف بالسؤال: اشلونك "يوم"... تدليعا لكلمة أمي..
حنين الطفولة يسكبه عبر صوته، يعود معها لذاكرته الطفلة، للخبز الذي عجنته واخرجته من فرن حار... واطعمته بيدها... ليسألها عن الكبة الموصلية، ومرق البامية... نسي كل العقاب الذي ناله منها ذات نهار، ليبقى ذلك الدفء العامر الموصول بحبل سري إلى قلبها... ومهما طالت قامة العراقي وعلا منصبه وكبر عمره فهو لايخجل من البكاء بين يدي... يمامته/ أمه.
ضحية دائمة
لم تهدر مشاعر امرأة كما حدث ويحدث مع المرأة العراقية، لم تهدر كرامة امرأة كما صار معها، ساقها قدر السياسة الصدامية ليجعل منها "ماجدة"، ثم يأخذ شباب عمرها من زوج وأولاد باتجاه المقابر الجماعية... ليدفنهم بعد رصاصة في الرأس.
وكأن قدر الأم العراقية أن تكون قطعة خشب تحترق بنار افعال الاختلافات والخلافات ولتكون ضحية دم يراق كل يوم على ارض الحضارة التي... كانت...
إذا ما رفعت صرخة الاحتجاج لذبح ضناها!!.. وجدت التوابيت الخشبية الجاهزة للمزيد من الجثث الحبيبة.
ترفع رأسها الموجوع اليتيم نحو الاعلى، وتطلق صرخة موصولة بالعذاب به لتسمعها لرب... السماء.. لم تسلم امرأة من جرح في قلبها... ربة البيت الطيبة و المرأة العاملة والطالبة الجامعية والجدة الحنون ذات حكايات الليل لتنويم صغارها. رجال اغبياء قاموا بتدميرها في حياتها اليومية جعلوا قلبها جحيما لا تنطفئ ناره.


هي بدء التكوين
أطالع الصحف... أتابع الفضائيات، شاشاتها مغسولة بالعنف، أم انجبت عظماء التاريخ يوم كانت البصرة وبغداد مدينة المدائن لكل أوجه الحضارة والثقافة والفنون. صنعت بحنان يديها رجالا ونساء وسجلوا اضاءاتهم للتاريخ الانساني.. هي التي اطلقت شرارة البدء، بدء التكوين الحضاري على هذه البقعة التي تشرب الدم مع نهار كل يوم.. لتكن اول المعذبات على الارض...
لا تنهزمي أنا معك
أحني هامتي يا... "يوم" لأرفع إنحناءه الجسد المنهوك، ولأسند رقة عظامك، فلا يليق بك الا الشموخ والكبرياء، انت هي التاريخ المسجى والصامت والذي يحاولون -عبثا - حشره في توابيت الموت. وقومي معي يا أمي... لندين هذه المذابح التي بلا معنى.. ومتى كانت لمذبحة رجالنا واطفالنا اي... معنى!!
قومي فالزمن تدفق مستمر من المذابح منذ نهار كربلاء من الماضي سافرا نفوذه إلى الحاضر، ومن الحاضر إلى عتمة... المستقبل.
استندي عليّ يا رائحة بخور الامهات لك ذراعي القوية بالجنان... قومي لتعلي يا... يوم!...

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف