جريدة الجرائد

أحمدي نجاد صدام الثاني

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


أحمد الجار الله


الظروف, وليس التاريخ, تعيد نفسها, لكن هذه المرة في إيران. فما نراه الآن قائما بين هذا البلد المحتقن بالأيديولوجيات والشعارات وبين المجتمع الدولي, سبق ورأيناه سائدا بين عراق صدام حسين المحتقن بالأيديولوجيا والشعارات الخرافية, وبين المجتمع الدولي ذاته.ويبدو أن كل ما يتأسس على الشمولية والاستبداد لا بد له من انتهاج السلوكيات ذاتها وإن اختلف اللون الأيديولوجي من لون قومي إلى لون ديني إلهي.

إيران الآن تذكرنا بعراق صدام حسين قبل ان يضرب سنة 2003 . المجتمع الدولي استنفد كل أغراضه مع النظام الاستبدادي الصدامي فلجأ الى خيار القوة, وها هو المجتمع الدولي يكاد يستنفد كل محاولاته السلمية مع النظام الاستبدادي الإيراني ويكاد يلجأ معه الى خيار القوة.

في السابق القريب كنا نرى مماحكات صدام حسين مع القوى الكبرى, ومحاولاته كسب الوقت معها, والهروب من استحقاقاتها. وها نحن اليوم نرى مماحكات النظام الإيراني ونسمع صوت رئيسه أحمدي نجاد يهدد ويتوعد, ويدعي قوة لا يملكها, ويلوح بعواقب لا تقل هولا عن نيران جهنم... في السابق القريب رأينا كيف انتهت نظرية السفاهة والعلوج الى اجتياح العراق في خمسة أيام وسقوط نظام صدام, وهذه الايام يبدو أننا سنشهد سقوط نظرية التحدي وتداعي النظام الثيوقراطي في طهران فوق بعضه البعض, وحجرا فوق حجر.

في السابق القريب كان يمكن لإيران ان تبني سياسة جديدة عندما خدمها الحظ الأميركي في إسقاط نظام طالبان المعادي لها في الشرق, وإسقاط نظام صدام حسين المعادي لها في الغرب, دون ان تبذل اي جهود من قبلها لاسقاط هذين العدوين. لكن إيران بدل أن تنتهج هذه السياسة الواقعية المطلوبة اعتبرت ان أميركا والقوات المتحالفة معها قد وقعت في الفخ العراقي, فبدأت تشن عليها الحملات العسكرية, وتجند لضربها المليشيات المذهبية وفرق الموت, وتعلن عليها حربا تتصور أنها ستؤدي الى طردها من العراق, وعودة هذا البلد ثانية الى أحضانها, من باب تحصيل الحاصل, وإملاء الفراغ وبلوغ الحلم الصفوي المذهبي ذروة طموحاته.. ولا ننسى هنا ان النظام السوري الملحق بالنظام الإيراني قد اتخذ ذات النهج إنما لمآرب يظن بعدها أنه سيضمن بقاءه واستمراريته, ويضمن له أدواره الاقليمية في لبنان وفي فلسطين.

نفس السيناريو ونفس الدور الذي تم تنفيذه في العراق قبيل سقوط صدام يجري تنفيذه الان في طهران, وعلى يد أحمدي نجاد الذي يتحدى المجتمع الدولي بالاستمرار في تنفيذ البرنامج النووي" حتى لو استدعيتم أسلافكم من جهنم". لقد اعتقد صدام حسين في لحظة جنون ان بامكانه تمزيق صفوف الدول الكبرى فآثر مواجهتها وفشل, وها هي إيران تقوم بذات المحاولة فيتضح لها أن روسيا لن تنجر معها الى مواجهة مع أميركا وأن الصين لن تفضل الوقوف معها الى جانب مصالحها الكبرى مع أميركا والمقدرة ببلايين الدولارات. روسيا تبين لطهران ان مصالحها مع الكبار, وكذلك الصين, فلا داعي للذهاب بعيدا"خلف الوهم والاحلام, والتصور ان بامكانها قسمة الكبار على خلفية مصالح لا تشكل فيها إلا جناح بعوضة, او سيقان نملة.

تبقى أمامنا استعراضات النظام السوري, وامتناعه هو الاخر عن التلاؤم مع رغبات المجتمع الدولي استجابة لطبيعته الاستبدادية.. فهذا النظام لم يعد كما في السابق حاضرا في الاهتمام الدولي, ومعترفا له بلعب الادوار. لقد تحول ملحقا في معية النظام الإيراني ويستمد معنوياته من عنتريات نجاد وكلامه الملتهب بل وأصبح ريشة في ذيل الديك الإيراني الذي اذا ما قطعت رأسه ذات يوم ستتحول هذه الريشة جزءا ميتا من جسد ميت.

ان من يلهبون الاوضاع النفسية في إيران ضد أميركا ودول الغرب هم الذين سيساعدونها على الدخول كما ساعدت القوى المثيلة في العراق على سقوط بغداد في خمسة أيام, مع فارق ان إيران ستضرب من البحر والجو وليس عبر اجتياحات برية. أما القول بأن إيران ستهاجم جيوش المعتدين في العراق, وفي أفغانستان, فهو نوع من أحلام اليقظة لن تتحقق ولن ترى النور.

إننا الان نرى الجماهير المحتشدة في طهران, ونسمع حناجرها الصارخة بالشعارات العدائية, ونعتبر ان هذه الظاهرة من تعبيرات القوة الكامنة, لكننا بغياب الصورة في الجانب المقابل بامكاننا, لو رأيناها, أن نعيد الحساب, وأن تعيد إيران معنا الحساب ايضا, ففي المشهد المقابل تكمن القوة بكل تجلياتها بينما الاحتشاد والصراخ والتحريض على روح الهتاف فما هي الا من مظاهر الخواء, التي لا تصمد حتى في مواجهة الريح.

لا نريد أن تلقى إيران مصير عراق صدام حسين, ونرى أن من حقنا أن نحلم بلحظة وعي تعيد للنظام الإيراني عقلانيته, وتضعه في روح المسؤولية, وتشعره بأنه ليس حرا في ثقب مكانه على متن السفينة التي يبحر فيها الجميع.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف