قمة الرياض... المقايضة الكبرى وزمام المبادرة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الأحد 25 مارس 2007
خالد الحروب
تطورات الأوضاع الإقليمية والعربية والدولية والفلسطينية الأخيرة، باتت توفر فرصاً لابد من استثمارها إزاء الإمساك بزمام المبادرة عربياً وفلسطينياً. الطرف الإسرائيلي وحليفه الأميركي وعلى إيقاع قائمة مهمة من الفشل المتنوع، صارا في الموقع الأضعف سياسياً ودبلوماسياً. تُضاف إلى الفشل المتعدد الجوانب, الأميركي والإسرائيلي, تخوفات الدول العربية من تصاعد القوة الإيرانية الإقليمية وامتداداتها بما يدفع بها نحو سياسة أكثر نشاطاً وعلى أكثر من جبهة, الأمر الذي يلتقي مع التخوفات الأميركية أيضاً. النجاح في تشكيل حكومة الوحدة الفلسطينية وبرعاية سعودية في "اتفاق مكة", ثم بداية تفكك الحصار الغربي على الفلسطينيين, والابتعاد التدريجي للموقف الأوروبي عن الموقف الأميركي, ذلك كله ألقى الكرة بعيداً عن الملعب العربي والفلسطيني.
ولجهة الفشل الأميركي والإسرائيلي المُشكل للأرضية الإقليمية لفرصة التقدم دبلوماسياً على الصعيد العربي، تبدو الصورة كما يلي: الولايات المتحدة ما تزال تغرق في مستنقع الفشل العراقي، وتتخبط قراراتها بشأن البقاء أم الانسحاب, والرأي العام الأميركي يزداد نقمة على فكرة الغزو كلها، وقد صارت تتبدى له تفاصيلها ودوافعها الأصيلة. لكن يظل القلق الأكثر إلحاحاً حالياً هو خطر النفوذ الإيراني وتعاظم قوته, الأمر الذي ضاعف من إرباك السياسة الأميركية، التي لا تستطيع خوض حرب جديدة ضد إيران وفتح جبهة إضافية لا تعلم كيف تنهيها ومدى تدميرها الإضافي للمنطقة برمتها, كما لا تستطيع وقف المشروع النووي الإيراني بأية وسائل أخرى. مع الفلسطينيين فشلت الولايات المتحدة في إسقاط حكومة "حماس"، رغم أن هذا الإسقاط صار الهدف الأول للسياسة الأميركية الخاصة بالفلسطينيين ومباشرة عشية الإعلان عن فوز "حماس" في الانتخابات في يناير 2006. مع سوريا فشلت الولايات المتحدة في فرض رؤيتها، وفي التأثير على النظام القائم هناك, بعد فشلها غير المباشر مع إسرائيل في حرب الصيف الماضي ضد "حزب الله".
إسرائيل فشلت هي الأخرى أيضاً في كسر إرادة الفلسطينيين خلال العام الماضي، رغم كل أنواع الحصار الذي مارسته عليهم. وهي كانت قد فشلت في مشروع الانسحاب الأحادي, وصارت السياسة الإسرائيلية فاقدة لبوصلتها خاصة مع تشكل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية وتخلخل الحصار الدولي على الفلسطينيين. ذلك كله على خلفية شبه هزيمة عسكرية في لبنان وتردٍّ في المعنويات السياسية على مستوى القيادة والحكومة, معطوفاً على ذلك سلسلة من الفضائح الأخلاقية المنهكة. بيد أن الارتباك الإسرائيلي يبلغ الآن ذروته مع عودة الحديث الجدي عن المبادرة العربية, والدور السعودي المتعاظم في السياسة الإقليمية. والذي يقلق الطرف الإسرائيلي أن هذا الدور ينشط من دون أن تكون هناك معارضة أميركية له. وهنا فإن المخاوف الإسرائيلية تأتي من أن الضوء الأخضر الأميركي لدور عربي أكثر نشاطاً في مواجهتها، قد يقود إلى تبلور موقف عربي أكثر صلابة وتوحداً لدعم الفلسطينيين. والأمر المؤكد في هذا السياق هو أن السياسة الأميركية نفسها قد تغيرت في الأشهر الأخيرة بشأن مركزية الملف الفلسطيني. فبعد أن حاولت تلك السياسة دفع ذلك الملف إلى درجة هامشية مقدمة عليه الملف العراقي وملف "نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط" و"محاربة الإرهاب", عادت دورة السياسة الواقعية على الأرض لتفرض منطقها على الإدارة الأميركية، ولتؤكد على أنه من دون إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، فإنه لن يتحقق أمن واستقرار المنطقة وبلدانها والمصالح الغربية فيها.
على تلك الخلفية، فإنه من المفترض أن تتيح قمة الرياض فرصة لربط تلك العناصر الإقليمية ببعضها بعضاً وصياغة مواقف عربية موحدة إزاء القضايا الرئيسية من منطلق المصالح العربية المشتركة, وليس منطلق مجاملة الموقف الأميركي وأخذه في الاعتبار الأول. الهم الأميركي الكبير في المنطقة الآن هو تطور قوة ونفوذ إيران, ومن دون أن يكون الاعتماد على العرب، فإن الولايات المتحدة لن تستطيع فعل الشيء الكثير لتحجيم ذلك النفوذ. من هذه الزاوية يمتلك العرب ورقة ضغط قوية تقول إن النفوذ الإيراني في المنطقة تعاظم نتيجة فشل السياسة الأميركية والدولية في الوصول إلى حل عادل ومنصف للقضية الفلسطينية. وأن هذا الحل هو مفتاح تفكيك المشكلات في الشرق الأوسط, وهو ما يجب أن يُفرض على الولايات المتحدة برسم التطبيق والضغط على إسرائيل.
لا يمكن لأي موقف عربي أو غير عربي أن يحد من النفوذ الإيراني ما دام الملف الفلسطيني مشتعلاً والحقوق الفلسطينية غير متحققة. إيران ستظل تستثمر هذا الوضع وتعزز شعبيتها ونفوذها. إذا تمكن العرب في قمة الرياض من التوصل إلى "اتفاق مكة" آخر على المستوى العربي يربط بين الملفين الإيراني والفلسطيني، فإنهم يخرجون بصورة وموقع وموقف قوي أمام الولايات المتحدة وإسرائيل. موقف قاعدته الدبلوماسية تعزيز المبادرة العربية والهجوم بها, وليس طرحها على سبيل التعذر ومن دون خلق آليات لترويجها دولياً وأميركياً وأوروبياً. يكفي أن نذكر أن الموقف الأوروبي على سبيل المثال شبه جاهز للتعامل الجدي مع المبادرة, ويمكن الانطلاق بتشكيل موقف عربي- أوروبي موحد يشكل بداية الإمساك بزمام المبادرة. مثل هذا الموقف سيكون شقيقاً للموقف الذي خرج به الفلسطينيون بعد "اتفاق مكة" وتوحدهم في حكومة وحدة وطنية.
أما إيران والموقف منها في القمة المنتظرة، فهناك أكثر من عنصر. في المقدمة يأتي التأكيد على رفض أي حل عسكري للأزمة بينها وبين الولايات المتحدة, لأن أي حرب جديدة ستجلب معها دماراً إضافياً، وهذه المرة أقرب إلى دول الخليج خاصة مع وجود تهديدات إيرانية باستهداف مصالح أميركية "في كل المنطقة". العنصر الثاني تأييد استخدام إيران للطاقة النووية سلمياً لكن رفض تطويرها لأي سلاح نووي وربط هذا الرفض بموقف عربي سابق إزاء الدعوة لأن يكون الشرق الأوسط خالياً من السلاح النووي, أي رفض امتلاك إسرائيل له أيضاً. إيران النووية تعني وضع المنطقة كلها على شفير هاوية كارثية في حال اندلاع أي صراع يتم فيه استخدام السلاح النووي. كما يعني انهياراً كبيراً لموازين القوى في المنطقة, وسيطرة ونفوذ إيران على منطقة الخليج, هكذا ومن دون مجاملات دبلوماسية.
وبلورة أي موقف عربي موحد إزاء الملف النووي الإيراني يخدم أولاً المصلحة العربية, لكنه ثانياً يجب أن يقدم على سبيل المقايضة مع موقف أميركي قابل للمبادرة العربية ومتبنٍّ لها. ومن جهة إيران نفسها هناك أمران: الأول هو أنها لم تستطع لحد الآن ورغم مرور سنوات طويلة على هذا "الطلب" من قبل العرب، أن تصوغ سياسة أمن إقليمي ودبلوماسية مطمئنة للدول العربية المجاورة وخاصة في الخليج. وهي دفعت بالتخوفات العربية والخليجية إزاء حقيقة المطامح الإيرانية في المنطقة إلى حدها الأقصى. ولهذا لا تستطيع أن تتوقع من دول المنطقة أن تكون المصلحة الخاصة بها مجتمعة هي بوصلة صوغ سياستها الإقليمية، حتى لو تعارضت تلك المصلحة مع المصلحة الإيرانية القومية. الأمر الثاني متعلق بموقف وسياسة إيران من القضية الفلسطينية. فهنا من المفترض أن تكون السياسة الإيرانية المؤيدة للحقوق الفلسطينية راضية عن الإنجاز العربي في فرض المبادرة العربية على الأجندة الدولية والأميركية لأنها موقف موحد وعملي ومحرج للآخرين وقابل للحياة الدبلوماسية. بمعنى آخر ستكون "المقايضة الكبرى" في النجاح بترويج المبادرة العربية مقابل موقف عربي متحفظ على إيران النووية في صالح الفلسطينيين في نهاية الأمر, الأمر الذي يجب ألا يقلق الإيرانيين في نهاية المطاف، لأن المصلحة الفلسطينية هي ما يريدونه أيضاً, أو على الأقل هذا ما يتم ترديده في الخطاب الإيراني.