الديمقراطيون وإعادة إنتاج الليبرالية الجديدة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ديفيد بروكس
في الخامس والعشرين من يوليو 1981 كتب "مايكل كنسلي" مقالا في مجلة"نيو ريبابليك" الذائعة الصيت يحمل عنوان (عار الديمقراطيين). في ذلك المقال كتب "كنسلي" الشاب آنذاك يقول:"إن الحزب الديمقراطي أصبح ينظر إليه بقدر متزايد من اللامبالاة"، لأن هذا الحزب كما كتب يقول آنذاك أصبح يدار
"بواسطة طائفة من المحامين المحترفين الذين لا يوجد لديهم أي التزام بأي قيمة معينة من قيم العمل السياسي"، وهو ما يرجع لأن الحزب"قد أصبح ممتلئاً بطائفة من السياسيين الذين لا يتورعون عن عمل أو قول أي شيء مقابل كل كلمة أو كل دولار دعم".. وأضاف "إن الحزب قد أصبح يضم مجموعة من جماعات الضغط التي تبحث عن مصالحها الخاصة في حين يتقلص اهتمامها بالناس العاديين والفقراء والمراهقين". وانتهى "كنسلي" في مقالته إلى خلاصة فحواها:"إن الحزب الديمقراطي لم يسقط سياسياً فقط وإنما معنويا ًأيضاً".
كان ذلك المقال إيذانا ببزوغ عهد النيو-ليبرالية (الليبرالية الجديدة)، وهي حركة يمكن القول إنها قد ساهمت- جزئياً على الأقل- في إعادة صياغة الحزب "الديمقراطي" وإعادة تعريف الصحافة الأميركية، ولازالت حية حتى يومنا هذا. في الأيام المبكرة من الحركة الجديدة التف "الليبراليون الجدد" حول مجلات مثل"نيوريبابليك" و"الواشنطن مونثلي"، وأدخلوا نوعاً من التغيير في نبرة الخطاب الثقافي. وفي حين كان "الليبراليون" القدامى يتصفون بالجدية والاستقامة الأخلاقية(هكذا كانوا ينظرون إلى أنفسهم)، فإن "الليبراليون الجدد" كانوا يتسمون بالحيوية الزائدة وبالقدرة على النقد اللاذع.. وفي حين كان "الليبراليون" القدامي يقدرون قيمة التضامن، فإن "الليبراليون الجدد" كانوا يحبون الانخراط في جدل لا ينتهي، يستعرضون فيه القدرات اللغوية التي اكتسبوها من خلال جلسات الحوار التي كانوا يعقدونها في قاعات الطعام في حرم جامعة "هارفارد" إبان سني الدراسة. وفيما يتعلق بالأمور السياسية، كان "الليبراليون الجدد" ليبراليون حقاً، ولكن ليسوا ليبراليون أكثر مما ينبغي.. فقد كانوا يرفضون المناورات السياسية لجماعات الضغط، كما كانوا يتشككون في الاتحادات التي تعاني حسب رأيهم من حالة من حالات الموت الدماغي. وكانوا ينزعون لأن يكونوا "صقوراً" في السياسية الخارجية، وإيجابيين تجاه الرأسمالية، وإصلاحيين عندما يتعلق الأمر بدولة الرفاه، ومهذبين دمثي الأخلاق وليسوا هجوميين عندما يتعلق الأمر بـالحركة النسوية وغيرها من الموضوعات الاجتماعية.
وأفرزت حركة "الليبرالية الجديدة" سياسيين مثل "بول تسونجاس"، وآل جور(نسخة الثمانينيات والتسعينيات) وبيل كلينتون، كما أنها حددت النغمة التي تعزفها صحافة التيار العمومي الأميركية. ويمكن القول دون أدنى مبالغة إنه لا يمكن لأي أحد أن يلوح اليوم بفأس في أي قاعة أخبار في أي جريدة من الجرائد الأميركية الكبرى دون أن يصيب ستة أشخاص على الأقل من الذين كانوا يعملون في" نيوريبابليك" و"الواشنطن مانثلي". ليس هذا فحسب بل إننا نجد أن العديد من المؤسسات العاملة في مجال الأخبار- تأثراً في ذلك بالحساسية الجديدة لليبراليين الجدد- قد تحولت إلى مؤسسات متبنية لأفكار الليبرالية الجديدة سواء عن وعي أو من دون وعي.
