«مكّة لبنانية» في الرياض لا تزال خياراً ممكناً قبل القمة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
اللبنانيون تقدموا خطوة إلى الأمام: إما باتجاه السلم الأهلي وإما التفريط به
جورج علم
تقدم اللبنانيون أمس خطوة الى الامام، البعض يقول باتجاه الحل إذا ما أخذوا بسياسة اليد التي أبقاها الرئيس نبيه بري ممدودة، فيما البعض الآخر يراه باتجاه الفوضى لأن بعضا من الذين نزلوا الى مجلس النواب مطالبين بفتح الابواب، وتفعيل دور المؤسسة التشريعيّة، إنما "تعمّدوا الحق ليراد منه الباطل"، على قاعدة أن الحوار لو كان ممكنا ومضمونا داخل المجلس، لكان قد أبلى البلاء الحسن حول الطاولة المستديرة، لكن عندما تعذر ذلك على مستوى عدد محدود من القادة ورؤساء الكتل، فإن التعذر والاعتذار يصبحان هما القاعدة، "وما يصحّ هنا على الجماعة يصحّ على مجموع النواب؟!".
المسلّم به بعد "سوق العكاظ" النيابي الطويل أمس، ان الأبواب لا تزال مفتوحة، لكن على ماذا؟، وفي أي اتجاه، فهنا المسألة؟.
الظاهر من الأكمة ـ وفق المقاربات المسطّحة ـ أن رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط قصد ساحة النجمة يوم أمس ليردّ على الرئيس بشار الاسد، ويفسد بعض الومضات الايجابية التي وردت في حديثه "السعودي ـ اللبناني ـ العربي" الى صحيفة "الجزيرة"، خصوصا عندما أعاد مبادرة الحوار الى المربع الاول، رافضا تعديل نظام المحكمة إلاّ من بعض الملاحظات الشكليّة، ورافضا صيغة الـ19 + 11 لحكومة الوحدة الوطنيّة.
أما المضمر فيبدأ من السقف الدولي حيث لا يزال "الفيتو" الاميركي ساري المفعول في وجه أي حل، ودائما على قاعدة: لماذا يجب على واشنطن ان تعطي إيران وسوريا في لبنان، وفي هذا الظرف تحديدا؟، ومقابل ماذا؟ في الوقت الذي لم يسفر فيه المؤتمر الدولي حول العراق عن أي معطى إيجابي يشير الى استعداد سوري واستعداد إيراني جدييّن في السير قدما على هدى الاستراتيجية الاميركيّة الجديدة التي أطلقها الرئيس جورج بوش، فيما الجهود لا تزال ناشطة على قدم وساق كي تعود وزيرة الخارجية كونداليسا رايس الى واشنطن بعد المؤتمر الثاني المقرر على مستوى وزراء الخارجية في العاشر من نيسان المقبل، ومعها ما يمكن تسويقه أو الاعتماد عليه لبناء الخطوات التنفيذيّة لهذه الاستراتيجيّة؟. ولماذا على واشنطن أن تمتثل لصيغة لا غالب ولا مغلوب في لبنان، قبل القمة العربية في الرياض، وقبل أن تصل رايس الى المنطقة من جديد يوم السبت المقبل، وتنتهي من رسم ما هو مطلوب من هذه القمة، إن على المستوى الإيراني، او على المستوى الفلسطيني ـ الاسرائيلي بعد اتفاق مكّة، وبعد نجاح إسماعيل هنيّة في تشكيل حكومة الوحدة الوطنيّة التي لا تزال مقاطَعة، بقوة، من قبل إدارتها؟، ولماذا عليها ان تعطي المعارضة وتيّسر الامور في لبنان قبل ان تطمئن لمسار القمة تجاه العراق، وسلسلة الموجبات والمتطلبات التي لا بدّ من توفيرها لمساعدة إدارة الرئيس بوش على الخروج من الرمال العراقيّة بأقل الخسائر الممكنة؟، ثم ألف لماذا ولماذا إيجابية عليها ان توفرها للبنان، في الوقت الذي منحت فيه الرئيس الايراني أحمدي نجاد تاشيرة دخول الى نيويورك، لتتحكم في كيفيّة شدّ عقدة العقوبات حول رقبة نظامه من خلال مشروع القرار المطروح على مجلس الامن لمناقشته والتصويت عليه؟!.
في المقابل، لا يختلف اثنان على القول إن أهم ما جاء في المؤتمر الصحافي تركيز الرئيس نبيه بري على قمة الرياض، واضعا القادة العرب أمام خيارين: إما أن تكون إحدى أهم وأعظم القمم العربية إذا ما عرفت كيف تحمي لبنان وفلسطين وتحصّن الوضعين المتداعيين فيهما، وإما عليها ان تستنتج العبر من خلال ما يكون قد استنتجه كلّ قائد عربي مشارك في أعمالها؟!.
والحقيقة ان الرئيس بريّ لم يظلم المملكة، ولا مليكها، ولا الجهود التي قام ولا يزال السفير الدكتور عبد العزيز الخوجة، بل اعترف، وأقرّ بالمعروف، ووضع العديد من النقاط فوق الحروف المبهمة ليسلّط الضوء بقوة على خيارين استراتيجييّن، فإما ان تكون هذه القمة عربية الهوية والهوى والطموح والمصلحة وتعيد الى العروبة بعضا من مكانة ودور وخيار في مواجهة الاستراتيجيات المعلّبة التي تأتي تحت شعارات برّاقة من نشر الحرية والديموقراطية "لخير شعوب المنطقة"، فيما النتائج والمردودات تأتي معكوسة ومعطوفة على مزيد من الانزلاق نحو الحروب المذهبية والطائفيّة والخيارات التقسيميّة ـ التفتيتيّة، وإما ان تكون آخر القمم العربية في الزمن الاميركي العاصف في المنطقة، خصوصا إذا ما تراجع خيار التهدئة والحوار في معالجة الملفات المفتوحة: من البرنامج النووي الايراني، الى ملف النفط الايراني، والتحكّم بخطوط تصديره، والمصادر المستفيدة منه، الى ملف العراق الذي لا يقتصر فقط على رسم واقع هذا البلد العربي ومستقبله بقدر ما يتجاوزه ليرسم واقع دول المنطقة ومستقبلها بدءا ـ أولا وقبل كلّ شيء ـ من الخليج ودوله واستقرارها سياسيّا واقتصاديّا واجتماعيّا... وصولا الى فلسطين "والوضع النهائي" في ما يتعلق بحدود الـ,67 وفلسطينيي الشتات، ومصير ومستقبل مدينة القدس.
يأتي الوضع اللبناني، وفق التصنيف الذي قدمته يوما كوندليسا رايس، كخط أول للمواجهة، وكورقة يمكن استخدامها في عملية تحسين الشروط إذا ما تأكد من أن الزمن الحالي هو فعلا زمن الصفقات والتسويات في المنطقة، أو كموقع ومحطة إذا ما دفعت الظروف والمستجدات باتجاه اعتماد الخيارات العسكريّة لتنفيذ الاستراتيجيّة المرسومة تجاه إيران والعراق وفلسطين وسائر الملفات الساخنة والممددة على مشرحة العلاجات والمعالجات المتاحة؟!.
انطلاقا من هذه الأبعاد والخلفيات ـ من دون إنكار الأبعاد والخلفيات الكثيرة الأخرى ـ يأتي الرئيس بريّ ليدقّ جرس الإنذار، ويوجّه رسائل في كلّ اتجاه، وإن حرص من باب التعمّد، عن سابق تصوّر وتصميم، على أن يكشف المستور أمام الرأي العام المحلي والعربي والدولي، وان يشكو واقع الحال للأقربين قبل الأبعدين ولأصحاب المبادرات والمبادرين من المملكة العربية السعودية، الى مصر، الى سوريا، الى إيران، الى الامين العام للجامعة العربية، الى كل الدول الشقيقة والصديقة، طارحا الصوت، محذرا من ان "الهدنة المذهبيّة" لا يمكن أن تتحول الى أمن وأمان واستقرار ثابت، وطمأنينة واطمئنان، إلاّ إذا تحصّنت بحل ثابت منطلقه المبادرة العربية التي كساها عمرو موسى بجدّه وجهده واتصالاته، وقاعدته شعار لا غالب ولا مغلوب.
والذي حصل بعد ظهر امس، ومنذ انتهاء الرئيس بريّ من مؤتمره الصحافي، واستنادا الى بعض المصادر الدبلوماسيّة العربية، أن الاتصالات قد اشتعلت بين الرياض والقاهرة والجامعة العربية ودمشق وطهران وعواصم عربية وإقليميّة ودوليّة، وفتحت نوافذ جديدة على خيارات ثلاثة: لجم التصعيد السياسي قولا وفعلا في بيروت، وإعطاء دفع جديد للحوار استنادا الى المبادرة التي سوّقها الرئيس بري بأسلوب مشوّق يوم امس، و"نقل الوضع اللبناني فورا الى غرفة العناية السعوديّة ـ المصريّة الفائقة"، وإبقاء كل الاحتمالات واردة حتى ولو اقتضى الامر فرض المزيد من الضغوط المعنوية التي يمكن ان تجعل خيار "مكّة لبنانية" خيارا محتملا في الرياض قبل قمة الرياض العربية.