جريدة الجرائد

جنوبيون لبنانيون : حزب الله نَسينَا

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

جنوبيون بعد أشهر على وقف الحرب : حزب الله نقل معركته إلى بيروت و نسينا


بنت جبيل (جنوب لبنان)- منال أبو عبس

في تموز (يوليو) الماضي، كانت أم قاسم تضع الطعام على المائدة، عندما دخل شاب من المقاومة ليخبر العائلة بضرورة مغادرة البلدة. خبر اختطاف "حزب الله" أسيرين إسرائيليين كان هز للتو إسرائيل ولبنان معاً. والمعطيات الأولية كان تشير إلى رد فعل إسرائيلي عنيف. لم تول أم قاسم كلام الشاب اهتماماً يذكر. ولم تغادر العائلة بيتها في بنت جبيل.

في يوم واحد من أيام العدوان، خسرت الحاجة ابنين ومنزلاً، قالت آنذاك إنهما "فداء للسيد" (الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله). وبعد سبعة أشهر من الخسارة، دخل إلى قاموس أم قاسم كما غيرها من الجنوبيين أسئلة من نوع: هل كان ضرورياً أن يقوم الحزب بأسر الجنديين الإسرائيليين؟


حرب خارج القاموس

استجدت على العلاقة بين الجنوبيين و"حزب الله" أسئلة كثيرة في الآونة الأخيرة. لم تعد عبارات "فداء للسيد" تخرج تلقائياً من الأفواه كلما تطرق الحديث إلى خسائر الحرب. رواية حسن تصب في هذا الإطار. يقول إنه بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب عام 2000 كان الأهالي واثقين بأن إسرائيل لن تجرؤ على الدخول إلى المنطقة مجدداً، فـ "السيد وعدنا بأن لن تدمر بيوتنا ولن يقتل أبناؤنا". ويذكّر بأن المدينة شهدت نهضة عمرانية هائلة بعد التحرير. استثمر المغتربون أموالهم في مؤسسات تجارية وبنوا بيوتاً وقصوراً، مراهنين على حياة ستكون طبيعية. يقف حسن اليوم على ركام منزله في بلدة عيترون، ويقول: "فكرة الحرب كنا أخرجناها من قاموسنا. ثم فجأة... وقعت".

على مقربة من ركام منزل حسن، تنتشر خيم عدة. على إحداها كتبت جمعية "أطباء بلا حدود"، كلمة: مسجد، للتدليل على أن مسجداً كان يرتفع مكان الخيمة. في أكثر من بلدة حدودية أخرى، تنتشر خيم مماثلة تقطنها عائلات دمرت منازلها في الحرب. الأهالي قبضوا ما يسمونه تعويض "المأوى" من "حزب الله" (10 آلاف دولار أميركي بدل إيجار لمدة عام إضافة الى ثمن الأثاث) وما زالوا ينتظرون الحصول على التعويضات من الدولة عبر "مجلس الجنوب".

التقصير الحكومي الأخير عزز مكانة الحزب في قلوب الجنوبيين، وأظهر الدولة عاجزة ومقصرة في حق فئة من أبنائها. هنا يتفاقم شعور الأهالي بالإهمال، وتنهال الشتائم على المسؤولين من "خانة الأكثرية الوهمية"، كما تقول أم حسين، كلما تناول الحديث التعويضات على المتضررين.

في بنت جبيل تتكثف صور الدمار. ما زال الركام جاثماً على ساحة المدينة المغطاة بالركام والبقايا المحترقة. رئيس اتحاد بلديات بنت جبيل علي بزي يقول إن سبب تأجيل رفع الركام من المدينة، هو "الاتفاق على بناء بنت جبيل بالحجارة نفسها التي كانت مبنية منها. المدينة أثرية ويجب أن نحافظ على طابعها".

يشير بزي إلى أن "دولة قطر، ستتولى بناء البلدة بحجارة البيوت المدمرة نفسها، فلا تعطي الأموال للناس مباشرة". ويقطع حديثه ليجيب على هاتفه الذي يعزف نغمة: نصرك هز الدني (أغنية تشيد بنصر الله)، ثم يضيف أن "مئات السكان قبضوا من القطريين".

قبل أن ترتفع وتيرة صوته بالإجابة: "نحن لا نعرف دولة هنا. وقع العدوان وانتهى ولم نر أي واحد منهم هنا (الموالاة)، إلا (عضو كتلة الوفاء للمقاومة محمد) فنيش"، معدداً مزايا "حزب الله" الذي قدم "الإيواء وبدل الإيجار والمفروشات، ودفع أثمان السيارات التي احترقت".

من مبنى البلدية يسهل مشاهدة المكان حيث كانت تقطن الحاجة أم حسين قبل الحرب. الحاجة تسكن وعائلتها في منزل أحد الأقارب المغتربين. وتتحدث عن أن "شبان المقاومة، أولادنا، كانوا يؤمّنون لنا الماء والطعام خلال الحرب"، مشيدة بـ "فضل المقاومة التي حررت الجنوب والسيد رفع رأسنا بين العرب". وإن كان الحديث معها، يؤدي إلى إضافات تنم عن عتب شديد على الحزب: "اليوم لم نعد نراهم. يعني بعد الحرب نسونا وراحوا على بيروت. نسوا الجنوب وصاروا يبحثون عن وزارة". ثم ينتهي الحديث بعبارة: "كنا قاعدين ومرتاحين. لو تركوا مسألة الأسرى للتفاوض، هل كانت الحرب لتقع؟".

هذا ليس رأيها وحدها. في مكان آخر، يجلس الحاج بزي بلباسه العربي وكوفية تغطي رأسه داخل سيارة على الطريق العام، عارضاً بضاعة "أعطانا إياها التجار في بيروت بالدين حتى نؤمّن قوت يومنا". خسر الحاج الذي أمضى أيام الحرب الـ33 في بنت جبيل مع عائلته، منزلاً ومحلين "ببضاعتهما" في الحرب، وقبض "الإيواء"، لكنه لم يقبض أي فلس آخر. وهو اليوم يحمل على الموالاة والمعارضة على حد سواء. ويقول: "بعد الحرب لم يعد أحد منا سالماً. شفنا الموت وما عاد فينا نعيش اكثر بالمعاناة". ويؤكد أن التعويضات التي يوزعها الحزب على المتضررين غير متساوية، فـ "من كان على معرفة بأحد المسؤولين في حزب الله سيحصل على ثروة، أما الباقون فتعويضاتهم لا تعادل نصف خسائرهم، ولا صدى للاعتراضات".

المسؤول الإعلامي في "حزب الله" حسين رحال ينفي هذا الأمر، ويقول إن "المراجعات أدت في أحيان كثيرة إلى إثبات أحقية المتضررين بمبالغ تفوق ما قدر لهم في المرة الأولى. واللجان يمكن أن تخطئ، لكن كنا دائماً نصحح الخطأ". ويحمّل رحال الدولة مسؤولية التأخير والإهمال.

في جوار الحاج بزي، تكثر بسطات يبيع أصحابها الثياب والحلوى، ويقف علي الذي يبدو يائساً. يمضي علي نهاره تائهاً على الطرق، بعدما خسر محلاً لمعدات الصوت، ولم يعوّض عليه أحد. "الدولة لا تعرف أن هناك بلدة اسمها بنت جبيل عانت أكثر من غيرها خلال الحرب"، يقول.

ويضيف معبّراً عن حنقه على الموالاة والمعارضة: "لم يزرنا أحد منهم، ولا نثق بهم. بعض نواب المعارضة زارونا ثم اختفوا. لا أحد منهم يلتفت إلى مطالبنا. المعارضة والموالاة أسوأ من بعضهما".

قبض علي تعويضاً من "حزب الله" 400 دولار "هدية عن خسارة المحل"، ولا يعرف من سيعيد بناء المتاجر المهدمة، إلا انه يعرف أن "حتى الحزب صار له هموم أخرى غير الجنوب. صار مشغولاً في بيروت".

يقود الكلام مع علي إلى تفاصيل تصب في خانة العتب على "حزب الله". غير أن سؤالاً واحداً عما إذا يمكن ترجمة موقفه انقلاباً على الحزب لمصلحة "قوى 14 آذار"، يقلب الحوار رأساً على عقب. وتعود عبارة "فداء للسيد" لتؤكد قاعدة "أنا وأخي على ابن عمي. وأنا وابن عمي على الغريب".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف