العراق برؤية متفائلة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
داوود الشريان
لعل من أهم التحليلات التي كتبت عن الازمة العراقية لجهة الشمولية والعمق مقال وزير الدفاع العراقي السابق علي علاوي الذي نشر في 15 كانون الثاني (يناير) الماضي في صحيفة "الاندبندنت" البريطانية، بعنوان "للمرة الاولى خطة للسلام في العراق"، واعتبر فيه الدولة العراقية التي تشكلت في أعقاب الحرب العالمية الأولى قد انتهت، وان ولادة الدولة التي اعقبتها ستطلق العنان لقوى الفوضى في المنطقة التي كانت تتجمع وتتكاثر على مدى العقود السابقة، واشار الى انه "كان من المفترض ان يكون إسقاط الديكتاتورية واستبدالها بديموقراطية علمانية ليبرالية تحت "الرعاية الكريمة للولايات المتحدة" أمراً هيناً وعملية غير معقدة"، لكن "الرعاية الكريمة" تحولت إلى "معركة وجود للهوية والسلطة والشرعية التي أثرت وستؤثر ليس على العراق فحسب وإنما على مجمل نظام الدولة والسلطة لدول منطقة الشرق الاوسط كافة"، ثم تحدث عن التحديات الاساسية ومخاطرها وهي "قلب الموازين لصالح الشيعة، واعطاء الأكراد شرعية اقامة اقليم مستقل تمهيداً لإقامة الدولة الكردية، والإعداد الضعيف لإدخال القيم الديموقراطية، وأخيراً تأكيد نفوذ ايران الاقليمي"، ووضَعَ حلاً للأزمة العراقية من أربع نقاط هي:
"ان الحل يجب ان يكون داخلياً ثم اقليمياً ونجاح احدهما سيقود الى نجاح الآخر، وثانياً، الاعتراف بالقوى التي انطلقت بعد الغزو واستيعابها وخص الشيعة والاكراد، وثالثاً، اقتناع العرب السنّة ان خسارتهم للسلطة لن تؤدي الى تهميشهم او التمييز ضدهم. ورابعاً، اعتراف الدول المحيطة بالتهديد الذي شكله العراق الجديد وادخاله في أي اتفاق دائم للعراق"، وخلص الى أن المحصلة النهائية للغزو ستفضي الى ثلاث نتائج مترابطة: النتيجة الاولى قيام دولة عراقية غير مركزية مع سلطات لإدارة الأقاليم الجديدة بصلاحيات واسعة، والثانية هي "ابرام معاهدة لإنشاء اتحاد كونفيديرالي أو تجمع اقليمي لدول الشرق الاوسط يضم في البداية العراق وسورية ولبنان والأردن"، وهدف الاتحاد "ابرام عدد من الاتفاقيات وتكوين هيئات لضمان حقوق الاقليات والطوائف، ولا ادري لماذا وضع الاردن في البداية على رغم ان الاردن اول من حذر من الهلال الشيعي! اما النتيجة الثالثة للغزو، والتي لا غنى عنها، بحسب تعبيره، فهي ابرام "اتفاق امني اقليمي يجمع بلدان الشرق الاوسط العربية مع ايران وتركيا لحل القضايا الامنية الرئيسية التي تؤثر على المنطقة".
قد نتفق أو نختلف مع علي علاوي في الخلاصات والحلول والنتائج التي توصل اليها، لكننا بالتأكيد نختلف مع تحليله الذي وضعه في صدر المقال وبنى عليه رؤية للأزمة العراقية فهو كتب ان "ما نشهده في العراق هو بداية لانهيار النظام الجائر وغير المستقر الذي تم تشكيله من حطام الامبراطورية العثمانية. وقد صمد لمدة ما يقارب 100 سنة بفعل خليط من الاحتلال الأجنبي والتدخل الخارجي وديكتاتورية متوحشة وحكم الأقلية. في الوقت نفسه، فشل هذا النظام بشكل واضح في توفير الإحساس الدائم بشرعية سلطته، ومشاركة المواطنين في الحكم، وتوفير الشيء اليسير من الرفاهية والمستوى اللائق للمعيشة لمواطنيه".
لا شك في ان علي علاوي تجنى على الموضوعية في هذا التحليل، فالنظام العربي الذي نشأ على حطام الدولة العثمانية يشترك في بعض الخصائص والسمات، لكن يصعب وضعه في سلة سياسية واحدة، فالحديث عن غياب الاستقرار والشرعية، والمشاركة السياسية وتوفير المعيشة اللائقة للمواطنين، أمور تسقط عند النظر الى دولة مثل السعودية التي حققت اهم وحدة في تاريخ العرب الحديث، وقامت على شرعية تحظى بإجماع بين السعوديين، فضلاً عن انها استطاعت خلال سبعة عقود بناء دولة حديثة وصل فيها معدل دخل الفرد الى 18 ألف دولار سنوياً، وهي على مشارف القضاء على الأمية، وصنعت تنمية اقتصادية جبارة ساهمت ولا تزال في حماية الاستقرار في المنطقة، وتشهد اليوم نقلة في حرية التعبير وتطوير البنية السياسية من خلال اشراك المواطنين في المجالس المحلية ومجلس الشورى، وصنعت لنفسها مكانة سياسية واقتصادية على المستوى الدولي، وتلعب اليوم دوراً سياسياً مهماً لحماية المنطقة من الحروب والفوضى. وفي الكويت تجري تجربة ديموقراطية حقيقية بدأت ارهاصاتها منذ العشرينات من القرن الماضي، وتجاوزت في نتائجها جميع التجارب من المغرب حتى العراق، ناهيك عن التنمية الاقتصادية والعلمية. ولعل علاوي يتذكر ان الكويتيين تمسكوا بشرعية الاسرة الحاكمة في الكويت إبان الغزو العراقي، ما يعني انهم لا يعانون ازمة في الشرعية، وغير معنيين ببقية الاوصاف التي حفل بها تحليله، وما ينطبق على السعودية والكويت يصل الى دولة الامارات التي تشهد تطوراً في الحكم والتنمية والادارة، والأمر ذاته يشمل سلطنة عمان، فهذه الدول جزء من النظام العربي لكنها لم تمر بمرحلة الانقلابات العسكرية وحكم الاقلية والقمع الذي عانى منه علاوي وابناء جيله في العراق وبعض الدول "الثورية"!
يبقى ان علي علاوي قلل في مقاله من أهمية وخطورة خسارة السنة العرب للسلطة في العراق، فاقتراحه لإيجاد آلية تمكن العرب السنّة من المراقبة والضبط وتصحيح اجراءات التمييز ضدهم حل يؤدي عملياً الى تحويلهم الى اقلية مهمشة في بلد نشأ وعاش تحت حكم السنّة منذ زمن الخليفة الأموي معاوية بن ابي سفيان، فضلاً عن أن التعامل مع السنّة بهذا المنطق يشير الى ان علاوي لا يختلف كثيراً عن أولئك الذين يريدون ان يُحكم العراق بمنطق طائفي، ويقرون مبدأ معاقبة العرب السنة على اخطاء حقبة حكم حزب البعث.