جريدة الجرائد

انبعاث خَطِر للنزعة القومية المفرطة في تركيا

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك


التلويح براية أتاتورك

الايكونوميست - تقرير خاص

جالسا في مكتب مكتظ بالأعلام العثمانية المثلثة وصور أتاتورك والعلم التركي، يقول المحامي التركي كمال كيرينشيز ان مهمته في الحياة هي حماية الأمة التركية من "الإمبريالية الغربية وقوى العولمة التي تريد تفكيكنا وتدميرنا". وفي السنتين الماضيتين، رفع السيد كيرينشيز ونقابة الحقوقيين الأتراك التي ينتمي اليها عددا من القضايا ضد مفكرين أتراك، استناداً إلى المادة 301 من قانون العقوبات، والتي تجعل من "إهانة النزعة التركية" جريمة جنائية.

قصَر السيد كيرنشيز عقيدته القومية على المحاكم. أما في أمكنة أخرى، فقد أقسمت بعض المجموعات الوطنية المتشددة الجديدة بقيادة ضباط جيش متقاعدين على السلاح ونسخ من القرآن على جعل الأتراك "سادة العالم"، بل وحتى "أن يموتوا وأن يمارسوا القتل" خلال العملية. وفي شهر كانون الثاني - يناير الماضي، تم إطلاق النار على أحد أهداف السيد كيرنشيز، وهو محرر صحيفة تركي ارمني يدعى هرانت ديك من قبل الفتى اوغن ساماست البالغ من العمر سبعة عشر عاماً، وقتل الصحافي لأنه كان "أهان الاتراك".

كانت تلك الجريمة التي وقعت في وضح النهار في احد شوارع استانبول التي تعج بالحركة والنشاط بمثابة تجسيد مرعب لإعادة انبعاث نزعة رهاب الأجانب القومية، والموجهة ضد الاقليات غير المسلمة والأكراد في تركيا -بالاضافة الى المدافعين عنهم من النخبة الليبرالية.

ويهدد هذا الانبعاث بتقويض انجازات اربع سنوات من الاصلاحات التي نفذتها الحكومة الاسلامية باعتدال بقيادة رجب طيب اردوغان. وهي تأتي في جزء منها في الحقيقة كرد فعل على هذه الاصلاحات التي اشتملت على منح المزيد من الحرية للاكراد، وتقليم صلاحيات الجيش وتقديم تنازلات حول قبرص، إلى درجة أثارت الشجون القومية. وقد أفضت معرفة أن العديد من اعضاء الاتحاد الاوروبي لا يريدون لتركيا ان تنضم بسبب هذه المشاعر إلى تأجيج هذه المشاعر نفسها، حيث كان الاتحاد الاوروبي قد علق جزئيا في كانون الاول - ديسمبر الماضي المباحثات الخاصة بعضوية تركيا فية لرفضها فتح موانئها ومجالها الجوي امام القبارصة اليونانيين.

ثمة عامل آخر دعم هذه النزعة، وهو رفض اميركا التحرك ضد رجال حرب العصابات التابعين لحزب العمال الكردستاني (البي كيه كيه) الانفصالي، والذين يتخذون من شمالي العراق قاعدة لهم. ويقول عبد الله غول وزير الخارجية التركي إن كونغرس الولايات المتحدة إذا ما نفذ تعهده بتبني قرار يصف فيه القتل الجماعي للأرمن العثمانيين في عام 1915 بانه مجزرة، فان علاقات تركيا مع حليفتها ستمنى "بضرر مستديم".

أما مورات بيلج، وهو مفكر يساري يتعرض للمضايقات المستمرة من السيد كيرينشيز، فيرى نقاط تشابه مزعجة بين النزعة القومية العنصرية التي كان يتبناها "الشباب الاتراك" في ايام افول الامبراطورية العثمانية (التي قضت بالقتل الجماعي لرعايا الإمبراطورية من الارمن) وبين عقلية الحصار السائدة في تركيا اليوم. والشعور المتصاعد الآن، كما كان حينذاك، هو ان القوى الغربية تضغط من اجل احداث تغييرات لتمكين المتعاونين معهم من المحليين (اي الاكراد وغير المسلمين) في إنجاز هدف تفكيك البلاد. ويقول السيد بيلج "ان هذا النمط الاجتماعي الدارويني الذي ينطوي على اقرار قتل اعدائك من أجل أن تعيش" لا يزال يتعزز من خلال نظام تعليم يقول للاتراك الشباب بانهم "ليس لديهم اي صديق آخر غير الأتراك". ولا يزال ذلك المنطق يستغل، وعلى نحو يدعو إلى السخرية، من جهة الساسة والجنرالات على حد سواء.

