جريدة الجرائد

إنتخابات أم طقوس في سوريا؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


محمد علي الأتاسي


تنتظر سوريا هذه السنة مواعيد انتخابية مفصلية، كان من المفترض أن تكون استحقاقات سياسية في غاية الأهمية لحاضر البلد ومستقبله، عدا أن كل المعطيات تشير إلى أن انتخابات مجلس الشعب التي حدد مرسوم رئاسي موعدها في 22 نيسان المقبل، وما سيليها من استفتاء على تجديد ولاية رئيس الجمهورية، لن تعدو كونها مناسبات احتفالية سيتم من خلالها إعادة إنتاج وتكريس ما هو قائم على مستوى الخطاب السياسي والبنى المؤسسية والممارسات السلطوية.

فبدلا من أن تنفذ السلطات السورية وعودها الخجولة التي قطعتها خلال السنوات الماضية بإصدار قانون عصري جديد لانتخابات مجلس الشعب يأخذ في الحسبان التطورات التي طرأت على صعيد المجتمع، وعلى صعيد الممارسات السياسية، فان القرار السلطوي الأخير جاء ليؤكد أن سوريا لا يراد لها أن تخرج من النموذج السوفياتي البائد و"ديموقراطيته الشعبية"، وأن الانتخابات المقبلة ستجري وفقاً للقانون القديم الصادر في العام 1973 والذي يعطي 51% من المقاعد لما يسميه "قطاعي العمال والفلاحين"، ويخصص ثلثي المقاعد (167 نائباً من أصل 250) لأحزاب "الجبهة الوطنية التقدمية"، منها 135 مقعداً لحزب البعث، أي بمعدل 51% للحزب "الحاكم للدولة والمجتمع" بحسب المادة الثامنة من الدستور.

وغني عن القول أنه في ظل قانون كهذا لا يوجد منافسة حقيقية ولا عملية اقتراع حر، ولا ستار عازل فعال، ولا إشراف قضائي ولا مراقبون دوليون، ولا تغطية إعلامية مستقلة، وبالتالي فلا مفاجآت تنتظر من انتخابات كهذه معلبة يتم فيها عملياً تعيين 70 % من أعضاء مجلس الشعب من خلال قوائم الجبهة الوطنية التقدمية الرابحة حتماً! في حين تترك نسبة الـ 30% الباقية لمن يسمون بـ "المستقلين" والتي يتم عملياً توزيع مقاعدها على رجال الأعمال وكبار التجار والمستزلمين وفقاً لحسابات لا يعلم إلا الله كيف يتم إجراؤها في الغرف المظلمة لأصحاب القرار السياسي والأمني.

بالمثل فإن الاستفتاء على تجديد ولاية رئيس الجمهورية لفترة رئاسية ثانية، والذي سيتم تحديد موعده في غضون الأسابيع اللاحقة، سيجري هو الآخر وفقاً للآليات الدستورية الموروثة والتي تعطي للقيادة القطرية لحزب البعث الحق الحصري في تقديم المرشح الوحيد للرئاسة، ومن ثم تتم المصادقة على ترشيحه تلقائياً من قبل مجلس الشعب، قبل أن يطرح على استفتاء شعبي يطلب فيه من المواطن أن يجيب بنعم أو بلا على خيار الحزب الحاكم. وإذا كانت نتيجة الاستفتاء مضمونة سلفاً بالموافقة على التمديد، فإن الجانب المجهول نسبياً يبقى في النسبة الدقيقة للتصويت بـ"نعم" والتي تتأرجح نسبتها بين 97% و99%.

الطريف في كل هذه الطقوس الانتخابية المعلومة النتائج سلفاً، أن الخطاب السلطوي لا ينفك يبررها باسم "الخصوصية السورية"، في حين أنها بمجملها مستوردة قلباً وقالباً من النموذج السوفياتي الذي كان سائداً في دول الكتلة الشرقية. من هنا، فإن واقع الحال يدلنا على أن الخصوصية السورية الوحيدة التي يعتد بها في هذا المجال، هي في إصرار السلطات السورية على الإبقاء على ممارسات ومصطلحات ونماذج سوفياتية بائدة، مع الإمعان في نسبها إلى "خصوصية سورية" أزلية!

وحتى لا نتهم بالتحامل، فإن الأمانة تقتضي الإشارة إلى أن السلطات السورية قررت هذه السنة تغيير شكل الصناديق الانتخابية ونوعيتها وإبدالها بصناديق زجاجية شفافة وإدخال مادة الحبر السري في عملية الاقتراع، لكنها لم تنسب هذا التطورات إلى "الخصوصية السورية" كما جرت العادة، بل كانت واضحة وصريحة في تبيان مصدرها! فوفقاً لخبر أوردته وكالة "سانا" الرسمية للإعلام نقلاً عن مسؤول سوري رفيع المستوى تحت عنوان "جديد انتخابات 2007 صناديق زجاجية مستوردة من الإتحاد الأوروبي وخدمة الإستعلام الصوتي للرد على الإستفسارات"، نستطيع أن نقرأ الآتي: "ستشهد انتخابات 2007 استخدام صناديق جديدة زجاجية مماثلة للصناديق المستخدمة في دول الإتحاد الأوروبي، تم استيرادها اخيرا بحيث يتمكن كل مقترع من رؤية ما بداخل الصندوق إضافة إلى أنه سيتم استخدام مادة الحبر السري المدروس عالمياً من الناحية الصحية والذي تطبقه غالبية الدول المتقدمة في عملياتها الإنتخابية حاليا، ما يمنع حدوث أي عملية لاقتراع من قبل المواطن لأكثر من مرة".

إذاً سيكون من حق المواطن السوري أن يتمتع هذه السنة بمنظر الأوراق الانتخابية تتساقط داخل صندوق الانتخاب الزجاجي، وعليه ألاّ يقلق على صحته بفضل الحبر السري المدروس عالمياً! والحقيقة أن الخبر استفزني بعض الشيء، فقررت أن أتصل بالرقم (105) الذي ورد ذكره في الخبر، والمخصص بحسب وكالة "سانا"، لاستفسار المواطنين عن كل ما يتعلق بانتخابات مجلس الشعب.

قررت الاتصال للاستفسار عن متى نعود إلى "الخصوصية السورية" الحقيقية التي جعلت المجتمع السوري من أوائل المجتمعات العربية التي شهدت تعددية حزبية وانتخابات برلمانية حقيقية في الأربعينات والخمسينات من القرن المنصرم؟ أردت أن أسأل متى نعود إلى الدستور السوري للعام 1950 الذي يعتبر إلى اليوم الأفضل والأكثر ديموقراطية بين دساتير الدول العربية؟ متى نعود إلى خصوصيتنا الحقة التي جعلت من سوريا، بعد لبنان، أول بلد عربي يجري تحت قبة مجلسه النيابي المنتخب ديموقراطياً، حفل تسليم وتسلم سلمي للسلطة في العام 1955 بين الرئيس هاشم الأتاسي والرئيس المنتخب شكري القوتلي؟

اتصلت على الرقم (105) لأسأل، فأتاني الصوت المسجل لعاملة الهاتف بالآتي: "الرقم المطلوب غير موضوع في الخدمة. يرجى عدم المحاولة من جديد".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف