جريدة الجرائد

ذعر سوري حيال حل قضية شبعا والتقدم في تحقيقات براميرتز

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك



راغدة درغام

اللبنانيون الموالون لسورية الذين يدّعون الوطنية اللبنانية (...) مطالبون الآن، بأن يستنطقوا الحكومة السورية في شأن مناوراتها لتعطيل الانسحاب الاسرائيلي من مزارع شبعا كي لا توضع هذه المزارع رسميا ضمن السيادة اللبنانية. هؤلاء اللبنانيون مطالبون الآن بالتوقف عن البدع لإجهاض المحكمة الدولية لمحاكمة الضالعين في الاغتيالات السياسية لشخصيات لبنانية. وأولى الخطوات يجب ان تكون في إطلاق رئيس المجلس النيابي نبيه بري، سراح البرلمان لإبرام معاهدة انشاء المحكمة بدلاً من الالاعيب التي تفرغها من سلطاتها وتؤدي الى استبدالها بمحكمة هزيلة. فبدلاً من مزايدات رئيس المجلس النيابي على نظام محكمة فاوضت عليه السلطات القضائية اللبنانية مع الدائرة القانونية في الأمم المتحدة وصادق عليه مجلس الأمن الدولي، على بري ان يخرج مفتاح مبنى البرلمان من جيبه وان يسمح للعملية الدستورية بأن تأخذ مجراها، وإلا فإنه سيحاكم لبنانياً وأمام التاريخ لأنه يلعب دور القيادة في إجهاض العملية الديموقراطية اللبنانية طبقاً للدستور وفي اجهاض محاكمة الضالعين في عمليات ارهابية في بلاده واغتيالات سياسية لأبناء بلده. فالذي يمنع مسيرة العدالة والمحاكمة على أعمال ارهابية كهذه يصبح بدوره في موقع هش يعرضه للمحاسبة أمام القضاء وأمام التاريخ. وعلى بري أن يراجع مواقفه من المحكمة الدولية، ذلك لإن إحباط ابرام المعاهدة لن ينسف انشاء المحكمة وانما سيؤدي الى انشائها إلزاماً بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وهذا لا يعني ابداً، كما يدعي البعض، إما عن جهل أو تسييس متعمد، ان اللجوء الى الفصل السابع يعطي صلاحيات استخدام القوة العسكرية. هذا انطباع خاطئ مبني على معلومات خاطئة لا اساس لها من الصحة. فهناك فارق كبير بين انشاء محكمة بموجب الفصل السابع وبين اعطاء الدول صلاحية اتخاذ الاجراءات العسكرية بموجب هذا الفصل. ان المحكمة، منطقياً وعملياً، هي البديل عن العمل العسكري. الحكومة السورية اختلقت هذا الاسبوع بدعة أخرى في سلسلة مواقفها من مزارع شبعا المتميزة بالزئبقية والتي تفتقد التماسك، لأن أهدافها اساساً سياسية. فقبل أيام قليلة بعث السفير السوري لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري رسالة الى رئيس مجلس الأمن الدولي، تضمنت موقفاً جديداً لدمشق من مزارع شبعا جاء فيها:

"ان موضوع ترسيم الحدود بين سورية ولبنان هو شأن ثنائي ويتعلق بسيادة الدول، ويتم حله بالاتفاق بين الحكومتين السورية واللبنانية، أما في ما يخص مزارع شبعا، فإننا نؤكد على موقفنا بضرورة انسحاب اسرائيل منها على ان يتم ترسيم حدودها بعد انسحاب اسرائيل التام من الجولان السوري المحتل".

هذه أول مرة تتسلم فيها الأمم المتحدة موقفاً من دمشق يربط بين ترسيم حدود مزارع شبعا الواقعة بين لبنان وسورية بالانسحاب الاسرائيلي "التام من الجولان السوري المحتل". أي ان الحكومة السورية تتراجع الآن عن ادعاءاتها السابقة بأن مزارع شبعا لبنانية والتي اقترنت بحجبها الوثائق التي تدعم هذا الادعاء عن الأمم المتحدة. فباستثناء مذكرة الى الأمم المتحدة قالت فيها دمشق ان هذه المزارع لبنانية، رفضت الحكومة السورية تسليم الوثائق التي تثبت لبنانية مزارع شبعا، لكنها ثابرت في إطلاق التصريحات للمسؤولين السوريين التي أكدت لبنانية المزارع تبريراً لاستمرار مقاومة "حزب الله" من الأراضي اللبنانية ضد اسرائيل.