و"الليبراليون الجدد" في غالبية الأحيان يتسمون بمظهر من الشباب الدائم على الرغم من أن الكثيرين منهم في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من أعمارهم الآن. غير أنه يمكن القول إن هناك جيلاً جديداً من البلوجرز( المدونين على الانترنت) قد قام بحركة مضادة لتلك الحركة. فإذا ما قام المرء منا بالإبحار على شبكة الإنترنت اليوم، فإنه سيجد أن هناك الآلاف من المدونين الذين يشنون الحرب على ما يكتبه "جو كلاين" كاتب العمود في مجلة "التايم".
أحد هؤلاء المدونين ويدعى "كيفين درام" وهو على ما يبدو أكبر سناً من باقي رفاقه من المدونين يقول إن الفرق بين ما يطالب به المدونين وما يكتبه الصحفيون الذين يفترض أنهم ينتمون إلى "الليبرالية الجديدة" يرجع إلى الفجوة بين الأجيال.
فذهنية "كلاين"- كما يقول- قد تشكلت في حقبة السبعينيات والثمانينيات في حين أنه هو مثله في ذلك مثل معظم المدونين من ذوي الميول "اليسارية" قد بدءوا الاهتمام بالسياسة في عقد التسعينيات. و"درام" ورهطه من المدونين لا يريدون حركة "ليبرالية" جديدة تلزم جانب الاعتدال وتنحو نحو الإصلاح، وإنما يريدون حركة وحزباً ديمقراطياً مقاتلاً، كما يريدون أن يقرءوا مقالات تعبر عن غضبهم. وهؤلاء المدونون أكثر ميلاً نحو "اليسار" من معظم المنتمين لحركة "الليبراليين الجدد" مدفوعين في ذلك بحرب العراق على الصعيد السياسي وبجمود معدل الأجور على الصعيد الاقتصادي.
خلال السنوات القليلة المنصرمة حاولت مجلة "نيوريبابليك" الإبقاء على شعلة حركة الليبرالية الجديدة حية بواسطة محررين مثل "بيتر بينارت" على سبيل المثال لا الحصر، غير أن المشكلة هي أنه لم يعد هناك قراء لمثل هذا النمط من المقالات التي يكتبها هذا. وقد أعلن مالك المجلة "مارتي بيرتز" أن المجلة سوف تصدر كل أسبوعين، وأن ذلك يأتي استجابة لمطالب المدونين. ويحتوى العدد الجديد الذي لم يصدر بعد على العديد من الموضوعات المشوقة منها موضوع رائع عن "باراك أوباما" غير أنه يلاحظ أن اتجاه المجلة في شكلها الجديد ينحو لأن يكون أكثر "يسارية". ورئيس التحرير الجديد "فرانك فويار" يؤكد بدوره على هذه النقطة بقوله إن هناك فعلاً فجوة أجيال في المجلة وإن الصحفيون الجدد أكثر "يسارية"- وإن ذلك تحديداً هو الاتجاه المستقبلي للمجلة- خصوصاً بعد أن لوحظ أن المقالات الافتتاحية الأخيرة لها قد تناولت موضوعات مثل زيادة الضرائب لتمويل مشروعات العناية الصحية، وأنها لم تكف عن توجيه دعوات منتظمة لـ"الديمقراطيين" لاتخاذ خطوات جريئة بصدد الكثير من الأمور منها على سبيل المثال لا الحصر حرب العراق والإحماء الحراري- وإن كانت لا تزال مشوشة بشأن الاتجاه الذي يجب اتخاذه في هذا الشأن. وعلى ما يبدو- وكما تشير كافة الظواهر- أن حركة "الليبراليون الجدد" سوف تشهد فترة جيدة ومثيرة للاهتمام طالما ظلت محتفظة بقدرتها على الاستمرار.