حالة دمشق: اللوم الدولي ليس انفتاحاً بل تمهيد للحسم الوشيك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الملف اللبناني بتشعّباته أمام مجلس الأمن قبل الانتخابات الفرنسية بعدما تبنّى المرشحون "الجديون" سياسة رئيسهم الخارجية
فارس خشّان
ترفض جهات ناشطة في كواليس صنع القرارات الكبرى إعطاء أي صدقية لكل ما يُشاع عن استعادة النظام السوري موقعاً آمناً في المجتمع الدولي على حساب لبنان، لتؤكد أن دمشق تمر حالياً بما يمكن اعتباره "الفترة الحاسمة".
وتكشف هذه الجهات أن دولاً عربية عدة دخلت على خط دول القرار الكبرى داعية الى إعطاء المساعي العربية فرصة من أجل إقناع الرئيس السوري بشار الأسد بتغيير سلوكياته، طالما أن هناك رغبة جامعة بعدم الدفع بالقوة الى تغيير النظام الحاكم، وفق السيناريو العراقي.
وتشير الى أن التحركات الأوروبية الأخيرة في اتجاه دمشق كما موافقة الإدارة الأميركية على إشراك نظام الأسد في المشاورات الناشطة حول الملف العراقي، لا تعني مطلقاً أن تغييراً ما قد حصل على مستوى النظرة الدولية الى سوريا، بل إن هناك من دخل على الخط داعياً الى "ايصال لوم مباشر الى آذان المسؤولين السوريين حتى يغيّروا ما في أنفسهم"، ولكن المشكلة مع القيادة الحالية أنها كلما وجّهت اليها عاصمة ما أو مجموعة دولية لوماً على سلوكياتها أطلت على الرأي العام وقالت: "ها هم يتكلمون معنا".
وتفيد هذه الجهات أن المجتمع الدولي قبل تكوين أي قرار حاسم يسعى الى إعطاء ما يسميه بالفرصة الأخيرة، الأمر الذي يعني بالتأكيد أن سوريا اليوم دخلت في مرحلة الفرصة الأخيرة السابقة لمواقف دولية حاسمة، بأفق زمني لن يتخطى رحيل الرئيس الفرنسي جاك شيراك عن السلطة في أيار المقبل.
وتلفت الانتباه الى أن ارتقاب رحيل شيراك عن قصر الأليزيه لا يطرح إشكالية في آليات صنع القرار الدولي، على اعتبار أن مجريات المعركة الانتخابية في فرنسا أظهرت إجماعاً في برامج المرشحين المتنافسين على الإشادة بالنهج الشيراكي الدولي، ليس بالنسبة الى العراق فحسب بل بالنسبة الى لبنان وسوريا أيضاً، لا بل إن "الجديين" من بين هؤلاء المرشحين أثبتوا أنهم من أصحاب النهج المتشدد في تطبيق "الثوابت الشيراكية".
وتؤكد أن الإدارة الأميركية تخطت إشكاليات نتائج الانتخابات الأخيرة، بعدم دخول الكونغرس الأميركي على خط تعطيل الخطط الخاصة بالعراق من جهة في مقابل الدخول الحاسم لمصلحة تأييد التوجه المعتمد في طريقة التعاطي مع حماية استقلال لبنان وسيادته، من جهة أخرى.
وتبدو هذه الجهات متيقنة من أن العلاقات السورية ـ الروسية، وخلافاً للتسويق المعتمد، قد تدهورت بعد زيارة الرئيس السوري بشار الأسد الأخيرة إلى موسكو، لثلاثة أسباب، أوّلها محاولة الأسد العبث بملفات قرر الرئيس فلاديمير بوتين طي صفحتها، وثانيها رفض الأسد التجاوب مع "خارطة الطريق" اللبنانية التي تطرحها روسيا الاتحادية، وثالثها تدهور العلاقات بشكل سريع بين موسكو وطهران على خلفية الملف النووي الإيراني، وسط تأكيد روسي أن من يراهن على "القيصر الجديد" للوقوف في وجه واشنطن هو مخطئ، لأن "لا نية لديه للدخول في أزمة مع الولايات المتحدة الأميركية".
وانطلاقاً من هذه الأرضية الدولية الصلبة يتأكد أن الثوابت التي يدافع عنها لبنان ويدفع ثمنها صموداً في وجه أزمة مصطنعة سورياً وإيرانياً، انتقلت من مرحلة التحيّن الى مرحلة التنفيذ.
وفي هذا الإطار، يمكن التوقف عند ملفات دقت ساعة حسمها وفي مقدمها الآتي:
أولاً، المحكمة ذات الطابع الدولي التي يؤكد الجميع في لبنان والأمم المتحدة أنها آتية حتماً.. وقريباً.
ثانياً، تحصين الحدود البرية بين لبنان وسوريا، بحيث لا تعود ممراً للسلاح والمتفجرات ومقاتلي "قاعدة المخابرات السورية" كحالة "فتح الإسلام" التي مرّ أفرادها، من خلال معابر "سرية" بتدبير من "فتح الانتفاضة" المرتبطة بالمخابرات السورية.
ثالثاً، مصير مزارع شبعا، بعدما نجح مسّاحو منظمة الأمم المتحدة من تحديد اللبناني بينها.
وتتوقف هذه الجهات عند طبيعة الحديث الذي أدلى به الرئيس السوري بشار الأسد الى صحيفة "الجزيرة" السعودية، لتؤكد أن الرجل في عمقه يشعر باضطراب كبير من هذه الحقائق الدولية المتلاحقة، لذلك يحاول أن يستفيد مما يجيده، بحيث يزحف أمام القيادة السعودية بعدما فهم خطأ نتائج حرب تموز الأخيرة فتجرّأ على كرامة الرجال الرجال في المملكة العربية السعودية في مقابل تعنّته حيال الملف اللبناني، ولا سيما حيال المحكمة ذات الطابع الدولي، بحيث يعطي تفسيراً خاطئاً لصلاحياتها تجاه "القاتل السوري" المحتمل.
وفي اقتناع هذه الجهات أن "التكتيك" السوري لن ينفع، لأن المحكمة ذات الطابع الدولي هي المفتاح الوحيد الذي يمكن للأسد أن يتوسّله للولوج مجدداً الى المجتمع الدولي للاعتبارات الآتية:
أولاً، إن الجميع مقتنع أن هذه المحكمة هي حصانة أكيدة لاستقلال لبنان، على اعتبار أن القيادات اللبنانية الحالية لن تأمن على حياتها في حال جرى التفريط بدماء شخصية بقوة الرئيس رفيق الحريري وبأهمية سائر شهداء "ثورة الاستقلال". وفي اقتناع الجميع أن الطريقة التي اغتيل بها الرئيس رفيق الحريري كانت تهدف الى زرع الرعب في قلوب القيادات اللبنانية لتوقف حملتها المطالبة بتحرير لبنان من الوصاية السورية، بحيث يرى الجميع أن هذه الشخصية التي لها علاقات دولية وعربية ممتازة وحضور وطني كبير، لم ترعب القاتل وتمنعه من تنفيذ مخططه الإجرامي، فما البال مع شخصيات أخرى مهما كانت مهمة فهي تبقى بعيدة جداً عن وضعية الحريري.
ثانياً، إن المجتمع الدولي متى سمح لدمشق بأن تمنع قيام المحكمة يكون قد أنهى عملياً مجلس الأمن، لأنه يعطي دولة بمواصفات سوريا المرفوضة قوة معنوية غير موصوفة، تقوم على معادلة كسر إرادة المجتمع الدولي.
ثالثاً، إن المنطق السوري الذي تلبسته أطراف لبنانية لجهة ضرورة عدم تسييس المحكمة ذات الطابع الدولي من خلال إدخال تعديلات عليها ـ وهي بالمناسبة إن اقتربت من ملاحظات الرئيس اميل لحود تكون جذرية وليست سطحية ـ لا قيمة دولية له ولا داعم لفحواه، لأن روسيا سهرت مع الدائرة القانونية في الأمانة العامة للأمم المتحدة على تعديل كل النصوص التي اعتبرت أنها يمكن أن تستغل المسألة الجنائية لتحقيق أهداف سياسية.
ولأن الأمور بهذا الوضوح، فإن الجميع يرتقب تزايد الضغوط على الداخل اللبناني، مستفيداً من تحويل "اللوم" الموجه الى سوريا الى كلام معها، في محاولة لإضعاف مقومات الصمود المتّبعة انطلاقاً من قاعدة ذهبية اكتشفتها كل الدول الديكتاتورية في تعاملها مع الديموقراطيات أن أحداً غير مستعد على مساعدة من يثبت أنه غير موجود.