ما تبين لدمشق أخيرا هو انها ارتكبت خطأً تقنياً سيؤدي الى اعتبار مزارع شبعا رسمياً أراضي لبنانية حال انسحاب اسرائيل منها. لذلك أصاب السياسة السورية الذعر، فأسرعت الى موقفها الجديد الذي يرفض تعريف ما إذا كانت مزارع شبعا لبنانية أو سورية إلا بعد انسحاب اسرائيل "التام من الجولان".

ذعر دمشق فضحها ويفضح معها الأطراف اللبنانية الموالية لها على حساب لبنان الذي ترتهنه هذه الأطراف وتقدم أهله قرباناً تحت ذريعة تحرير مزارع شبعا بوصفها أراضي لبنانية.

فعندما أدركت الحكومة السورية ان تصريحاتها العلنية حول موقع مزارع شبعا، بحسب القانون الدولي، ستسفر عن واقع قانوني جديد لهذه المزارع يجعلها لبنانية، اسرعت دمشق الى احباط أي انسحاب اسرائيلي وعرقلته لسببين رئيسيين هما: أولاً، انها تريد هذه المزارع لها ولا تنوي اطلاقاً إعادتها الى لبنان. وثانياً، انها استخدمت مسألة مزارع شبعا بهدف تجيير المقاومة اللبنانية لتعطيل تعافي لبنان الحقيقي على اساس خلاصه من الاحتلال الاسرائيلي تنفيذاً للقرار 425.

فليقل لنا "حزب الله" الآن إذا كان يوافق دمشق على ارتهان لبنان الى حين انسحاب اسرائيل التام من الجولان. ليقل لنا السيد حسن نصرالله، الأمين العام لـ "حزب الله"، إذا كانت مزارع شبعا لبنانية أم سورية. فإذا كانت لبنانية في رأيه، فالرجاء منه ان يطلب من الحكومة السورية التراجع عن رفض ترسيم حدود شبعا الى ما بعد انسحاب اسرائيل من الجولان السورية. وإذا وافق نصرالله على ربط مزارع شبعا بالجولان السوري، ليرحم لبنان من مهمة المقاومة بالنيابة عن سورية، فيما سورية ترفض اطلاق رصاصة واحدة عبر الجبهة السورية - الاسرائيلية الممتدة على حدود طويلة وآمنة والتي وصفتها كل تقارير الأمم المتحدة بأنها "هادئة".

هذه ليست مسألة نقاش اكاديمي. انها مسألة في اساس وجود "حزب الله" وفي اساس ذرائع "المقاومة" التي يرفعها في وجه اللبنانيين. الأمم المتحدة رسمت "الخط الازرق" الذي وضع مزارع شبعا ضمن الأراضي السورية وأخضع المفاوضات على إنهاء الاحتلال الاسرائيلي لها للقرارين 242 و338 المعنيين بالنزاع السوري - الاسرائيلي.

اما النزاع اللبناني - الاسرائيلي فيحكمه القرار 425، فإذا كانت الأمم المتحدة قد وضعت مزارع شبعا ضمن الاراضي السورية المحتلة طبقاً لما توفر لديها من معلومات - خاطئة أو صحيحة - حينذاك، فإنها قادرة الآن على تحريك "الخط الأزرق" بما يضع مزارع شبعا في الأراضي اللبنانية، حينما تتوافر الوثائق والوقائع لإحداث التغيير. بعض هذه الوقائق يعثر عليه خبير المسح الجغرافي الذي كلفته الأمم المتحدة بهذه المهمة والذي سينتهي منها في حزيران (يونيو) المقبل، كما جاء في تقرير الأمين العام الى مجلس الأمن حول تنفيذ القرار 1701 وبعض الوقائع له علاقة بتصريحات علنية متكررة للمسؤولين السوريين حول مزارع شبعا أدخلت عنصراً قانونياً جديداً الى ملكية المزارع ومستقبل السيادة عليها.

لذلك ذُعرت دمشق. ذُعرت لأن هناك مؤشرات على استعداد اسرائيلي للانسحاب من مزارع شبعا، وهناك جهود عربية ودولية تبذل لهذا الهدف، تنتهي بوضع المزارع تحت رعاية الأمم المتحدة ليتقرر عند ترسيم الحدود اللبنانية - السورية موقعها القانون والسيادي. ذعرت دمشق لأن الانسحاب الاسرائيلي من مزارع شبعا تحت هذه الظروف يعني اعادة هذه الاراضي الى لبنان عملياً، وليس الى سورية.

خلاصة موقف دمشق الجديد هو انها لا تريد إنهاء احتلال اسرائيل لمزارع شبعا. كما تعارض طرح الحكومة اللبنانية بأن توضع المزارع تحت وصاية دولية بعد الانسحاب الاسرائيلي، لأن دمشق ترى ان الانسحاب الاسرائيلي من شبعا يزيل أي شرعية عن مزاعم "حزب الله" بالمقاومة لتحريرها من الاحتلال الاسرائيلي. ودمشق تدعم "حزب الله" بهدف تقويض الدولة اللبنانية المستقلة ومن أجل اسقاط الحكومة اللبنانية المنتخبة والمدعومة دولياً، فيما النظام السوري في عزلة.

رسالة الحكومة السورية الى رئيس مجلس الأمن رسالة تعكس ناحية من الذعر الذي يصيب الحكومة السورية بسبب لبنان. هذه الرسالة ردت على تقرير الأمين العام بان كي مون حول تنفيذ القرار 1701 وبالذات حول الحدود اللبنانية - السورية. الأمين العام الجديد قال: "أود ان أكرر الدعوة العاجلة للحكومة السورية والى لبنان كي يتخذا الخطوات الضرورية لترسيم الحدود المشتركة بينهما تطبيقاً للقرارات 1559 و1680 و1701".

رد سورية هو ان ترسيم الحدود "شأن ثنائي ويتعلق بسيادة الدول ويتم حله بالاتفاق بين الحكومتين السورية واللبنانية"، انما عندما تريد احدى الحكومتين ترسيم هذه الحدود لأن في هذا الترسيم انقاذاً لبلادها من الاحتلال والاستغلال والاستخدام وتلاقي رفض الحكومة الأخرى للترسيم بحجة وذريعة وبدعة تلو الأخرى، يخرج "الشأن" من الخانة "الثنائية". ففي موقف سورية من ترسيم الحدود تحد سافر لقرارات الشرعية الدولية. أما مسألة ضبط الحدود اللبنانية - السورية لمنع تسريب الاسلحة عبرها، فإنها كذلك حسب ادعاء سورية في رسالة الذعر ذاتها، مسألة ثنائية تخضع للجنة ثنائية ولا علاقة لها بقرار دولي فرض الزاماً حظر تهريب الاسلحة عبرها. هذا ما يسمى بدفن الرأس في الرمال لأن هناك أدلة على تهريب سورية للسلاح، وانتهاكاً للقرار 1701 الذي يحظر تهريب السلاح الى "حزب الله" أو اي ميليشيات أخرى، لبنانية أو فلسطينية أو غيرها من الميليشيات العاملة في لبنان. ودمشق مصابة بالذعر لأن تقرير بان كي مون الى مجلس الأمن اقترح عليه ايفاد "بعثة تقويم عسكرية" للتأكد من انباء تسريب الاسلحة واقترح عليه ايضاً النظر في "مراقبة" دولية للحدود اللبنانية - السورية.

ذعر دمشق الاكبر يأتي من المحكمة الدولية، ولذلك جاء الرئيس السوري بشار الاسد ببدعة أخرى، سبق وحاول تسويقها سابقاً فحواها اجراء محاكمة "محلية" لأي مسؤول متهم بالتواطؤ في العملية الارهابية التي اسفرت عن اغتيال رئيس حكومة لبنان السابق رفيق الحريري ورفاقه وفي اغتيالات سياسية أخرى باعتبار الضلوع في هذه الأعمال "خيانة". هذه حقاً تحفة البدع المتواصلة من دمشق لإجهاض المحكمة الدولية لمحاكمة الضالعين في هذه الجرائم الارهابية.

التحفة الأخرى هي ما جاء على لسان الرئيس بشار الاسد حول المحكمة في حديثه الى صحيفة "الجزيرة" السعودية بأن سورية "غير معنية" بالمحكمة، وهذه "مشكلة لبنانية بالدرجة الأولى"، بمعنى ان هناك أطرافاً أساسية في المعادلة اللبنانية ترفض هذه المسودة (مسودة نظام المحكمة الاساسي) التي تعتبر انتقاصاً من السيادة اللبنانية. وفي الوقت نفسه تعد أداة خارجية للتدخل في الشؤون الداخلية وللانتقام السياسي من أطراف لا تسير في اتجاه معين".

هذا كلام مذهل لأنه يوضح من يقوم بتسييس هذه المحكمة. مذهل لأن الرئيس السوري أوضح فيه رفضه اخضاع أي مواطن سوري لمحكمة ذات طابع دولي، إذ ان "اي مواطن سوري يخضع لسلطة القانون"، فيما مسودة المحكمة تخضع لـ "خلاف" بين اللبنانيين أنفسهم. مذهل لأن بشار الأسد حمّل قادة عدة، بينهم رئيس وزراء تركيا، رسالته الاساسية حول المحكمة التي تنطوي على رفضه القاطع للبند الذي يحمل المسؤولية للرئيس وليس فقط للمرؤوس الذي نفذ تعليمات ارتكاب هذه الجرائم الارهابية وكذلك البند الذي يشير الى الترابط النمطي بين اغتيال الحريري والاغتيالات الاخرى التي حدثت مما يجعلها جرائم ضد الانسانية.

بدعة التظاهر بأن دمشق "غير معنية" لا يضاهيها سوى تسويق رئيس البرلمان اللبناني لها في مواقف توصل الى ذروة الذهول. نبيه بري هو المسؤول الأول عن تقويض السلطات القضائية اللبنانية وعن محاولة ضرب صدقية هذه السلطات في الساحة الدولية. فمسودة المحكمة جاءت بعد مفاوضات استمرت لأكثر من سنة بين القضاة اللبنانيين وبين قضاة دوليين وخبراء الدائرة القانونية في الأمم المتحدة.

فليكف رئيس البرلمان عن مهزلة تشكيل "لجنة" من 4 أشخاص "مناصفة بين الموالاة والمعارضة، ولكل فريق قانوني ممثلوه، مهمتهم درس مشروعي المحكمة والحكومة، انما تبدأ بدراسة مشروع المحكمة حتى الاتفاق عليه، وعند الفراغ منه توقع عليه"، ليكون بديلاً لنظام المحكمة الذي فاوض عليه القضاة وخبراء القانون اللبنانيون والدوليون وأقرته الحكومة اللبنانية ومجلس الأمن الدولي. هذه مهزلة لأن الجميع يعرف ايضاً ان نبيه بري هو الرجل الذي يرفض فتح أبواب البرلمان كي تقوم اكثرية النواب بإبرام معاهدة انشاء المحكمة. انه الرجل الذي يقول "قد أكون أخالف القانون دولياً لكنني لم أخالف الدستور ولن، وفي امكاني ان اعقد جلسة لكني بعد الذي فعلوه (توجه النواب الى البرلمان في محاولة الاحتجاج على عدم انعقاده) سأبعد تاريخ عقدها".

وعندما يصدر مثل هذا الكلام عن رئيس المجلس النيابي الذي يرفض السماح للنواب بعقد جلسة للمصادقة على معاهدة دولية تنشئ محكمة لمحاكمة الضالعين في اغتيالات سياسية في بلاده، يصبح لا مفر من فرض المحكمة من قبل مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاقه بدلاً من محكمة هزيلة تخضع لمقايضات سياسية. فإنشاء المحكمة بموجب الفصل السابع ليس ابداً مفتاح التدخل العسكري وتقويض السيادة اللبنانية وانما العكس تماماً، انه مفتاح السيادة والعدالة والمحاكمات الضرورية للاغتيالات السياسية الارهابية. فالقاضي سيرج براميرتز يعرف الآن الحقيقة وفي حوزته آلاف الأدلة والوثائق التي تمكن الادعاء من توجيه إدانات أمام المحكمة الآتية قريباً ليس على حساب لبنان وانما لإنقاذه أخيراً.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف