جريدة الجرائد

«فتح الإسلام» ورحلة غير مكتملة إلى تنظيم القاعدة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

.. وصلة ملتبسة مع "فتح الانتفاضة"
"الحياة" زارت معسكرهم في "البارد" وسوادهم يرطن الفصحى بلهجة سورية ...




طرابلس (شمال لبنان) -حازم الأمين

الاتهام الذي وجهته الأجهزة الأمنية اللبنانية الى جماعة "فتح الإسلام" بالتورط في تفجيري عين علق في جبل لبنان أثار مجدداً قضية تمركز هذه الجماعة في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين, خصوصاً ان عدداً من الذين وجهت إليهم التهم ما زالوا موجودين في معسكر الجماعة في ذلك المخيم. كما أثار الاتهام تساؤلات عن هوية هذه العناصر وما قيل عن احتمال علاقة تربطهم بتنظيم "القاعدة", خصوصاً ان بينهم في معسكر "صامد" في المخيم ناشطين من جنسيات مختلفة سورية وسعودية ويمنية وجـــزائرية ومغـربية. لكن لا يبدو ان هذا دليل كافي على النشاط "القاعدي" لهذه الجماعة, إذ أشارت معلومات لـ "الحياة" ان الجماعة هي تنظيم هجين يختلط فيه عناصر أجهزة أمنية مختلفة بآخرين يحملون الفكر "السلفي الجهادي" ويسعون للتوجه الى العراق.

"الحياة" زارت معسكر هذه الجماعة في مخيم نهر البارد والتقت ناطقاً باسمهم وسألت سكان المخيم والأجهزة الأمنية اللبنانية وناشطين إسلاميين عن هذه الظاهرة:

الرجل المتمدد على كرسيه أمام دكانه في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين في شمال لبنان, وضع لافتة كبيرة فوق محله كتب عليها "مطهر أولاد الصفّوري". الرجل يكاد يغفو, فالوضع الأمني هذه الأيام "عَدم السوق العافية", وفي الليلة الفائتة شهد المخيم مقتل أحد عناصر "فتح الإسلام" خلال اشتباك مع مجهولين.

انه "مطهِّر" المخيم ذاك الذي يخيف الأطفال كلما مروا من أمام دكانه في وسط السوق. رجل في متوسط العمر, طويل القامة ونحيفها, وأبيض الشعر. صامت صمتاً ربما يمت الى مهنته بصلة, فهو يقوم بما يقوم به من دون ان يتكلم, أو بقدر قليل من الكلام. لا يوحي الرجل انه من ذلك النوع الذي يجيب إذا ما سألته, ولهذا كان البحث عن رجل آخر لسؤاله أمراً حكيماً على الأرجح.

ما يبديه ناشطو الفصائل الفلسطينية في مخيم نهر البارد من ضيق تسبب به حصار المخيم جراء تمركز عناصر "فتح الإسلام" فيه, لا يبدو مطابقاً للضيق الذي يبديه السكان. ضيق الناشطين يبدو مشحوناً بقدر من السياسة ومن مخاوف ناجمة عن وصول عناصر "فتح الإسلام" الى المخيم, فيما ضيق الأهالي يقتصر على موت السوق وتوقف حركة الوافدين الى المخيم من سكان المنطقة للتسوق, فيما لا يخلو كلام بعض السكان من مديح لعناصر "فتح الإسلام", وإعجاب بهؤلاء الغرباء الذين قدموا الى المخيم قبل اقل من سنة, أقاموا في معسكرات حركة فتح "الانتفاضة" في المناطق الشمالية والشمالية الغربية من المخيم.

"انهم غرباء عن المخيم" عبارة لطالما تسمعها من الناشطين في التنظيمات الفلسطينية من أبناء المخيم. معظمهم سوريون, ومن بينهم سعوديون ويمنيون ولبنانيون, ويأتي الفلسطينيون في الترتيب الأخير ربما, فيما تضيف مصادر أمنية لبنانية الى هذه الجنسيات, مغاربة وجزائريين. ولكن ما الذي جاء بهم الى المخيم؟ وكيف تكاثرت أعدادهم فيه حتى اصبحوا اكثر من 150 مقاتلاً, بعضهم احضر عائلته واستأجر لها منزلاً بالقرب من المعسكر؟ لا أجوبة محددة على تساؤلات كثيرة تتعلق بـ "فتح الإسلام" في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين. وإذا كانوا وصلوا على حين غرة من معسكراتهم الأخرى الى المخيم فإن اعداداً منهم التحقت بمعسكر "صامد" في مخيم البارد في فترة أعقبت الكشف عن قدومهم, وبعد ان ضاعف الجيش اللبناني مراقبته لمداخل المخيم الذي لا تتجاوز مساحته الكيلومتر مربع إلا بنسبة صغيرة, إذ يؤكد ناشطون ان عدداً من عناصر جماعة "جند الشام" الذين غادروا منطقة "التعمير" على مدخل مخيم عين الحلوة, بعد أن دخلها الجيش اللبناني, لجأوا الى نهر البارد والتحقوا بـ "فتح الإسلام", كما التحق بحسب الناشطين عناصر لبنانيين من مناطق مختلفة. وتؤكد المصادر الأمنية اللبنانية ان عدد اللبنانيين بينهم لا يتجاوز خمسة أشخاص معظمهم قدم من منطقة التعمير ومن بينهم المدعو شهاب قدور (أبو هريرة) وهو من منطقة عكار كان لجأ الى مخيم عين الحلوة في تسعينات القرن الفائت ثم عاد والتحق مؤخراً بجماعة "فتح الإسلام" في مخيم نهر البارد.

يدرك سكان "البارد" كيفية وصول عناصر "فتح الإسلام" الى مخيمهم, أو على الأقل يعرفون الوقائع التي قذفت بهؤلاء إليهم. وان يكون عناصر الحركة "المنشقة" عن حركة "فتح الانتفاضة" المنشقة بدورها عن "فتح" الأم, غرباء عن مخيمهم فليس في الأمر خروجاً مدوياً عن نسق اجتماعي متماسك ورافض لعناصر من خارجه. فمخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لطالما كانت ملجأ لغرباء متعددي المقاصد, وللاجئين آخرين دفعت بهم "المجتمعات" اللبنانية الى المخيمات الفلسطينية. عراقيون وسوريون وأكراد وغيرهم ممن سكنوا وتمددوا داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان. ناهيك عن ان مخيم البارد هو سوق المنطقة, وهو متصل بالسكن اللبناني عبر طريقه العام الذي يشكل طريقاً عاماً يربط مدينة طرابلس بمناطق عكار.

هذا لا يعني أن لا نسق اجتماعياً عاماً للسكان, فهم كما سكان مخيمات لبنان أبناء مناطق الجليل, اي صفد وصفوري وسعسع واللوبية والخالصة والصفصاف وغيرها من قرى الجليل. والمخيم الذي يقيم فيه نحو 35 ألف لاجئ فلسطيني, انتج على مدى الـ55 عاماً التي مرت على إنشائه, إيقاعاً عمرانياً ومدنياً متقدماً إذا ما قيس بباقي مخيمات لبنان للاجئين الفلسطينيين, على ما في هذا الإيقاع من تداخلات وأخطاء.

صورة صدام حسين هي اكثر الصور انتشاراً في أنحاء المخيم وعلى منازله ومتاجره, ويبدو ان قضية إعدام صدام حسين على النحو الذي تمت فيه شكلت المحطة "العاطفية" الأخيرة للسكان كما هو الحال في الكثير من المخيمات الفلسطينية, ولهذا صلة أكيدة بالمزاج الذي يتيح قبول جماعة كـ"فتح الإسلام" أثير كلام كثير عن ارتباط عناصر منها في قضية "الجهاد" في العراق, من دون ان يعني هذا القبول تسهيلاً لقدوم هؤلاء أو تواطؤاً معهم. لكن مخيم نهر البارد المشرع اجتماعياً وأمنياً على محيطه اللبناني وغير اللبناني ما كان ليقاوم, قدوم مقاتلين جاؤوا في البداية بصفتهم مقاتلين في حركة "فتح الانتفاضة" ثم انقلبوا عليها في عملية ما زالت غامضة.

الشاب الجالس أمام محله على الطريق العام للمخيم يقول إن لهجات عناصر "فتح الإسلام" ليست فلسطينية, يقول إن لهجتهم "إسلامية" وهم قليلو الكلام مع سكان المخيم, والأرجح انهم مقلوّن في كلامهم منعاً لتحديد جنسياتهم, يتحدثون بالعربية الفصحى في معظم الأحيان, "لكن سوادهم الأعظم يرطن الفصحى بلهجة سورية". وعلى مسافة من مركز "صامد" حيث مقرهم الرئيس في المخيم وقفت سيارة عسكرية عليها رشاش متوسط وشاب ملثم, ثم حارس آخر على مدخل المعسكر تماماً لا يدقق كثيراً في العابرين القلائل من أمامه. انه اليوم الذي أعقب مقتل عنصر من "الجماعة" في اشتباك مع مسلحين مجهولين. التوتر بدا واضحاً على عناصر "فتح الإسلام". اضطراب في تعقب العابرين وفي التدقيق بالوجوه. قال الحارس ان "الشباب" متعبين بعد ان شيعوا قتيلهم, وهم الآن يأكلون, وان علينا انتظارهم دقائق ريثما يأتون.

غرفة الانتظار تتسع لعشرات الضيوف, وهي على ما يبدو عنق المعسكر من الناحية الجنوبية. والباب المفضي منها الى داخل المعسكر يكشف زاوية صغيرة من حرم مركز "صامد", ويبدو مما يكشفه انه مساحة مخصصة للتدريب, إذ يظهر منه شرائط أشواك حديدية من ذلك النوع الذي يستعمل للتدريب على الزحف. ثمة مطبخ صغير مجاور لقاعة الاستقبال المتواضعة, وتصل روائح الطعام والطهي الى القاعة مصحوبة بصوت الطباخ المتحدث مع زميل له بلهجة لبنانية. العابرون من غرفة الاستقبال الى داخل المعسكر معظمهم غير ملثم خلافاً لعناصر الحراسة في الخارج. الوجوه حائرة وأصحابها يحاولون إشاحتها دائماً. ثمة ما لا يدعو الى الاعتقاد بأن هؤلاء فرع لتنظيم "القاعدة" كما شاع في لبنان مؤخراً, فعناصر "القاعدة" الذين في السجون, ناهيك عن المعسكرات, اقل حيرة وتردداً من هؤلاء, ثم ان هذه اللحى غير المستنبتة على نحو ما يستنبت "القاعديون" لحاهم تشي بعدم احتراف هؤلاء المقاتلين "السلفية الجهادية" على رغم سعيهم إليها. لا شيء نهائياً, ولكنها انطباعات مشاهد فقط.

يحضر شاب يتحدث بلهجة سورية, ويعقبه آخر ملثم, فلسطيني على الأرجح, أو هو لبناني من الذين أطالوا إقامتهم في المخيمات الفلسطينية. جهود كبيرة بذلها الشاب الملثم ليضفي على حديثه قدراً من التماسك الذي يتحلى به شيوخ الدعوة السلفية, وهو كاد ينجح في ذلك لولا بعض التردد في دفع مخارج حروفه على نحو ما يدفعها محترفو "الدعوة" والكلام الإسلاميين.

المباني المحيطة بالمعسكر والتي من المفترض ان يكون عدد من مقاتلي "فتح الإسلام" استأجروا منازل فيها لعائلاتهم, لا حياة فيها. هي أشبه بمنازل غير مأهولة, أو منازل غادرها سكانها لتوهم. المنطقة وخلافاً لمناطق المخيم الأخرى, لا حياة فيها تقريباً. العابرون من أمام مركز "صامد" ومعظمهم فتية, يلقون تحية سريعة على الحارس ويتابعون سيرهم من دون ان يلتفتوا الى داخل المعسكر. عناصر مسلحة تخرج من المدخل الرئيس مستقلة دراجات نارية في اتجاه الأزقة المجاورة, ثم يعودون أدراجه بعد دقائق قليلة. القلق واضح على الجميع. الثقة منعدمة بين العابرين والمسلحين, هذا ما تُشعرك به إشارات كثيرة يطلقها الجميع في محيط معسكر "صامد".

منذ إعلان القوى الأمنية اللبنانية عن تورط جماعة "فتح الإسلام" في تفجيري "عين علق" في جبل لبنان والمخيم يعيش حالاً من الترقب, إذ شكل هذا الإعلان تعليقاً لدور المخيم الاقتصادي, وراحت القوى والفصائل تتداعى يومياً الى اجتماعات تبحث فيها احتمالات تعرض المخيم لهجوم من قبل الجيش اللبناني الذي عزز مواقعه في محيط المنطقة.

يقول أبو جابر مسؤول "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" ان حل قضية "فتح الإسلام" لن يكون عسكرياً, وإذا كان كذلك فإن الثمن سيكون حمام دم فعلي. ويضيف: "الجميع يعلم كيف وصل هؤلاء الشباب الى المخيم, والحل هو في عودتهم من حيث جاؤوا. وبصراحة هذه الظاهرة لها علاقة وطيدة بحركة "فتح الانتفاضة", وهؤلاء العناصر هم جزء من الحركة, والتحقت بهم مؤخراً جماعات لبنانية أخرى. وهذا ما يحدد احتمالات الحلول".

ويبدو أن حكاية إعلان "فتح الإسلام" عن نفسها في نهاية الشهر التاسع من العام الفائت والظروف التي أحاطت بهذا الإعلان تشكل من جديد مادة نقاش في المخيم. ففي ذلك التاريخ كان وجود شاكر العبسي وعدد من مقاتليه في معسكرات "فتح الانتفاضة" في المخيم وقبله في مخيمات لبنانية أخرى وجوداً طبيعياً الى ان حصل اشتباك في مخيم البداوي المجاور قتل فيه عناصر من "حركة فتح" وألقت القوى الأمنية اللبنانية القبض على عنصرين من "فتح الانتفاضة" كشفا عن وجود عناصر "إسلامية" في معسكرات "فتح الانتفاضة" وعن وجود خطط لضرب قوات "يونيفل" في جنوب لبنان. هذا الأمر دفع من جهة "فتح الانتفاضة" الى التبرؤ من هذه العناصر, ومن جهة أخرى دفع بشاكر العبسي الى الإعلان عن استقلاله بجماعته واحتلال مركز "فتح الانتفاضة" في مخيم البارد. المصادر الأمنية اللبنانية تؤكد علاقة "فتح الإسلام" بـ "فتح الانتفاضة"، وان حكاية الانشقاق واهية. وأوردت هذه المصادر الى "الحياة" وقائع تؤكد ارتباط شاكر العبسي ومساعديه بقيادة "فتح الانتفاضة"، منها ان معسكرات التدريب التابعة للحركة في البقاع وفي مخيمات برج البراجنة وشاتيلا (بيروت) هي التي استقبلت العبسي وجماعته عندما قدموا الى لبنان في شهر تموز (يوليو) من العام الفائت. وتشير المصادر الى ان مساعد العبسي ويدعى "أبو مدين" وهو سوري الجنسية هو الشخص الأول في الجماعة وليس شاكر العبسي. ولا تنفي المصادر وجود عناصر من جنسيات عربية مختلفة بين مقاتلي "فتح الإسلام" كما لا تنفي علاقة هذه الجماعة بـ "الجهاد" في العراق, ولكنها تشير الى ان إقحام هذه العناصر يهدف الى إخفاء هويتها الفعلية. فمعسكرات "فتح الانتفاضة" في مناطق حلوة وقوسايا في البقاع لطالما استقبلت مقاتلين من جنسيات مختلفة وأخضعتهم لدورات عسكرية, ثم أعيد توزيعهم بحسب الأدوار المناطة بهم. إذاً نحن هنا أمام نسخ مختلفة من "القاعدة"، او في منطقة تختلط فيها الوظائف "القاعدية" بـ "الأدوار الجهازاتية", ويحصل الأمر نفسه بالنسبة للعناصر المشاركة في هذه الأنشطة. فيتدرب اليمني او السعودي القادم لـ "الجهاد" في العراق مع الفلسطيني او السوري المنخرط في "فتح الانتفاضة".

تؤكد المصادر الأمنية اللبنانية ان وظيفة دفع عرب من جنسيات مختلفة الى "فتح الإسلام" الإيحاء بأن هذه جماعة "جهادية" عربية، وان أنشطتها مرتبطة ببرامج هذه الجماعات وليس بالنزاع الدائر في لبنان. وتدفع هذه الأجهزة بأدلة من التحقيقات التي أجريت مع السعوديين الموقوفين لديها من عناصر هذه الجماعة فتلفت الى اعتراف هؤلاء بأنهم جاؤوا الى لبنان موقتاً بصفته "ارض الرباط" و "ارض نصرة" بانتظار الذهاب الى ارض الجهاد في العراق ولكنهم وجدوا أنفسهم في مخيم نهر البارد من دون ان يلمسوا رغبة من أحد في إرسالهم الى العراق. وبعد ان طالت الإقامة في لبنان أرسل الشباب السعوديون بطلب شيخ لهم يستفتونه بقاءهم في لبنان, وهو الشيخ عبدالله البيشي الذي تقول المصادر انه قدم من إيران وأقام في معسكر "فتح الإسلام" لأيام لم يُفْتِ بعدها للشباب السعوديين بالبقاء في لبنان, وقرر العودة لكن الأجهزة الأمنية اللبنانية أوقفته في المطار, وكذلك أوقفت أربعة سعوديين غيره من جماعة "فتح الإسلام" كانوا يهمون بمغادرة لبنان.

ويبدو ان معسكرات التدريب في قوسايا وحلوة كانت جزءاً من شبكة إنتاج "المجاهدين" في السنوات الأخيرة, إذ يشير مشايخ طرابلسيون الى طلب عشرات الشباب الشمالي فتاوى منهم للالتحاق بدورات تدريب في هذه المعسكرات. ويقول الشيخ بلال بارود وهو سلفي وإمام "مسجد السلام" في طرابلس "قبل ان يطلقوا على أنفسهم اسم "فتح الإسلام" كانوا "فتح الانتفاضة", وكانت علاقتهم مع أبو خالد العملة, وكان الأخير يتصل بشباب من المنطقة من أجل تدريبهم في وادي فيسان قرب بريتال. وذهب شباب لبنانيون من منطقة التبانة الى هذه الدورات". حصل هذا قبل نحو سنة من إعلان "فتح الإسلام" عن نفسها. أما المصادر الأمنية اللبنانية فتقول إن المرحلة التي أعقبت وجودهم في معسكرات التدريب في البقاع شهدت نزولهم الى مخيمات بيروت وكان مخيم برج البراجنة مركز الاستقبال ومنه انتقلوا بعد حرب تموز الى الشمال. وتؤكد شخصيات إسلامية شمالية ان جماعة "فتح الإسلام" لم تكتف بالإقامة في المخيم بل سعت الى إيجاد نفوذ لها في الأوساط الإسلامية اللبنانية, ولتجنيد عدد من "أبناء الدعوة" اللبنانيين، وهي نجحت في ذلك في منطقة التبانة في طرابلس.

وكانت مخابرات الجيش اللبناني ألقت القبض على شاب يدعى خالد محمود وهو من "مجموعة الضنية" وارتبط بجماعة "فتح الإسلام" وحاول تفجير قنبلة بدورية الجيش اللبناني التي جاءت لاعتقاله.

ويبدو أن أوساط "الإسلاميين اللبنانيين" السنّة لم تستقبل بارتياح "فتح الإسلام" منذ الإعلان عنها, أو قبل هذا الإعلان بأشهر, ويقول الناطق الرسمي باسم "اللقاء الإسلامي المستقل" خالد ضاهر: "علمنا بقضيتهم قبل ان يعلنوا عن أنفسهم. كانوا من "فتح الانتفاضة", وقالت هذه الأخيرة انها تستفيد منهم وانهم ليسوا عناصرها, وهم قالوا شيئاً مشابهاً". وكان "اللقاء الإسلامي" أرسل وفداً من مشايخه لاستيضاحهم أهدافهم في شهر رمضان الفائت وعاد الوفد بانطباعات غير إيجابية اقلها ان هذه الجماعة تخطط لضرب "يونيفل". لكن خالد ضاهر وهو نائب سابق عن "الجماعة الإسلامية" انشق عنها يستبعد ارتباط هذه الجماعة بتنظيم "القاعدة" ويشير الى فروق بين أساليب العمل والتفكير بينهم وبين "القاعدة". أما الشيخ بلال بارود وهو ممن أوفدهم "اللقاء" للاجتماع بشاكر العبسي فيقول: "عندما اجتمعت بأبي حسين العبسي شعرت انه في وضع من لا يدري ماذا يفعل. ربما شعر انه استخدم بطريقة سيئة من جماعة "فتح الانتفاضة" ففسر غضبه بأن سيطر على مراكزها وأعلن راية "فتح الإسلام". وأنا عندما دخلت الى معسكرهم في نهر البارد فوجئت بعدد المسلحين وبضخامة المعسكر, فقلت له أنت عقيد ولكن هذا خطأ عسكري. أنت الآن مكشوف ومن الممكن استهدافك بسهولة, وأعطيته مثلاً عن جماعة "أنصار الإسلام" في كردستان وكيف قصف معسكرهم وقتلوا جميعاً في غارة واحدة".

حطت ظاهرة "فتح الإسلام" في مخيم نهر البارد بعد مسار متعرج في معسكرات التدريب والمخيمات الفلسطينية الأخرى. وتتنازع المخيم اليوم رغبة في الاستمرار بوظيفته الاقتصادية والاجتماعية التي يعيقها وجود هذه الجماعة في مناطق مختلفة منه, وانتماء لمزاج فلسطيني عام يرد على حال الخيبة والإحباط التي تنتابه بإعجاب خفي بهذه الجماعات الخارجة بحسب اعتقاده "عن نسق النظام العام في المنطقة". جولة صغيرة في مخيم البارد تعطيك الانطباعين مجتمعين. ازدهار التجارة والأعمال الى جانب تصدر شعارات "المقاومة" في العراق وفلسطين. وانفتاح المخيم الاجتماعي والاقتصادي على محيطه اللبناني والذي يشكل خروجاً عن حال مخيمات لبنان للاجئين الفلسطينيين, مهدد اليوم بمضاعفة الإجراءات الأمنية حوله. حال مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان المحاصر منذ اكثر من عشر سنوات تلوح مجدداً لسكان نهر البارد. بدأت مشكلة المخيم الأول عندما ظهرت جماعة "عصبة الأنصار" وشيئاً فشيئاً تحول المخيم الى منطقة معزولة أمنياً عن محيطها. فهل يكون ظهور "فتح الإسلام" بداية لعزل مخيم نهر البارد عن محيطه؟ أحد الشباب في المخيم قال إن صحافياً اجنبياً كتب اسم المخيم خطأ على هذا النحو: مخيم نهر عين البارد. الشاب لم يستبشر خيراً بهذا الخلط بين الاسمين, وقال بدأنا ننتظر واقعاً مشابهاً لذلك الذي يعيشه سكان مخيم عين الحلوة.


الناطق باسم "فتح الإسلام": لن نغادر المخيم

التقت "الحياة" الناطق الاعلامي باسم "فتح الاسلام" الذي أكد رفض عناصر التنظيم مغادرة مخيم نهر البارد. وهنا نص الأسئلة والاجابات في الحوار الموجز:

gt; ماذا جرى في الأمس وكيف قتل العنصر التابع لكم؟

- التحليلات الأولية: أخونا كان ذاهباً الى مكان تواجده، تعرض الى صلية استقرت في منطقة الحوض، وقطعت الشريان وأجريت له جراحة ووافته المنية. بوادر فتنة، كان يراد لها أن تأخذ مداها. نسأل الله أن يحفظ دماء المسلمين في هذا المخيم.

gt; إذا طلب منكم سكان المخيم مغادرته فهل ستفعلون؟

- قلنا دائماً ان هذه أرض الله يورثها لمن يشاء. لا نعترف بالحدود وهذه أرض مسلمين ونحن أحق بها.

ونقول إن الابتلاء شرط لازم لمن سار على هذا الطريق وانتهج هذا النهج. فمحمد (صلّى الله عليه وسلّم) لما أعلن الدعوة وصرح بـ "لا إله إلا الله" بين المشركين في مكة، عاداه الكل، ظل 3 سنوات محاصراً في شعب أبي طالب حتى فتح الله عليه... هذا الابتلاء شرط في هذا الطريق ونحن وطنا أنفسنا على تحمل المصاعب وعلى أكثر من هذا. ولكن هذا الأمر أصبح بديهياً ومعروفاً لدينا، ولكن نعمل على توصيل هذه الفكرة الى أهل المخيم. أي أنتم مبتلون وكل إنسان معرض الى الابتلاء. ولكن ما هي إلا لحظات حتى تنقشع هذه السحابة، ويبدو الفجر لكل ذي عين. نحن نقول هذا الضغط من قوى الأمن والجيش اللبناني لإحداث بلبلة داخل المخيم، ونقول انه ربما يراد أن تعاد أوراق المخيمات من جديد وهذا اول الغيث، ونطلب من أهل المخيم أن يكونوا على درجة من الوعي.

gt; هل هناك اتصالات مع فصائل المخيم الأخرى؟

- نحن نعتبر أن هناك مقاطعة من كل الفصائل لحركة "فتح الإسلام"، طبعاً المتابع يسمع البيانات التي صدرت من الفصائل بأنهم تبرأوا من "فتح الإسلام"، ولا مجال للحوار معها، هذا شأنهم، كان هناك اتصال من شيوخ وأئمة مساجد، جاؤوا وأتوا لرأب الصدع لوضع حل لهذه المشكلة.

gt; أنتم مصرّون أن لا علاقة لكم بمن قبض عليهم في حادثة عين علق؟

- تماماً، نحن قلنا ان هناك أخان لنا داخل السجون اللبنانية اعتقلا في حادث البداوي في 24-11-2006 غير ذلك لا معتقلين من بيننا.

gt; هل أنتم مستعدون لتسوية تنهي الوضع العالق بينكم وبين القوى الأمنية اللبنانية؟

- هذا أمر فضفاض وواسع. فلتطرح هذه التسوية ونرى كيف نعالجها.

gt; هناك من قال قد تكون التسوية بأن يعود عناصر "فتح الإسلام" من حيث أتوا؟

- إذا كان الأمر كذلك، فهذا كما يقال في المثل العربي "أبعد من بيض الأنوق" هذا لا يمكن أن نفكر به ولا يمكن أن نساوم عليه.

gt; ولكن ما هي التسوية التي ترونها؟

- قلنا إذا كانت هناك محكمة إسلامية وأعضاؤها من المسلمين فنحن جاهزون للمشاركة في هذه المحكمة، وغير ذلك فنحن غير مستعدين للمشاركة.

gt; بالنسبة الى حادثة مقتل عنصر من عناصركم، هل انتهت ذيولها؟

- بالنسبة إلينا انتهى الأمر، ونحن نبحث عمن افتعل هذا الأمر وسيعاقب، أما من ليس له جريرة في هذا الأمر فهو في حِلٍّ منا.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف