حياد لبنان قوة له وللعرب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
طلال بن عبد العزيز
الأخطار تتراكم على امتنا من الداخل والخارج. فأينما ولينا وجوهنا نجد التهديد ماثلا امامنا.
كانت قضية فلسطين هي الازمة الاخطر والاكثر اهمية حتى وقت قريب. ولكن خلال السنوات الثلاث الاخيرة، اشتعلت المنطقة الممتدة من شرق المتوسط الى الخليج، وتجاورت فيها الازمات من لبنان الى ايران مرورا بالعراق. وفي مثل هذا الوضع المنذر بعظائم الامور، يصبح واجبا علينا السعي الى تهدئة البؤر الساخنة ونزع الفتيل كلما وجدنا الى ذلك سبيلا.
ولا يخفى مدى الارتباط الوثيق بين الوضع في لبنان، وكل من ازمة سوريا الداخلية، ومعضلة الصراع السوري - الاسرائيلي، والقضية الفلسطينية. كما ان تصاعد وزن العامل المذهبي يربط الوضع في لبنان بازمتي العراق والبرنامج النووي الايراني.
وعلى رغم ان ارتباط الازمة الداخلية اللبنانية بكل هذه الازمات والصراعات يزيدها تعقيدا ويضعف فرص حلها، لا يزال هناك طريق يمكن ولوجه باتجاه معالجتها بل ربما شطبها من لائحة الازمات الساخنة في المنطقة. وهو اعلان حياد لبنان.
فالهدف هو تحييد لبنان عن تناقضات الوضع العربي الراهن وإبعاده عن التجاذبات والاختراقات الاقليمية التي تهدد وحدته وسلامه الاهلي، ولكن ليس على حساب انتمائه العربي. هذا الحياد يعصم لبنان من التداعيات الخطيرة للصراعات المحتدمة في المنطقة وعليها. لكنه لا يغير وضع لبنان بوصفه جزءا مهما من العالم العربي له وضعه الخاص، وباعتباره في حال نزاع مع اسرائيل، لكنه يحول دون تحويله ساحة لصراعات آخرين على ارضه.
اما وضع لبنان المحايد ومقوماته فهي كما ينبغي ان تتوافق عليه جماعاته واحزابه وطوائفه بمساعدة عربية. وقد تفيدهم في ذلك تجارب حيادية معاصرة في النمسا وسويسرا وغيرهما، وقد يهتدون الى صيغة جديدة اكثر ملاءمة لهم.
لكن المهم هو ان يأخذ اللبنانيون زمام المبادرة قبل ان يضمحل ما بقي لهم من دور في تقرير مستقبلهم، وهم يعرفون ان هذه ليست هي المرة الاولى التي تطرح فيها فكرة التحييد، فالدعوة الى هذا التحييد لها تاريخ يعود الى عام 1951 حين تبناها الدكتور شارل مالك على منبر مجلس الامن.
وفي عام 1963 بدأ الحديث عن تحويل منابع نهر الاردن، ورأى العميد ريمون اده فيه بداية الاتجاه الى حرب عربية اسرائيلية يكون فيها لبنان الخاسر الاكبر، فطرح مجددا فكرة التدويل. وعلى رغم تعرضه للتخوين، عاد الشيخ بيار الجميل فطالب بتحييد لبنان، ورفع شعار "قوة لبنان في ضعفه". والمقصود بذلك ان حياد لبنان قوة في مواجهة الخارج والصراعات الدولية والاقليمية. وهو ايضا قوة من حيث انه يحول لبنان واحة للحرية والبناء والازدهار الاقتصادي، ويجعله نموذجا يحتاج العرب الى مثله لانه يضيف الى قوتهم وامكاناتهم، غير ان تحييد لبنان يظل بعيد المنال لان تحقيقه يقتضي احد امرين:
فاما صفقة تفرض الحياد بالتراضي، واما ان يتغلب فريق على آخر ويكون قادرا على فرض الحياد. وفي لبنان يتفق الاطراف كافة الآن على استحالة الحسم بالقوة.
ولذلك، لا يبقى امام لبنان غير الحياد بالتراضي عبر صفقة تاريخية تشمل الاطراف اللبنانيين الرئيسيين والقوى الفاعلة الدولية والاقليمية على الساحة اللبنانية، وهي الولايات المتحدة الاميركية (وتاليا اسرائيل)، وفرنسا والمملكة العربية السعودية وسوريا وايران.
وعلى رغم صعوبة التوصل الى مثل هذه الصفقة، فربما لا يكون ثمة طريق آخر لانقاذ لبنان. ولكي تكون صفقة كهذه ممكنة، لا بد ان تنطوي على مصلحة لكل من القوى الاقليمية والدولية الفاعلة على الساحة اللبنانية.
فبالنسبة الى سوريا، وهي مفتاح رئيسي لنزع فتيل التأزم، لا بد من توفير ما يلي:
1 - ضمان عربي واميركي فرنسي ان لا يكون لبنان مقراً او ممراً لانقلابات (او قلاقل) في دمشق يجري تخطيطها في بيروت.
2 - فك العزلة الدولية عن سوريا.
3 - تعديل نظام المحكمة الدولية الخاصة بمقتل الحريري، بما يطمئن سوريا الى انها لن تستهدف نظام الحكم فيها.
ويمكن ان يكون اشراك ايران في صفقة تحييد لبنان مسهلاً للتفاهم مع سوريا في هذا المجال ويقتضي اشتراك ايران ما يلي:
1 - ضمان ان يكون لحزب الله دور رئيسي في ادارة لبنان المحايد مقابل مصالحة تاريخية على اساس صيغة لا غالب ولا مغلوب، تشمل تخليه عن سلاحه تدريجاً بعد تنفيذ اجراءات لبناء الثقة في الساحة الداخلية. [وانتقال السيادة على الاراضي اللبنانية التي لا تزال محتلة الى الامم المتحدة على اساس اعلان لبنانيتها وفق قرار مجلس الامن الرقم 1701].
2 - التقدم نحو حل سلمي لازمة البرنامج النووي الايراني.
فإذا قبلت طهران بصفقة عربية اميركية مع سوريا، قد يصبح الطريق ممهداً لحياد لبنان في حال قبول اميركا (وتالياً اسرائيل) ذلك.
ويمكن ان تكون هناك مصلحة لكل منهما بالفعل في حياد لبنان. فإسرائيل يريحها تخلي حزب الله عن سلاحه، وخصوصاً بعد ان احرجها مقاتلوه في حرب الصيف الماضي وكشفوا هزال ادائها العسكري. اما اميركا فلإدارتها الراهنة مصلحة في تحقيق اي انجاز في الشرق الاوسط قبل انتهاء فترتها الثانية. ويمكن تحييد لبنان ان يتيح لها ذلك، وخصوصاً في حال توسيع نطاق الصفقة مع سوريا لتشمل تفاهماً بين دمشق وواشنطن على الساحة العراقية.
وهكذا فالتحييد اللبناني لا يبدو بعيد المنال اذا دعمته الدول العربية وقررت السعي اليه عبر تحرك جاد ومخلص محدد المعالم وواضح الاتجاه تقوده المملكة العربية السعودية صاحبة المبادرات باعتبارها رئيسة القمة في دورتها الجديدة.