شيراك لم يفعل شيئا سوى دعم المزارعين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إرث محدود يتركه "البلدوزر" الفرنسي
مارتين ارنولد - الفايننشال تايمز
قلة من الساسة هم الذين يستطيعون أن يربتوا على ظهر بقرة شاعرين بأي شيء يشبه سعادة جاك شيراك. ولذلك، يبدو ملائماً تماماً أن آخر ظهورين علنيين للرئيس الفرنسي جاك شيراك قبل قراره الذي أعلنه يوم الحادي عشر من آذار الحالي عدم خوض معركة الرئاسة الفرنسية في وقت لاحق هذه السنة، كانا ظهوره في معرض باريس الزراعي، وفي قمة أوروبية في بروكسيل، موقع المعارك الكثيرة التي خاضها في السابق مدافعاً عن المساعدات الحكومية الفرنسية للقطاع الزراعي.
ارتباط شيراك، وعلى نحو يشبه وجود حبل سري يصله بمزارعي بلاده طيلة حياته السياسية التي اشتملت على فترة قضاها وزيراً للزراعة، يعني انه يستطيع التعويل عليهم على الأقل في أن يلفهم الحزن وقد أفل عهد شيراك.
ومع ذلك، يظل باب النقاش مفتوحاً على مصراعيه حول المدى الذي سيتم به تقاسم تلك المشاعر. ولعل من المؤكد ان يتنفس اعداؤه السياسيون الكثر في فرنسا الصعداء, وكذلك حال اولئك في واشنطن ولندن ممن لا يزالون يحسون بالألم من معارضته لغزو العراق, شأنهم شأن رجال الاعمال البارزين الذين لم يمحضهم ثقته.
خارج فرنسا, يشرب العديدون نخب مغادرة الرئيس الفرنسي البالغ من العمر 74 عاماً، والذي يتندر الناس بتساؤله المشهود ذات مرة عن مارغريت تاتشر، حيث قال "ولكن، ماذا تريد مني بعد، ربة المنزل هذه? خصيتيّ على طبق?". في إشارة إلى المعركة الجارحة التي دارت بينه وبين رئيسة الحكومة البريطانية السابقة في بروكسل.
لقبه معلمه الأول جورج بومبيدو "البلدوزر"، فغدا ظل السيد شيراك يخيم بشكل أكبر على السياسة الفرنسية منذ تعيينه وزير دولة في عهد الرئيس الراحل شارل ديغول عام 1967. وقد تولى رئاسة الحكومة مرتين وتبوأ منصب عمدة باريس لثماني عشرة سنة وخاض انتخابات الرئاسة الفرنسية اربع مرات.
اذهل شيراك انداده بسلسلة من الحودات المدهشة التي توجت بنصرين انتخابيين في عامي 1995 و 2002، قالبا موازين كل التكهنات حول احتمال أفوله. لكنه بدا وكأنه وجد نظيره في نيكولاس ساركوزي, تلميذه الذي تحول الى منافسه, والذي استغل سيطرة حزب شيراك الحاكم في عام 2004 فاستغله ليكون عربته الانتخابية الشخصية.
إلى ذلك, تعهد ساركوزي والمرشحان الرئاسيان الآخران سيغولين روايال وفرانسوا بايرو بالخروج على تقاليد حقبة شيراك، واعدين بقلب التراجع الاقتصادي الذي شهد انزلاق فرنسا من المرتبة الخامسة الى المرتبة الثالثة عشرة من حيث دخل الفرد خلال سني حكمه الاثنتي عشرة.
وكان اي تعلق بأهداب أمل ترشيح السيد شيراك لفترة رئاسية ثالثة قد انتهى فعليا عندما وجه الفرنسيون صفعة مدوية له بتصويتهم خلال الاستفتاء الذي جرى في عام 2005 بـ "لا" ضد معاهدة دستور الاتحاد الأوروبي.
كانت الأشهر الاثنا عشر التي تلت الاستفتاء المذكور، بما فيها الفترة التي امضاها في المستشفى بسبب اشتباه بإصابته بجلطة دماغية خفيفة، سوية مع حوادث الشغب التي اندلعت في الضواحي الفقيرة للمهاجرين والاحتجاجات على قانون العمل الشبابي سيئ السمعة هي ما ختم به شيراك أقداره.
في الحادي عشر من الشهر الحالي، شرح شيراك كيف انه حاول بدأب مساعدة فرنسا في احتلال مكانها الملائم في عالم معولم. لكن ما كان بنفس الأهمية ما لم يقله شيراك، وهو انه لا يقدم أي دعم للسيد ساركوزي. وقد لخص السيد ساركوزي علاقتهما الصعبة خلال وصفه القاطع واللاذع للرئيس مؤخراً حيث قال "يعتقد المرء بان جاك شيراك جد أحمق وجد طيب. لكنه في الحقيقة جدّ ذكي وشديد المكر".
اما بالنسبة لارثه, فان معظم المحللين يتفقون على ان "الشيراكية" لم تفعل الكثير باستثناء دعم المزارعين. وبوصفه انتهازياً أزلياً، فقد كان دائم التقلب إزاء العديد من القضايا الكبيرة، بما في ذلك توسيع الاتحاد الاوروبي ورأسمالية السوق الحرة، واليورو، واسبوع العمل الذي يتكون من 35 ساعة. وكان قد وعد الناخبين في عام 1995 بوضع حد لما أسماه "المجتمع المتشظي". لكن نسبة البطالة ظلت مرتفعة بين العمال غير المهرة، كما ان هناك جالية اسلامية مهاجرة ظلت، وعلى نحو بائس، غير مندمجة في المجتمع.
وقال فرانز اوليفيير غايسبيرت في كتابه "مأساة الرئيس"، أحد الكتب الأكثر مبيعاً، "هناك لعنة شيراك. وهي نوع من عدم الاهلية للحكم، والتي ستفضي به, آجلا او عاجلا, الى قلب البلد ضده".
ومع ذلك, فمنتقدوه يعترفون بانه فعل بعض الاشياء الصائبة. وهو يحظى بالإطراء على نطاق واسع لاعترافه بمسؤولية فرنسا عن ابعاد اليهود خلال الاحتلال الالماني في الحرب العالمية الثانية. كما أنه قاد "أوروبا القديمة" عام 2003 في معارضة غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة، وحذر من مخاطر المواقف الأميركية الاحادية.
يجسد السيد شيراك, وبطرق عديدة, مفارقة فرنسية نموذجية. ذلك ان صورته العامة هي لزير نساء يستمتع بشرب جعة كورونا وبأكل رأس العجل, لكنه خبير، وبشكل خاص، في شِعر الشرق الاقصى، وهو جامع للتحف النادرة وداعم للثقافات الاصيلة.
وأخيرا كشف في ترجمة سيرته الذاتية المليئة بالاطراء له من وضع "بيير بان" بعنوان "غريب الاليزيه" كيف ان مرض فقدان كبرى بناته شهيتها للطعام كان "مأساة حياته". ويشير تحول أخير في استطلاعات الرأي العام الفرنسي على ان ابناء الشعب الفرنسي باتوا يعودون أكثر دفئاً تجاه قائدهم الطويل اللطيف وهو على أعتاب تقاعده. وهذا يعزز الشعور بأن ثمة القليل من الرغبة بين صفوف الفرنسيين في رؤيته يمثل أمام المحكمة, عندما يفقد الحصانة, بسبب اتهامات فساد في تمويل الحزب تعود الى الايام التي كان فيها عمدة لباريس.
أما ما يتبقى من سجل شيراك - بالنسبة لأولئك الذين يحطون من قدره - فهو احساس بالفرص الضائعة. وسيترك حذره من إجراء الاصلاحات لخلفه بلدا يعاني نسبة عالية من البطالة، ويناضل من أجل دمج سكانه المهاجرين الكثيرين، ويسوده نظام اقتصادي متراجع تهيمن عليه الدولة ولا يواكب باقي دول أوروبا وغير مستعد للمنافسة في عالم معولم. وكما قال دومينيك كان، وزير المالية الاشتراكي السابق في ولاية شيراك الاولى: "يمتلك شيراك مزايا لقهر السلطة اكثر مما يمتلك من مزايا لممارستها".