«حوافز» سولانا لإعادة سورية إلى الإجماع العربي... وإبعادها عن إيران
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
فوجئ بعدم اهتمام دمشق بالشراكة ولاحظ أولوية الأمن وعلمانية الدولة... والجولان ...
دمشق - إبراهيم حميدي
إذا كانت الحرب الأخيرة بين "حزب الله" وإسرائيل في الصيف الماضي، فتحت شقوقاً في جدار العزلة الذي حاولت أميركا وأوروبا تشييده حول سورية منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، فان زيارة المنسق الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا الى دمشق قبل أيام كانت بمثابة فتح الباب واسعاً في الطريق الاوروبية - السورية مشروطاً بـ "تطوير السلوك".
وكان الاتحاد الأوروبي أجرى بعد حرب تموز (يوليو) في السنة الماضية، مراجعة لسياسته، أسفرت عن كسر للسياسة العملية التي كانت قائمة على عزل دمشق. فطرق أبواب سورية وزراء خارجية: إسبانيا ميغيل انخيل موراتينوس وألمانيا فرانك - فالتر شتاينماير وهولندا روبرت بوت وبلجيكا كارل دو غيرت، إضافة الى الزيارة غير العلنية لنايغل شاينولد مستشار الشؤون الخارجية لرئيس الوزراء البريطاني توني بلير في نهاية تشرين الأول (اكتوبر) الماضي.
وتراوحت "الرسائل" الأوروبية بين قول موراتينوس ان "سورية جزء من الحل وليست المشكلة" في آب (أغسطس) الماضي وإعراب الهولندي عن "التقدير" لدور دمشق في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وبين خروج شتاينماير بـ "رسائل قاسية" الى العلن في نهاية السنة قبل ان يكشف البلجيكي دو غيرت قبل أسبوعين، عن عمق الفجوة بين موقفه والموقف السوري. وإزاء تناقض"الرسائل الأوروبية"، خصص عشاء رسمي لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل لبحث احتمال إيفاد سولانا الى دمشق. وبحسب المعلومات المتوافرة لـ "الحياة"، فان وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست - بلازي قال في هذا الاجتماع ان الوضع في لبنان لا يزال خطراً، وأن ثمة شرخاً في مجتمعه وفي النظام السياسي، وأن "التسوية باتت ضرورية لتصحيح النظام السياسي، وإقرار المحكمة ذات الطابع الدولي، على أساس ان لا يكون هناك خاسرون ورابحون"، داعياً الى إرسال رسالة واضحة الى سورية، بتأكيد المحكمة وما يريده اللبنانيون من وحدة وحكومة وحدة قادرة على العمل الى نهاية ولايتها بموجب الانتخابات السابقة.
هذا التحول في الموقف الفرنسي الذي يعتبر بمثابة "الإفراج" عن العلاقات السورية - الأوروبية، ليس معروفاً ما إذا كان تكتيكياً يستهدف تقوية المناقشة الفرنسية المعارضة لسورية والساعية الى إقرار المحكمة بأي شكل من الآن وحتى خروج الرئيس جاك شيراك من قصر الاليزيه في 22 نيسان (ابريل) المقبل، أم هو جوهري باعتبار أن شيراك يريد تهيئة الملفات الى خلفه في الرئاسة الفرنسية.
في المقابل، قالت مفوضة الشؤون الخارجية بنيتا فيرير والدنر ان موضوع المحكمة يجب أن تحله حكومة الوحدة الوطنية اللبنانية، وربما يكون الحل ليس كما توقعنا، ذلك أن الأولوية لحل الأزمة السياسية. ان مؤتمر الدول المانحة في باريس - 3 كان ناجحاً، لكن، لن يكون هناك إصلاح سياسي واقتصادي من دون تنازلات وتسوية. وبعدما أشارت الى الأفكار السعودية - الإيرانية لحل الأزمة، أكدت انها "اللحظة المناسبة" كي يذهب ممثل أوروبي كبير الى سورية.
بعدها تداول الوزراء الأوروبيون في شأن إيفاد سولانا الى دمشق، حيث شغل موضوع إنشاء المحكمة حيزاً كبيراً من النقاش. وبحسب المعلومات فان الوزراء اجمعوا على انه "لا يمكن ان نتخلى عن المحكمة، لكن يمكن ان تكون هناك مرونة حول نظامها الأساسي. ان اللبنانيين يبحثون في تعديل نظام المحكمة، ويمكن ان نساهم في ذلك"، وان المحكمة تعرقلت بسبب الأزمة الدستورية. ما جعل الاتفاق على المحكمة أمراً مستحيلاً، والحل الوحيد في سلة متكاملة. لكن "المفتاح ليس في بيروت بل في دمشق".
وكان واضحاً في الاجتماع ان الوزراء الأوروبيين لم يكونوا يتوقعون "تنازلات من سورية، ذلك أن السوريين يعتقدون انهم ربحوا الحرب في لبنان وان الآخرين يجب ان يقدموا تنازلات"، وجرى التوافق على ان يقوم سولانا بإبلاغ سورية رسالة واضحة، مفادها: "يجب قبول المحكمة، أو على الأقل قبول جدول زمني لحل المشاكل" وان يطلب المسؤول الأوروبي وضع هذه المسألة على جدول أعمال القمة العربية المقررة في الرياض في نهاية الشهر الجاري. وفق هذه الخلفية، قام سولانا بجولته التي شملت بيروت والرياض ودمشق، حيث التقى في سورية الرئيس بشار الأسد ونائبه فاروق الشرع والوزير المعلم، قبل ان يقدم إيجازاً الى السفراء الأوروبيين، ويبلغهم أن زيارته الى دمشق "لم تكن تستهدف تحقيق اختراق، بل استئناف الاتصالات وتقديم موقف أوروبي موحد".
وكان لافتاً ان المحادثات شملت لقاء مع الأسد لمدة 50 دقيقة، جرى فيه بحث تفصيلي للعلاقات السورية - الأوروبية وتوقعات كل طرف من الآخر ثنائياً وفي الشرق الأوسط. وفي مقابل اعتقاد سولانا بأن "أوروبا لم تعزل سورية، بل سورية عزلت نفسها عن العالم والعائلة العربية"، فان الجانب السوري عبر عن خيبة كبيرة إزاء الدور الأوروبي ومدى ارتباطه بأميركا، بينما كانت دمشق تعول على دور مستقل موضوعي ويدعم الإصلاحات في سورية.
أما تفاصيل "السلوك" الذي يتوقعه سولانا كي "تعود دمشق الى الإجماع العربي"، فتتناول "أولاً، لبنان. إن لبنان بلد مهم يمر بصعوبات سياسية في الوقت الحالي، ولا بد من دعم الاستقرار وتنفيذ القرارات الدولية ولعب دور إيجابي فيه" في ما يتعلق بتطبيق القرار الرقم 1701 وضبط الحدود السورية - اللبنانية ودعم حكومة وحدة وطنية. ويتعلق الموضوع الثاني، بالضغط على "حماس" لاتخاذ مواقف براغماتية لتسهيل تحرك المسار الفلسطيني. وفي هذا السياق، كان لافتاً ان سولانا تحدث للمرة الأولى عن خطوط 4 حزيران (يونيو) 1967 كحد أخير لاسترجاع الجولان السوري، لكن في الوقت نفسه رأى ان الأولوية الآن هي للمسار الفلسطيني، على ان يجرى الحديث لاحقاً عن المسار السوري.
ويتعلق الموضوع الثالث، بـ"الاستمرار في تطوير السلوك" إزاء العراق و "ترجمة الأقوال الى أفعال" في ما يتعلق بضبط الحدود ودعم العملية السياسية، مع ملاحظة تطورات إيجابية على خط دمشق - بغداد والمشاركة في المؤتمرات الإقليمية المخصصة لتحقيق الأمن فيه. كما عرض سولانا تقديم دعم مالي لسورية بسبب استضافتها نحو مليون لاجئ عراقي.
ونقلت مصادر ديبلوماسية أوروبية لـ "الحياة" عن سولانا قوله انه إذا أرادت سورية مكاناً في العائلة العربية، لا بد من ان تكون جزءاً من الإجماع العربي. لكن ما لم يقله سولانا بوضوح، هو ان أحد مفاتيح الحركة الأوروبية المدعومة أميركا، تجاه دمشق، هو السعي الىإ شرخ في العلاقات السورية - الإيرانية.
كان هذا أحد أهداف فرض العزلة على سورية قبل سنتين. لكن الذي حصل هو العكس، حيث تعمقت العلاقات السورية - الإيرانية وعلاقة هاتين الدولتين مع "حماس" و "الجهاد الإسلامي" و "حزب الله". وبدا واضحاً ان أحد أهداف الانخراط والبحث عن تسويات، هو إبعاد دمشق عن طهران. غير ان المصادر السورية تقول ان العلاقات السورية - الإيرانية "احسن من أي وقت مضى"، إذ وقع رئيس الوزراء السوري محمد ناجي عطري خلال زيارته الأخيرة 14 اتفاقاً مع الجانب الإيراني، بعد أيام على توقيع مذكرة للتعاون الدفاعي وتبادل زيارات رئاسية وتنسيق في الشؤون الإقليمية.
ماذا يعرض سولانا في المقابل؟ بحسب ما قال للسفراء الأوروبيين انه يعمل على "سلة حوافز" تتضمن حوافز اقتصادية وسياسية مثل توقيع الشراكة والتركيز على الجولان وتقديم مساعدات للاجئين العراقيين. لكن المفاجأة التي واجهها سولانا كانت ان بعض هذه "الحوافز" لم يعد مثيراً لاهتمام المسؤولين السوريين. وقالت مصادر سورية رفيعة المستوى لـ "الحياة" ان محادثات الأسد مع سولانا التي شلمت اجتماعاً مغلقاً "لم تتضمن أي تغيير" في مواقف دمشق إزاء لبنان، وقال مسؤول سوري: "نحن لا نقول إطلاقاً إننا ضد المحكمة ذات الطابع الدولي. هناك إجماع في لبنان على مبدأ قيام المحكمة واختلاف حول نظامها"، قبل ان ينفي عبور أي أسلحة عبر الحدود، مع تجديد التزام القرار 1701 واستعداد للاستمرار في الحوار حول هذا الموضوع.
ونقلت المصادر عن الأسد قوله: "لا نتعامل مع أوروبا وأميركا إلا من خلال مصالحنا. وعندما تتقاطع المصالح يكون التعاون تاماً"، بل ان المسؤول الأوروبي الذي تجنب عدم إثارة موضوع حقوق الإنسان والملف الداخلي، سمع من السوريين ان بلادهم "لم تعد مهتمة بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي وأن ثقتها به تتراجع" وان الأولوية الآن للحفاظ على الأمن وعلمانية الدولة، ذلك ان الجانب السوري يعتقد بأن الإصلاحات الاقتصادية تجاوزت الشروط المطلوبة في اتفاق الشراكة، ما يعني أن "الحافز" المطلوب سورياً هو "اثمن" من المعروض أوروبياً.
وبحسب المصادر السورية، فان ما تتوقعه دمشق هو جهود لاستعادة الجولان المحتل وضمانات بعدم استخدام لبنان أو المحكمة كمنصة للسعي الى هز الاستقرار السوري.