جريدة الجرائد

القصة الكاملة لعودة الرهينة الفرنسي ميشال سورا إلى الضوء... جثة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


علي الرز ، سامي نزيه


في 9 مارس 2006 غادرت مطار رفيق الحريري في بيروت طائرة تحمل جثمان الباحث في علم الاجتماع الفرنسي ميشال سورا بعد اكثر من عشرين عاما على خطفه... فوفاته.
لكن جثمان سورا لم يكن ظهر الى العلن في التاريخ نفسه ولا في التاريخ الذي تبلغت فيه زوجته احتمال العثور على رفاته في 25 اكتوبر 2005 بل قبل ذلك بأشهر وتحديدا في يوليو 2005 بعد 10 سنوات من اعمال البحث والحفريات... لماذا تأخرت السلطات الفرنسية في تسلم جثة سورا بعد اكتشافها؟ ولماذا كانت الجثة سليمة لشخص بـ "شحمه ولحمه" بعد مرور 20 عاما على وفاته؟ ولماذا تنقلت هوية الخاطفين من شخص الى آخر؟ اسئلة كثيرة حاولت مصادر أمنية غربية مطلعة بشكل دقيق على ملف البحث عن سورا واستعادته "جثة" الاجابة عنها.

في 22 مايو 1985 خطف مسلحون عرفوا انفسهم بأنهم من "منظمة الجهاد الاسلامي" (القريبة من "الثورة الاسلامية في ايران" كما اوضحت لاحقا) المفكر الفرنسي ميشال سورا المتعاطف المعروف مع قضايا العرب وكان مقيما في بيروت. في 10 مارس 1986 أعلنت المنظمة نفسها تنفيذ "حكم الاعدام بالباحث المتخصص الجاسوس"، وأرفقت البيان بثلاث صور يظهر فيها ميتاً. ثم علم لاحقا من رفاق لسورا في الحجز انه توفي في سجنه متأثرا بداء السرطان.

حصلت عملية اطلاق الرهائن المختطفين في لبنان لاحقا، ودفع الثمن من دفع، واستطاعت ايران تحسين اوراقها التفاوضية مع الغرب خصوصا مع انتهاء حربها مع العراق، كذلك استعادت جزءا من اموالها المحجوز عليها مصرفيا.

عندما تسلم الشهيد رفيق الحريري مسؤوليات الحكم في لبنان اراد مساعدة السلطات الفرنسية في البحث عن رفات سورا، وشكل لهذا الغرض فريقا امنيا من مختلف القوى العاملة على الارض، أرفقه بطرح قضية سورا مع مختلف القيادات الايرانية والسورية والفلسطينية اضافة بالطبع الى قيادات "حزب الله".
في عام 1998 يصل الفريق الى طرف خيط حين يتعرف على هويات الاشخاص الثلاثة الذين دفنوا جثة سورا في منطقة "الرمل العالي" في ضواحي بيروت عام 1986. والثلاثة فلسطينيون اثنان منهما اختفيا تماما ويعتقد انهما قتلا والثالث يعيش في فلسطين حيث تم الاتصال به فاوضح انه لم يكن يعلم ماذا يحمل في سيارته "مرسيدس- 190" التي أقل بها زميليه آنذاك واعتقد انهما يتخلصان من احد مسلحي الحرب.

بغض النظر عن تبريره وروايته، اعطيت للفلسطيني كل الضمانات بألا يعتقل شرط الافصاح عن مكان دفن الجثة، فحضر الى لبنان وضربت القوى الامنية طوقا على المكان الذي يعتقد انه دفن فيه واتفق مع المقاول اللبناني (س ح) على عمليات الحفر بوجود مسؤولين من "حزب الله" ومقدم سوري حضر خصيصا من سورية لهذا الغرض ولم يكن من ضمن العاملين في القوات السورية المتمركزة في لبنان، ومسؤولين من السفارة الفرنسية في بيروت.

بعد ايام من عملية الحفر لم يتم اكتشاف شيء، فاتصل مسؤول لبناني بمقاول كبير آخر للاستفادة من خبرته في الموضوع وكان خارج لبنان فعاد وابلغ جميع من كان في مسرح العمليات ان الحفريات تجري بشكل خاطئ لان من المستحيل ان يحفر الخاطفون 20 مترا في الارض لدفن الجثة.

انتهت العملية الاولى لكن البحث استمر. فبعد ذلك بأيام يتصل مسؤول في "حزب الله" بأحد المقاولين ويسأله من اين استخرج الرمل الذي ارسله الى رجل الاعمال (س ع أ) في بلدة حاريص الجنوبية حيث كان الاخير يبني مشروعا سكنيا كبيرا، فابلغه انه من ارض قرب المستشفى الحكومي في بئر حسن. اما لماذا السؤال، فلأن احد حراس المشروع في حاريص اكتشف عضمة في الرمل فابلغ الحزب الذي اعتقد انها ربما تعود الى سورا. لكن لا المنطقة التي سحب منها الرمل هي "الرمل العالي" ولا العضمة تعود الى جثة سورا الذي اكد "الشاهد" الفلسطيني انه دفن في صندوق من معدن الرصاص.

في شهر يوليو 2005 يتصل مسؤول امني لبناني رفيع المستوى وكان الى جانبه مسؤولون من السفارة الفرنسية بالمقاول الكبير نفسه الذي استعان به عام 1998 ويطلب اليه ان يحضر الى منطقة "الرمل العالي" حيث يشتبه في وجود شيء في حفرة قريبة من الحفرة السابقة. ذهب الجميع الى مبنى قيد الانشاء يملكه آل عاشور ويتولى عمليات الحفر والبناء فيه المقاول (ح ص) فوجدوا عمالا افادوا بأنهم عثروا على صندوق رصاص طوله 185 سم مدفون في حفرة عمقها اكثر من متر بقليل. واضاف هؤلاء بشيء من الارتباك انهم اعتقدوا بأن الصندوق خزنة مال فابعدوه عن الحفرة الى مكان قريب كي لا يراهم المقاول ثم عمدوا الى فتحه عند الاستراحة فاكتشفوا فيه جثة وابلغوا المقاول الذي ابلغ بدوره "حزب الله" الذي نقل عناصر منه الجثة الى مستشفى الرسول الاعظم في ضاحية بيروت، ومن هناك احضر الصندوق الى مبنى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي حيث حضر المقاول وطبيب التشريح ومسؤول امني من السفارة الفرنسية وفتحوا الصندوق مجددا ليجدوا جثة ملفوفة بكيس نايلون ابيض يليه كيس نايلون اسود ملفوف بلصاق قوي يستخدم لتصليح السيارات... وعند نزع النايلون كانت المفاجأة.

بعدما قص الطبيب ببطء ما بقي من ثياب على سورا (بنطلون وقميص ضاعت الوانهما) كانت جثته ما زالت بلحمها وعظمها. شعره المائل الى البياض ووجهه كامل التفاصيل باستثناء انحناءة قوية في الفك السفلي. ضمور في جسده وتقلص كبير في اصابع يديه وقدميه، اضافة الى وجود رمل احمر على كاحل قدمه اليمنى اتضح لاحقا انه نتيجة محاولة العمال فتح الصندوق ظنا انه خزنة ما ادى الى دخول رمل الى "الكفن البلاستيكي".

المسؤول الامني الفرنسي سأل الطبيب الشرعي كيف يمكن لجثة شخص متوفى من 20 عاما ان تبقى كذلك؟ فرد الطبيب بأن ادوية السرطان التي كان يتناولها سورا اضافة الى الدفن في تابوت من رصاص على عمق متر مع حجب كامل للهواء والضوء يمكن ان يحافظ على سلامة الجثة. وهنا طلب المسؤول الفرنسي (الذي يبدو انه لم يقتنع) من مسؤول امني لبناني كبير ألا يتم الاستعجال في الاعلان عن الموضوع فقد لا تكون الجثة تابعة لسورا خصوصا ان اي خطأ في الاعلان قد يؤدي الى ضجة سياسية كبيرة في فرنسا، ثم تمنى الحصول على جزء من الجثة ليتم اجراء فحوصات الحمض النووي عليه فاعطي ابهام يده الى السفارة التي حولته بدورها الى باريس للاختبار رغم دهشة مسؤولي السفارة وعدم تصديقهم لان غضروف الابهام كان ما زال ملتصقا بالعظم وهو امر نادر الحدوث.

اعيدت الجثة الى براد مستشفى الرسول الاعظم في انتظار رد سريع من السلطات الفرنسية، ووضعت هناك باسم "الحاج محمود الفقيه - يدفن في النجف الاشرف" للتمويه وكي لا يعرف احد في المستشفى انها لسورا او يشك لماذا تبقى جثة في البراد فترة طويلة، فالمعروف ان من يوصي بدفنه في النجف يبقى في لبنان فترة كي تنتهي اجراءات نقله.

الى هنا، انتهت الرواية وبقي الانتظار. كشفت ماري، زوجة سورا السورية الاصل، في مطلع يناير 2006 ان السلطات الفرنسية أبلغتها في نهاية اكتوبر 2005 بأنها تملك دليلا قويا على اكتشاف جثته من خلال فحص الحمض النووي من دون تفاصيل اضافية. بعد ذلك (اي بعد اشهر من وجودها) فتح براد المستشفى وتحقق المسؤولون من ان جثة "الحاج محمود الفقيه" بلا ابهام فاخرجوها باسم سورا بعدما أعلنت السفارة الفرنسية ان فحوص الحمض النووي أثبتت انها تعود اليه... وعاد الجثمان في مارس 2006 الى باريس.

لماذا تأخرت السلطات الفرنسية في كشف نتيجة الفحوص لنحو ثلاثة اشهر وهي التي كانت قادرة على ذلك في يومين؟ لماذا الجثة غير متحللة؟ لماذا قطع الابهام وليس خصلة شعر او سن في الفم؟ اين الفلسطيني الذي اعطى الافادة الاولى؟ اين رفيقاه؟ من قتلهما؟... اسئلة كثيرة لاكمال الرواية، انما من الجانب الفرنسي هذه المرة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف