بين اغتيال كمال جنبلاط .. واغتيال رفيق الحريري !
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
خيرالله خيرالله
ليس طبيعيّاً ان يستمرّ الوضع في لبنان على ما هو عليه، خصوصاً أن السجال الدائر صار من النوع الذي لا أفق له نظراً الى وجود فريق يصرّ على متابعة تغطية المحاولة الانقلابية التي ينفّذها النظام السوري منذ فترة طويلة، أي منذ فرض أميل لحّود رئيساً للجمهورية في العام 1998. نعم إن الوضع في لبنان غير طبيعي ما دام هناك من يريد تغيير الحكومة بالقوّة وتعطيل العمل الحكومي بالقوة والغاء المؤسسات بالقوة. ولذلك، من الأفضل التوقف عن إضاعة الوقت بصيغة 19ـ11 أو 19ـ10ـ1 بعدما تبيّن أن كل الصيغ المطروحة تصبّ في اتّجاه واحد يقضي بإعادة عقارب الساعة إلى خلف، أي إلى ما قبل الرابع عشر من آذار ـ 2005 تاريخ نزول الشعب اللبناني إلى الشارع تمهيداً للتخلّص من نظام الوصاية السوري.
لا يمكن فهم ما يدور في لبنان حالياً إلاّ في ضوء الجهود التي يبذلها النظام السوري لألغاء نتائج ثورة الأرز التي تجسّدت في قيام الحكومة اللبنانية الحالية التي هي حكومة استقلالية بأمتياز. مشكلة هذا النظام أنّه لا يستطيع أن يفهم أن العالم تغيّر وأن المنطقة تغيّرت وأن ماكان صالحاً في السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الماضي لم يعد صالحاً في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين. وبكلام أوضح، على النظام السوري التخلّي عن حقده على لبنان واللبنانيين وأن يسعى الى فتح صفحة جديدة مع جاره الصغير ما دام يدّعي أنّه "نظام علماني".
من حق لبنان الدفاع عن نفسه. ويفترض أن يكون الخط الأوّل في دفاعه رفض أي شكل من أشكال تعطيل المؤسسة الشرعية الوحيدة التي تقف على رجليها في البلد، أي الحكومة اللبنانية التي يرئسها فؤاد السنيورة الذي لا يحتاج إلى شهادة في الوطنية من أحد، خصوصاً من النظام السوري الذي هناك ألف علامة استفهام على الدور الذي يؤديه في خدمة إسرائيل وسياساتها في غير مجال... ولا من "حزب الله" الذي تسبب للبنان واللبنانيين بحرب مدمّرة لم تخدم سوى إسرائيل والأهداف السورية الآيلة إلى إعادة وضع اليد على الوطن الصغير.
كلّ ما يحصل حالياً مضيعة للوقت. لم يتخلّص النظام السوري من عقدة تتحكّم به اسمها عقدة العودة إلى بيروت. إنّه على آستعداد لكلّ شيء من أجل العودة إلى بيروت على غرار ما حصل في مرحلة ما بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982. وقتذاك، عمل كلّ ما يستطيع عمله لضمان حصول انفلات أمني في بيروت من أجل العودة إليها. ارتدى القتال في شوارع بيروت طابعاً مذهبياً في العام 1986 . وما لبثت ألأجهزة السورية، التي افتعلت هذا القتال، أن عادت إلى العاصمة اللبنانية برفقة الجنود السوريين، بمباركة أميركية، كما لو أن شيئاً لم يحدث في العام 1982.
من الأفضل ألاّ يغيب عن البال، في أي لحظة من اللحظات، أن المعركة بالنسبة إلى لبنان معركة حياة أو موت. هل هو بلد يستحق الحياة أم لا، ام أنّه في حاجة مستمرّة إلى الوصاية السورية؟ المؤسف أن "حزب الله" يلعب بشكل مباشر دور المسهّل لعودة الوصاية إلى لبنان. لو لم يكن الأمر كذلك لما كان تابع الاعتصام الذي ينفّذه في وسط بيروت مع بعض أدواته الصغيرة بهدف شل العاصمة اللبنانية وخلق فتنة مذهبية في البلد على غرار ما حصل في المرحلة التي سبقت عودة القوّات السورية إلى بيروت بشكل تدريجي ابتداء من أواخر العام 1986.
يصعب أن يعيد التاريخ نفسه. ليس لأنّ اللبنانيين واعون للعبة التقليدية للنظام السوري فحسب، بل لأنّ المعطيات تغيّرت جذرياً في العالم والمنطقة وسوريا ولبنان أيضاً. الدليل الأوّل على مدى تغيّر المعطيات أن النظام السوري اغتال قبل ثلاثة عقود الزعيم الوطني كمال جنبلاط ولم يحصل شيء باستثناء أن مسلّحين، ليسوا بعيدين عن التوجّه السوري، انتقموا من أهل بعض القرى المسيحية في منطقة الشوف. بعد ذلك، تخلّص النظام السوري من مجموعة كبيرة من الزعماء اللبنانيين من بينهم الرئيس بشيرالجميّل والرئيس رينيه معوّض والمفتي حسن خالد وعشرات آخرين. اغتال كلّ من عمل من أجل استعادة لبنان وضعه الطبيعي كدولة حرّة مستقلة قادرة على أن تحكم نفسها بنفسها... ولم يحصل شيء. في العام 2005 ، استطاع النظام ذاته التخلّص من رفيق الحريري بطريقة أو بأخرى فكان تحقيق دولي. أكثر من ذلك، خرج جيشه من لبنان ووجد نفسه في عزلة عربية ودولية لم يسبق له أن واجه مثلها. تكفي مقارنة بين ما حصل قبل ثلاثين عاماً عند اغتيال كمال جنبلاط وبين ما يحصل الآن بعد استشهاد رفيق الحريري وباسل فليحان وسمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار أمين الجميّل، للتأكّد من أن التاريخ لن يعيد نفسه وأن الوضع غير الطبيعي السائد في لبنان لا يمكن أن يستمرّ إلى ما لا نهاية مهما فعلت دمشق بوسائل مباشرة أو عبر "حزب الله" وأدواته المستأجرة التي قرف منها الناس!