لم يبرهن السيد اردوغان ودينيز بايكال زعيم حزب الشعب الجمهوري على أنهما يشكلان استثناءً. فعندما تجمع اكثر من 100.000 تركي في جنازة السيد دنيك هاتين وهم يهتفون "كلنا أرمن"، علق السيد اردوغان بأنهم قد "تمادوا". وكان هو والسيد بايكال قد قاوما كل الدعوات لالغاء المادة 301 بالرغم من وجود تلميحات بانها ستعدل.

في الأثناء، يبدو الساسة وهم يحرصون على خطب ود الاصوات القومية في السباق لانتخابات تشرين الثاني- نوفمبر البرلمانية. ويأمل السيد اردوغان ايضا في تلميع صدقيته القومية لضمان الحصول على مباركة الجنرالات الاتراك الصقور في دعم آماله لخلافة العلماني المتشدد احمد نجدت سيزار في رئاسة الدولية في أيار-مايو المقبل.

ومع ذلك، فإن سورة الغضب التي انتابت رئيس الاركان العامة للجيش التركي يسار بويوكانيت مؤخراً توحي بعكس ذلك. حيث أعلن ان تركيا تواجه المزيد من التهديدات لامنها القومي اكثر من اي وقت سابق في التاريخ الحديث، وأضاف أن "قواها الديناميكية" فقط، (الجيش على سبيل المثال) هي التي تستطيع ان تفشل الجهود المبذولة "لتقسيم البلد". وقد نظر الى هذه العبارات التي تفوه بها بويوكانيت وعلى نطاق واسع على أنها تحذير مباشر للسيد أردوغان كي يضع طموحاته إلى الرئاسة على الرف.

ولا يستبعد اخرون في الغضون احتمال حدوث صدام بين عناصر قومية داخل الجيش وضباط متقاعدين ينظمون مجموعات متشددة جديدة (ويقال ان واحدة منها تدرب الشباب الوطنيين في ترابزون التي ينحدر منها قتلة دنيك المزعومون). وتقول بلما اكورا، وهي محققة صحافية افضى بها كتابها الاخير عن القوات الامنية المارقة تحت عنوان "حالة عميقة" الى صدور حكم بسجنها ثلاثة اشهر، إن "الهدف الفعلي هو نثر بذور الفوضى وإلى صنع استقطابات في المجتمع حتى يستعيد هؤلاء الأرضيةالتي فقدوها مع إصلاحات الاتحاد الأوروبي". وتضيف إنه لن يكون من المفاجئ انهدفهم التالي تصفية شخصية قومية.

في الأثناء، يتعرض كتاب مرموقون واكاديميون، بمن فيهم السيد بيلج، إلى سيل من التهديدات بالقتل، ويحظى بعضهم بحماية الشرطة. أما السيد أورهان ياموك، الفائز بجائزة نوبل والذي قاضاه السيد كيرينشيز بسبب تعليقاته الخاصة بملاحقة الارمن والاكراد، فقد هرب إلى نيويورك.

ولكن، إلى أين ستذهب الأمور من هنا؟ قامت إحدى المحاكم مؤخراً بحظر الدخول الى موقع YouTube بعد ظهور أفلام "كليب" على الموقع تصف اتاتورك بانه شاذ. كما حكمت محكمة اخرى على سياسي تركي بالسجن ستة أشهر لإسباغه على زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله اوغلان لقب "سيد" التشريفي. وفي الغضون، قامت محطة تلفزة خاصة ايضا بوقف عرض مسلسل شعبي يدعى "وادي الذئاب"، الذي يمجد الوطنيين الذين يقهرون اعداءهم الاكراد بالسلاح بعد ان انهمرت الدعوات على المحطة لإلغاء البرنامج. لكن المعركة من أجل الروح التركية لم تنته بعد.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف