جريدة الجرائد

تفاصيل أسود يوم في تاريخ مصر

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الأربعاء 21 مارس 2007

عادل صبري ـ الوفد

مرت التعديلات الدستورية بليل في مجلس الشعب كما الاشباح بعد جلسة طارئة حشد فيها الحزب الوطني نوابه حشراً. وبين رقصات أجادها نواب الوطني فوق المقاعد بعد أن عصبوا أجسادهم بأوشحة خضراء واحتجاجات للمعارضة التي اتشحت بالسواد تعالت أصوات تقول علي اجراءات التعديل: باطل.. باطل.. باطل. أحال الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب التعديلات الدستورية الي رئيس الجمهورية بعد أن رصدت أجهزة عد الحاضرين تصويت 315 نائباً بالموافقة علي تمرير التعديلات التي يراها الوفد عودة بالبلاد الي عصور الظلام

والدولة البوليسية وتؤكد المعارضة أنها ردة عن الهامش الديمقراطي المتاح. وكما عقدت جلسة التصويت النهائي علي التعديلات الدستورية فجأة مساء أمس الاول شهدت الجلسة مفاجآت أكثر عنفاً أخرجت البرلمان عن وقاره وأسفرت عن مهزلة بكل ما في الكلمة من معان.

قاد أحمد عز أمين التنظيم بالحزب الوطني مهمة جلب النواب الي قاعة المجلس بعد حجزهم في فندقي "شبرد" و"كونراد" علي مدار 3 أيام متحملاً تكلفة بلغت نحو 500 ألف جنيه. ودفع عز بالنواب عقب صلاة المغرب مانعاً العديد من نواب الوطني من الخروج من مجلس الشعب خاصة الذين أبدوا امتعاضهم من طول الجلسات التي عقد علي مدار يومين. وساد اعتقاد لدي بعضهم أن المجلس سيواصل المناقشات طبقاً للجدول المعتاد الذي كان مقرراً الانتهاء منه عصر أمس الثلاثاء.

اضطر عز الي إخطار النواب الحكوميين بأن التصويت سيبدأ في الجلسة الرابعة الطارئة مساء الاثنين بعد أن حجب تلك المعلومة علي مدار اليوم خوفاً من تسريبها لنواب المعارضة. بدأ الحشد بارسال رسائل "SMS" من "عز" الي نوابه وقرع أجراس البرلمان وتوجيه عربات من المجلس الي فندقي "شبرد" و"كونراد" دخل نواب الوطني قاعة المجلس في السابعة والربع مساء الاثنين حيث احتلوا مقاعد المعارضة والمستقلين الذين انشغلت أغلبيتهم باقامة "مأتم" أمام مسجد مجلس الشعب لتقبل العزاء من النواب وزوار المجلس اجتجاجاً علي تمرير تعديلات دستورية تنقص من الاشراف القضائي علي الانتخابات.

غرور القوة دفع نواب الوطني الي ارتداء وشاح أخضر كتب عليه "نعم للتعديلات الدستورية" مذيلاً بشعار الحزب الوطني. وقاد النائب عمر هريدي عضو لجنة صياغة التعديلات الدستورية تظاهرة الاوشحة الخضراء وبدأ في الطواف بين مقاعد النواب مزهواً ومتمايلاً بالوشاح وأدي ما يشبه رقصات الفرح أمام كاميرات المصورين ناسياً منصبه السابق كقاض ورجل قانون. وحرص علي الجلوس بجوار أحمد عز أمين التنظيم فجري عدة نواب من الوطني، خارج القاعة، فأحضروا كومة من الأوشحة، لتوزيعها علي النواب توجهت اثنتان منهما إلي الدكتور محمد الدكروري مستشار الرئيس منتج التعديلات، والدكتورة آمال عثمان مخرجة ومقررة المشروع، فوضعاها علي جانب أملا في استخدام أوشحة الوطني في مآرب أخري.

ظلت القاعة هادئة، والبسمة علي وجه الدكتور فتحي سرور رئيس المجلس، خلال ربع الساعة، حيث اطمأن إلي قدرته علي تمرير عملية التصويت بسرعة البرق، خوفا من أن ينتصف الليل، وتخرج التعديلات في الظلام وتضاف إلي قائمة مشروعات القوانين التي أخرجها بليل مثل قانون حبس الصحفيين عام ،1995 الذي وضعه في القوائم السوداء للصحافة المصرية. وعزم "سرور" علي انتزاع التصويت من ثلثي الأعضاء، مشيرا إلي أن الدستور يصوت علي جميع مواده مرة واحدة، ولا يمكن يجزئه مواده، مانحا فرصة للنائبين حسين إبراهيم "اخوان" وسعد عبود "الكرامة" فرصة التعبير عن أسباب رفضهم للتعديلات. وبعد رفض "سرور" السماح للنائبين تلاوة بيان باسم مجموعة المستقلين الذين قاطعوا جلسات مناقشة التعديلات، هجمت جحافل نواب الاخوان والمستقلين علي القاعة، فاسقط الأمر في يد "سرور"، فأصبح غير قادر علي منع النواب من الحضور، وعاجزا عن إدارة الجلسة علي هواة.

شهدت الجلسة تشاحنات بين نواب الوطني المحتلين لمقاعد المعارضة، واختلطت الأوشحة الخضراء بالسوداء التي يحلها نواب المقاطعة، وفجأة دبت معارك بالأيدي حيث حاول أحد قبضايا الحزب الوطني محيي القطان ازاحة نائب الاخوان عن مقعده.

دخل الدكتور زكريا عزمي الأمين العام لرئاسة الجمهورية علي خط المعركة، وبدأ في إدارة الكورس الوطني من الخلف، وأحمد عز من الوسط، وسرور فوق المنصة، يحرك الجلسة كما شاء، في وقت تشاحن فيه نواب الاخوان مع "سرور" مطالبين بحقهم في الكلام لإعلان رفضهم للتعديلات. احتقنت الجلسة وثار "سرور" وخرج علي هدوئه المعتاد، وقال لنواب الاخوان: "احنا مش في جامعة الأزهر"، فخرج محمد الكتاتني نائب الاخوان عن هدوئه وكاد يقفز فوق منصة رئيس المجلس طالبا الكلمة، بينما انشغل نواب الوطني بحمل أحدهما فوق الاعناق يتراقصون به استهزاء بالغير ووجه "سرور" أمانة المجلس بإجراء عمليات التصويت وسط الزخم والتشاحن الذي لم يحل بتدخل أحمد عز ووكيل المجلس عبدالعزيز مصطفي لانهائه.

وبينما تجري عمليات التصويت نداء بالاسم اثناء تعالي صياح النواب من الوطني والاخوان، لا يكاد المرء يسمع من حوله، اشرف المستشار سامي مهران أمين المجلس علي حصر الاسماء، معلما علي كل من في الوطني موافقا، ولم يوقفه سوي صراخ النائب الوطني محمد حسين، باطل.. باطل.. باطل.. مؤكدا رفضه للتعديلات. كما هزت القاعة صيحة النائب طاهر حزين- وطني- رافضا التعديلات، فقفز نواب المعارضة فرحا. بموقف نائبي الوطني وارتجت القاعة من التصفيق الحاد، وألهب الموقف نائب الاخوان محمد شاكر فقفز فوق مقعده، ليعلن رفضه للتعديلات.

وسار علي منواله نواب الوطني لإعلان تأييدهم، بينما تمني نواب المعارضة ان يتوقف منادي الجلسة قليلا عند اسمائهم لاثبات رفضهم للتعديلات. زاد نواب الوطني الموقف اشتعالا بغناء نشيد "بلادي.. بلادي" فصاح نواب الاخوان والمستقلين المدربين علي التظاهر "بلادي بلادي بلادي لك حبي وفؤادي".

ارتجت قاعة المجلس مع الصيحات مرة اخري وكادت قلوب نواب الوطني تقفز من صدورهم فزعا من البئر التي حفروها لانفسهم، وجرجرهم احد ملاك الحناجر إلي الصياح "بالروح.. بالدم.. نفديك يامبارك".

فقالت المعارضة "بالروح.. بالدم.. نفديك.. يامصر". بالروح.. بالدم.. نفديك يادستور".

أسقط الامر في يد رئيس المجلس وظهر الشحوب علي وجه احمد عز أمين التنظيم وظل الوجوم عالقا بوجوه نواب الوطني.. عدة دقائق، حتي أفاقوا علي كلمة فتحي سرور بموافقة 315 عضوا علي تمرير التعديلات الدستورية، وأنه سيخطر رئيس الجمهورية بقرار المجلس لاتخاذ الاجراءات بعرض التعديلات علي الشعب في استفتاء دستوري، وبينما فر نواب الوطني من الجلسة التاريخية، كما يفر المرء من الفأر الاجرب.

واصلت المعارضة اهازيجها معلنة رفضها لدستور يعود بالبلاد إلي الوراء وعهود الظلام. وقال محمود أباظة موجها تحذيره لنواب الوطني: أتمني أن تباركوا علي الحرية التي اهدرتها التعديلات الدستورية، واعادتنا إلي عصر الدولة البوليسية وزوار الفجر وأيام سوداء فتح نواب الوطني الطريق امامها لندخلها من اوسع ابوابها.

وأضاف: التعديلات جاءت بمواد فضيحة وتمثل إهانة لنظام وضعه شعب مصر عبر عقود طويلة من النضال وامتدت علي الحريات وحقوق الإنسان. واعترض النائب الوفدي محمد شردي علي تمرير التعديلات تحت جنح الظلام.

وأبدي النائب طارق سباق رفضه لسلق التعديلات، بينما أكد النائب صلاح الصايغ ان الجلسة كانت مهزلة. واكد محمود أباظة رئيس الوفد علي عدم انفراد الحكومة بوضع مشروع الموازنة العامة للدولة مطالبا مجلس الشعب بمشاركة الحكومة في تحديد اوجه الصرف للموازنة.

وشدد أباظة خلال مناقشة التعديلات الدستورية مساء أمس الاول علي دور البرلمان في تعديل الموازنة شرط تدبير الايرادات والنفقات للمشروعات التي يحددها النواب والتوصل إلي اتفاق بين الاغلبية في المجلس والحكومة علي الموازنة قبل صدورها في قانون خاص بها سنويا.

ويقترح المشروع الحكومي ان يكون لمجلس الشعب دور جوازي في تعديل النفقات الواردة بمشروع الموازنة واذا ترتب علي التعديل زيادة في النفقات وجب ان يتفق المجلس مع الحكومة علي تدبير مصادر للايرادات.

وطلب رئيس الوفد ان يكون لمجلس الشعب حق سحب الثقة من الحكومة مشددا في اقتراحه علي تعديل المادة 127 من الدستور علي عدم تعليق سحب الثقة بإجراء استفتاء.

وقال أباظة: في حالة تصويت اغلبية المجلس بعد استجواب الحكومة بسحب الثقة منها وجب علي الحكومة ان تقدم استقالتها فورا. وأوضح ان تعليق الاستقالة علي الاستفتاء يحدث انفصاما بين مجلس الشعب والحكومة، مشيرا إلي ان هذا الشرط لا يوجد له مثيل في العالم. وأكد اباظة ان الصياغة التي قدمتها الحكومة حول المادة 127 سيئة الصنعة، وغير قابلة للتطبيق وتشرع لدستور لا ينظر الي المستقبل.

ورفض الوفد تقديم الحكومة برنامجها للبرلمان خلال 60 يوما من تأليفها، مشيرا الي طول هذه المدة، وفي حالة، رفض البرنامج من البرلمان يعني فراغا تنفيذيا وتوقف حال الوزارات لمدة تصل الي 4 أشهر.

وأعلن أباظة أن التعديلات تقر مبدأ تداول السلطة بين الحكومات، التي تأتي ببرامج جاهزة، ووافق عليها الناخبون، مما يحتم عرض هذه البرامج خلال 15 يوما كحد أقصي للبرلمان. واعترض رئيس الوفد علي ربط استقالة الحكومة، في حالة رفض برنامجها من البرلمان للمرة الثانية بموافقة رئيس الجمهورية، بأن يحل المجلس أو يقبل استقالة الوزارة داعيا الي انه إذا لم تحصل الحكومة علي موافقة الأغلبية، كلف رئيس الجمهورية غيرها بتشكيل الحكومة.

وحذر رئيس الوفد من تعليق حق رئيس الجمهورية في حل مجلسي الشعب والشوري إلا بعد إجراء استفتاء عام. وأوضح محمود أباظة أن الاستفتاء ليس ضمانة للشعب، وانما هو سوط في يد الحاكم يحقق به ما يريد. وأضاف أن حل المجلس النيابي في النظم شبه الرئاسية حق لرئيس الجمهورية المنتخب انتخابا مباشرا علي برنامج سياسي معين من الشعب. وبيَّن أن حل البرلمان يكون طريقا للخروج من أزمة دستورية، حال استحالة العمل بين الرئيس والبرلمان ويكون الرجوع الي الشعب في انتخابات برلمانية جديدة، بديلا للحرب الأهلية.

واشترط أباظة ألا يكون حل المجلس مرتين لنفس السبب، ولا يتكرر الحل خلال عام من تاريخ قرار الحل.

وطالب محمود أباظة رئيس الوفد، في تعديلات المادة 138 من الدستور، بمنح رئيس الوزراء سلطات فعلية في تعيين الممثلين الدبلوماسيين وكبار الموظفين خاصة العسكريين، التي يقررها رئيس الجمهورية وتعرض علي البرلمان، مشيرا الي تحمل رئيس الوزراء المسئولية أمام مجلس الشعب عن أعمال هذه الشخصيات، وتعرضه لسحب الثقة جراء أعمالهم. واقترح الوفد أن يمارس رئيس الجمهورية الاختصاصات المنصوص عليها بالدستور في المواد 108 و143 و147 و،151 بعد العرض علي مجلس الوزراء. ويمارس الاختصاصات المنصوص عليها في المواد 144 و145 و146 و148 بعد موافقة مجلس الوزراء.

وأكد أباظة في تعديلات المادة 141 من الدستور علي حق رئيس الدولة في قبول استقالة رئيس الوزراء، دون أن يكون له حق إقالته، مشيرا الي ان حصول رئيس الوزراء علي ثقة البرلمان، تنشئ عقدا بينه وبين المجلس النائب عن الشعب، وهو بمثابة تقييد لحق الرئيس في إقالة رئيس الوزراء ولا يلغيه.

وأكد أن جمع رئيس الدولة بين حق حل المجلس والحكومة يفتح الباب أمام أزمة. واقترح رئيس الوفد أن يعين رئيس الجمهورية رئيس مجلس الوزراء ويقبل استقالته، ويعين الرئيس نواب رئيس مجلس الوزراء ونوابهم ويعفيهم من مناصبهم بناء علي اقتراح رئيس الوزراء. وأكد أباظة أن عدم منح الرئيس حق حل البرلمان والحكومة، يتفادي عيبا قاست منه الحياة السياسية خلال الفترة من 1923 ـ ،1954 حيث كان للملك هذا الحق، مما شكل خطرا علي الحياة السياسية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف