الجيش الأميركي بعد العراق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
افتتاحية - نيويورك تايمز
لا تحتاج لكثير عناء حتى تتلمس الضرر الفادح الذي ألحقته ادارة بوش بالجيش الأميركي جراء سوء ادارتها للنزاع في العراق. ولك أن تتأمل الذين يحيكون المبررات الأخلاقية لمرتكبي المخالفات العنيفة من أجل الإيفاء بأهداف حملة التجنيد، أو ذلك الدوران السريع للوحدات المجهدة العائدة لتوها من ميدان المعركة، او حالات النقص المعيبة في دروع الحماية لدى القوات، او تحذيرات الجنرالات من الافتقار إلى قوات كافية متوفرة لإدامة مستويات زخم القوات لأكثر من بضعة اشهر.
إن إضافة سبعة آلاف جندي كل سنة، كما يقترح الرئيس بوش الآن، سيرفع إجمالي عديد القوات الاميركية في العراق الى 547.000 جندي مع حلول العام 2012. وربما سيساعد ذلك، لكنه لن يساعد كثيرا، ولن يساعد العراق نفسه على الاطلاق. ذلك أن القوات الاميركية المشكلة كلها من المتطوعين لم يخطط لها ببساطة لأن تُنشر بالطريقة التي تم نشرها بها في السنوات القليلة الماضية، أي من جانب واحد، ولأجل غير مسمى، وبأقصى قوة وسط أتون حرب اهلية مستعرة.
من المفهوم ان الخروج من العراق دون ان يلحق أذى بالقوات الاميركية وصدقيتها ومصالحها الاقليمية قد بات الآن أهم اهتمامات الأمة الاميركية. لكنّ دروساً مهمة ينبغي تعلمها في الغضون من هذه الحرب غير الضرورية التي تدار بطريقة خرقاء مرعبة، والتي باتت تحقيق النصر فيها الآن أمراً غير قابل للتحقيق.
الدرس الأول، هو الأهمية البالغة والتي لا تنتهي للقوات على الأرض، في عالم تكهن مخططو الدفاع بأنه سيدور حول التسلل وحرب النجوم والاقمار الاصطناعية وقوات العمليات الخاصة المرسلة لإنجاز مهمات سريعة. وقد بتنا ندرك الآن أن الأعداء المتمترسين في الكهوف وفي الأكواخ الحضرية يمكن لهم ان يكونوا بمثل خطر اولئك الأعداء القابعين خلف متاريس وزارة الدفاع، وأن اعادة بناء الأمم المهزومة يشكل أمراً حاسماً في إحلال الأمن الدائم.
في مرحلة ما بعد العراق، يحتاج الجيش إلى التحرك للخروج من مزاج الأزمة المقيم، سواء في كل فرقة ما تزال منتشرة، أو تلك التي عادت لتوها أو تلك التي تستعد للخروج والعودة إلى الوطن. ويحتاج الجيش إلى قوة كبيرة كافية حتى يتمكن من تكريس الوقت والموارد لتطوير المهارات التي بات يفتقر إليها الآن على نحو مزمن، والتي من المؤكد أنه سيحتاج إليها في مستقبل ما بعد العراق. ومنها وجود جنود ومترجمين طليقين في اللغة العربية وغيرها، ووجود فرق عسكرية قادرة على العمل مع السكان المحليين في اعمال الإنشاءات المدنية وفي المشروعات الصحية والتربوية، ورقباء وضباط يستطيعون مساعدة الحكومات الصديقة في تدريب جيوشها لتوفير الأمن دون التعويل على اعداد ضخمة من القوات الاميركية.
إن أميركا في حاجة لأن تستثمر في التكنولوجيا العسكرية، لكنها تحتاج في الوقت نفسه الى التوقف عن التقصير في حق الجنود العاديين. فمع أنهم لا يستطيعون مضاهاة قوة نيران جماعات الضغط التي يمتلكها متعهدو الدفاع ممن يستخدمون التقنية العالية، إلا أن أمننا يعتمد عليهم. كما يحتاج الكونغرس الى الأفادة من دروس وولتر ريد ونقص الدروع والفضائح الأخرى ليعمل بالتالي على إقرار صفقات أكثر حكمة فيما يتعلق بالميزانية.
لعل من الواضح أن جيش المتطوعين غير قابل للتوسيع بأي حال، وهو لا يحتاج إلى توسيع من حيث الأساس. فهو يستطيع، عندما لا يساء استخدامه كما حدث في السنوات الأربع الماضية - وليس في السنوات الثلاثين الماضية- أن يوفر قوات ذات نوعية فائقة وبمعنويات افضل واكثر تناغماً مع قيم مجتمع السوق الاميركي القائمة على الخيار الحر.
إن القوات الأميركية طالما ظلت في العراق، فإنه سيظل من الصعب الوفاء بالحصص التجنيدية التي يتطلبها تشكيل قوة قابلة للتوسع. ولا شك في أن نوبات القتال المتعددة والجرحى الراقدين على اسرة الشفاء والحالة الأمنية العراقية المتدهورة تشكل وضعاً أصعب من أن نستطيع تدبر أمر التعامل معه.
بمجرد أن نستطيع وضع كل ذلك وراءنا، فان حجم الجيش يمكن أن يزداد بشكل كبير، لا بل يجب القيام بذلك طالما كان باستطاعة الكونغرس طمأنة البلاد إلى أنه لن يعيد إرسال قواتها الحربية على الشكل اللامبالي والمتهور الذي اقدم عليه في عام 2002، وطالما فهم السيد التالي للبيت الأبيض أن الهدف من امتلاك جيش كبير هو تقوية الدبلوماسية الأميركية، وليس شن حروب متهورة وغير ضرورية.
إن إقرار مشروعية تشكيل جيش اكبر لن يكون كافياً ببساطة. ويحتاج الكونغرس، شأنه شأن الادارة، إلى تقديم صفقة أفضل وتدريب أفضل، ومعدات حمائية افضل، وتوفير دعم أفضل لعائلات الجنود؛ هؤلاء الرجال والنساء الذين يحتاج الجيش إلى تجنيدهم. كما يحتاج الى تقديم تعهد واضح للجنود، مؤداه: إذا طلب من القوات المسلحة ان تقاتل، فإن ذلك لن يكون إلا كملاذ أخير، والذي يُلجأ إليه في أعقاب مناقشة كاملة قائمة على معلومات كاملة يجريها الكونغرس، وبحيث لا يكون القتال أبداً مجرد استجابة لنزوة رئيس.