جريدة الجرائد

خليفة بن زايد: لن نستقوي بأي موقف خارجي لمعالجة قضية جزرنا المحتلة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

"تجربتنا الديموقراطية ليست مفروضة ولا مستنسخة... ولا سقف لطموحاتنا الداخلية... وبعض التقارير عن حقوق العمال مجحفة" ...
التنسيق الأمني ليس بدعة ودور الجامعة العربية أكثر بروزاً بسبب تزايد التحديات


أبوظبي - غسان شربل

تتابع دولة الإمارات العربية المتحدة عن قرب تطورات الملفات الساخنة المفتوحة في المنطقة، وفي أورقة القمة العربية أيضاً. وتنتهج الإمارات منذ فترة سياسة نشطة ترمي إلى معالجة جوهر المشكلات بدل إرجائها وهذا ما عكسه انضمامها إلى الرباعية العربية. لكن انشغال القيادة الإماراتية بمواكبة هموم المنطقة لا يؤثر في أي صورة على وتيرة ورشة التنمية والبناء وتطوير الحياة السياسية الداخلية.

عشية القمة العربية حملت "الحياة" جملة أسئلة إماراتية وعربية وإقليمية إلى رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان فكان الحوار شاملاً للمخاوف والطموحات والآمال.

قال الشيخ خليفة إن بلاده لن تكون طرفاً في النزاع الأميركي - الإيراني وشدد على دعم الجهود الهادفة إلى محاصرة الفتنة الطائفية. وأعرب عن دعمه للجهود التي تبذلها المملكة العربية السعودية لحل المشكلات في لبنان. وحض على التمسك بمبادرة السلام العربية وعدم قبول أي ضغوط دولية لتغيرها.

واستقبل الشيخ خليفة "الحياة" في حضور الفريق أول الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة والشيخ منصور بن زايد وزير شؤون الرئاسة. وهنا نص الحوار الذي شارك فيه الزميل شفيق الأسدي.


gt; ليكن السؤال الأول حول التجربة الديمقراطية التي أخذت شكلاً جديداً في دولة الإمارات العربية المتحدة، مع الانتخابات الجزئية، والمرحلية للمجلس الوطني الاتحادي. صاحب السمو، معروف أهمية هذه الخطوة التي وصفت بالمرحلية، ولكن السؤال هل كانت هذه الخطوة نتيجة تطور في الحياة السياسية وضرورة في هذه المرحلة أم أنها كانت تقليداً ومسايرةً للتوجهات العالمية في هذا الوقت؟

- نحن في دولة الإمارات نتخذ قراراتنا، ونبني سياساتنا، ونتبنى خياراتنا وفقاً لمقتضيات المصلحة الوطنية، والثوابت القومية، وتجاوباً مع طموحات وتطلعات مواطنينا. وطالما أننا لا نعيش في جزيرة معزولة، فمن الطبيعي أن تتكيف تطلعاتنا، وطموحاتنا، ومشاريعنا ـ في كثير من الأحيان ـ مع المتغيرات الإقليمية والدولية، فبلادنا عضو فاعل في محيطها الإقليمي والدولي، تؤثر فيه وتتأثر به، غير أن الصيغة التي توافقنا عليها لتطوير تجربتنا السياسية، لا هي مفروضة، ولا مستنسخة، وما هي بتقليد لتجارب آخرين، إنها توجه وطني خالص، أملته الضرورات والاستحقاقات الوطنية، ومقتضيات العصر، والتحولات العميقة التي تشهدها الدولة، وتشهدها المنطقة، وحتماً فأن الخطوة ليست معزولة، أو منفصلة عن مجمل التطور الذي تشهده بلادنا على الصعد كافة. ونحن على ثقة بأن التجربة ستدفع بالحراك الوطني نحو مزيد من العمل الوطني، خدمةً لوطننا وشعبنا، ولأمتنا.


gt; كان بارزاً ظهور المرأة في الحياة العامة الإماراتية خلال السنوات الأخيرة، وكانت الحكومة سباقة في إعطاء دفعة قوية لدخول المرأة إلى الحكومة، ومن ثم إلى المجلس الوطني، والسؤال المطروح إلى أي مدى سيكون المجال مفتوحاً أمام المرأة الإماراتية للعب دور سياسي في الحياة الإماراتية؟

- إن بروز دور المرأة في الحياة العامة الإماراتية قائم على خيارات تنموية وطنية، ولقد وصلنا في عملية تمكينهاً إلى سقف الطموح. فمدنياً، لا تمييز بينها وبين الرجل. فهي تتمتع بكافة الحقوق، وتؤدي كافة الواجبات. وقد جاءت مشاركتها في العملية الانتخابية الأخيرة ـ ترشحاً واقتراعاً ـ استكمالاً لدورها في الحياة العامة. والنجاح الذي حققته في كل المواقع، مؤشر على قدرتها على النجاح في العمل البرلماني، وفي التعبير بصورة أفضل عن قضايا المرأة، ورفاه الأسرة، ورعاية الطفل، إلى جانب دورها في الإدارة والتخطيط لمستقبل وطن هي نصفه. فنحن على قناعة تامة، بأن المرأة نصف المجتمع، والمجتمعات التي تعجز عن توظيف نصفها فاشلة. وما أُتيح للمرأة من فرص ليس منةً أو تفضلاً حكومياً، بل هي طبيعة الأشياء، فالإماراتية قبل أن تكون وزيرة ونائبة، كانت وما زالت أماً، وربة أسرة، وامرأة عاملة، ومستثمرة، وطبيبة، ومعلمة، وشاعرة، وأديبة، وفاعلة اجتماعية. لقد تجاوزنا في دولة الإمارات التمييز بين المرأة والرجل، فالمعيار هو الكفاءة، والقدرة، والتميز، ونحن فخورون بما أنجزنا.


gt; النشاط الاقتصادي المتسارع في الإمارات، ودخول القوى العاملة الأجنبية ضمن هذه المعادلة أدى في بعض الفترات الأخيرة إلى مشكلات ظهرت على السطح، وسببت انتقادات لمجتمع العمل الإماراتي، وحاول البعض أن يلبسها طابعاً سياسياً، كيف تنظرون إلى هذه القضية، والتعامل معها؟

- النهضة الشاملة التي تشهدها بلادنا لا تجري عشوائياً، أو بمعزل عن الاعتبارات السكانية، والاجتماعية، والأمنية. نحن نعترف بواقع الخلل السكاني، ـ مثلما هو حادث في جميع الدول الخليجية ـ وبحاجتنا لإنجاز الطموحات الاقتصادية، والتوسع في الصناعة والسياحة والعمران، مما جعل الاستعانة بالعمالة الأجنبية أمراً حتمياً، غير أننا نؤمن بأن ضبط الأمور ليس مستحيلاً. ونبذل الجهود حالياً للوصول بالخلل إلى معدلات آمنة، والسيطرة عليه، وحسن إدارته، بما يحفظ للوطن أمنه، وللمواطن هويته.

أما حول ما ينشر من تقارير عن أوضاع حقوق العمال بدولة الإمارات، فهو في أغلبه يفتقر إلى المنطق والعقل، وفيه كثير من الظلم والعسف، وتجاهل ـ مقصود ـ للجهود التي تبذلها الدولة لصيانة حقوق العمال، وتوفير الحياة الكريمة لهم. فنحن إيماناً منا بأهمية دور هذه الفئة، وحاجتنا لها، حرصنا على وضع قوانين وقواعد لتنظيم دخولها، وإقامتها، وعملها، بما يضمن حماية حقوقها استناداً إلى القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية، كما وضعنا نظاماً للتامين الصحي يشمل جميع فئاتهم، وشكلنا محكمة معنية بالنظر في شكاواهم وتظلماتهم، وأصدرنا من الإجراءات ما يكفل توفير معايير الصحة والسلامة لهم، في السكن والعمل، وأنشأت وزارة العمل هيئة تفتيش معنية بالتحقق من ضمان تطبيق تلك المعايير. ومن المؤسف أن تلك التقارير المجحفة لا تتحدث عن أي من هذه الجوانب، وتتجاهل تماماً الحديث عن أن هذه العمالة المؤقتة تحول سنوياً، ما يتراوح بين 8 و9.5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي لدولة الإمارات.


gt; التطور اللافت مجموعة اتصال خلال الأيام الأخيرة هو وجود الإمارات إلى جانب الثلاثي العربي السعودي المصري الأردني، لتشكيل ما بات يعرف باسم (اللجنة الرباعية العربية). هل يمكن اعتبار هذه اللجنة تجمعاً سياسياً عربياً ذا هوية سياسية، يمكن أن يشكل محوراً متميزاً في السياسة العربية، وخصوصاً في التعامل مع القضية الفلسطينية؟

- إنها ليست أكثر من مجموعة اتصال مكلفة عربياً بالجلوس إلى الأطراف الدولية المؤثرة وعلى رأسها الولايات المتحدة، واللجنة الرباعية الدولية، توضيحاً ونقلاً لوجهة النظر العربية، وهي جزء من حركة ديبلوماسية عربية، هدفها دفع الفاعلين الدوليين لدعم الجهود المبذولة لإحياء عملية السلام، وتسوية الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وإقامة دولة فلسطينية، إلى جانب دعم السلطة الراهنة، والاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية المُنشأة بموجب اتفاق مكة المكرمة، ورفع الحصار الدولي الجائر عن الشعب الفلسطيني، وقبل كل هذا العمل على دفع إسرائيل لاتخاذ خطوات ايجابية نحو مبادرة السلام المتبناة عربياً.


gt; ظهور هذا التجمع الرباعي كان من بوابة اجتماع وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس مع رؤساء المخابرات في الدول الأربع، فهل كان الدور الأمني عاملاً أساسياً في بروز هذا التجمع؟

- التنسيق الأمني بين الدول ليس بدعة، أو أمراً جديداً، خاصة في ظل الظروف الدولية والإقليمية الراهنة، التي أصبحت فيها المهددات الأمنية عالمية النزعة والانتشار، وعابرة للحدود. ولتحقيق الحد الأدنى من الاستقرار والسلام العالمي، لا بد من التنسيق والتعاون، وتبادل المعلومات، والتشارك في تحليلها، والتنسيق في اتخاذ القرارات، بما يراعي مصالح جميع الأطراف، وليس في هذا ما يعيب، أو ينتقص من سيادة الدول، أو استقلالها. ثم لا ينبغي أن نتجاهل أن المشكلات التي يعانيها الشرق الأوسط في مجملها هي أمنية، أو لها من الانعكاسات ما هو أمني، سواء داخل الدولة نفسها، أو على مستوى جوارها الجغرافي.


gt; هل سيكون للجنة الرباعية العربية تنسيق مع اللجنة الدولية، أم سيكون لها استقلاليتها في التعامل مع هذه القضية؟

- التنسيق قائم بالفعل بين الجانبين، وقد شاركت بعض أطراف الرباعية العربية في اجتماعات الرباعية الدولية، ونقلت لها الرؤى والطروحات العربية. ونحن، كعرب، لا نريد أن تكون الرباعية الدولية هي الجهة الوحيدة المعنية بتشكيل أجندة السلام، ونأمل أن يسهم التنسيق القائم بين الجانبين في توضيح الموقف العربي، والوصول إلى نتائج ملموسة بما يؤثر في المواقف المعلنة للرباعية الدولية ويطور موقفها، خاصة في ما يتعلق بأن لا تطبيع شامل مع إسرائيل إلا بعد عقد سلام عادل شامل، وانسحاب كلي من الأراضي الفلسطينية المحتلة والجولان ولبنان (أي الأرض مقابل السلام)، والعودة إلى المفاوضات على أساس إقامة دولتين فلسطينية وإسرائيلية، والإقرار بحق عودة فلسطيني الشتات وفقاً لقرار الشرعية الدولية الرقم 194.


gt; برز في الآونة الأخيرة تباين في مواقف اللجنة الرباعية العربية واللجنة الرباعية الدولية بشأن التعامل مع حركة "حماس"، وحكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية التي شكلت بعد اتفاق مكة المكرمة. ما هو الموقف الإماراتي من ذلك، وكيف ستتعامل الإمارات مع هذه الحكومة؟

- التباين أمر طبيعي، ونأمل أن يسهم الاتصال الجاري بين اللجنتين العربية والدولية في دفع الأطراف الدولية لاحترام الخيارات الفلسطينية، والاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية وتمكينها من القيام بدورها، ورفع الحصار الاقتصادي والإنساني عن الشعب الفلسطيني. ونأمل أن تستفيد اللجنة الرباعية من دروس الماضي. أما بالنسبة لموقف دولة الإمارات، فهو يتسق تماماً مع الموقف العربي، ولقد دعونا الدول المؤثرة أن تتحمل مسؤولياتها السياسية والأخلاقية، وتلزم إسرائيل باحترام قرارات الشرعية الدولية، والكف عن التنكيل بالشعب الفلسطيني ومؤسساته.


gt; هل سنرى لجنة عربية خاصة بالعراق، وأخرى بالصومال، وثالثة خاصة بإيران وغيرها؟

- هذه اللجان موجودة بالفعل، وتعمل تحت مظلة الجامعة العربية، فهناك لجنة عربية خاصة بالعراق عقدت اجتماعها الأخير بالقاهرة في 4 مارس (آذار) الجاري على هامش أعمال الدورة 127 لمجلس وزراء الخارجية العرب، وتضم في عضويتها مصر، والسعودية، والأردن، والإمارات، والبحرين، والكويت، وسورية، والسودان، والجزائر، والعراق، بالإضافة إلى الأمين العام للجامعة العربية. وتوجد أيضاً لجنة العشر المعنية بالصومال الشقيق، وهناك لجنة ثالثة مكلفة بمتابعة المبادرة العربية لحل الأزمة اللبنانية، ورابعة معنية بقضية دارفور، وهناك لجان عربية دائمة لفلسطين، وحقوق الإنسان، وحقوق الطفل، والإعلام العربي وغيرها. وإذا اقتضت الظروف فسيتم تشكيل لجنة معنية بالشأن الإيراني.


gt; هل ترون أن إنشاء لجان عربية محورية يهدد بإضعاف الجامعة العربية، أم أنه يخدم أهدافها؟

- إن وجود مثل هذه اللجان، يشكل دفعاً للجامعة العربية، وتفعيلاً لدورها المتعلق بإيجاد حلول للقضايا والتحديات التي تواجه الأمة العربية.


تزايد التهديدات


gt; نشطت الجامعة العربية في الآونة الأخيرة في التعامل مع الكثير من القضايا العربية، هل ترون أن العمل العربي المشترك بدأ يأخذ منحى أكثر جدية أم أن التحرك مرتبط بظروف خارجة عن الوضع العام للجامعة العربية؟

- إن الجهود التي تبذلها الجامعة العربية هي امتداد، وتحقيق الأهداف نفسها التي قامت عليها الجامعة، والتي تبلورت منذ تأسيسها في شكل مبادئ، وقواعد، تمت صياغتها وفق آليات عمل وميثاق، ما زال يعبر عن الإرادة العربية العامة، ويُرجع له كأساس في العمل العربي المشترك. غير أن دور الجامعة أصبح مؤخراً أكثر بروزاً بسبب تزايد التحديات، والمخاطر الداخلية والخارجية التي تواجهها الأمة العربية، ودولها، وشعوبها. فهناك أكثر من دولة عربية تواجه شبح التفكك والانقسام، ودول أخرى ما زالت أراضيها محتلة، وثالثة تعاني انقساماً طائفياً حاداً، إضافة إلى ارتفاع وتيرة المهددات الخارجية، والتي هي في معظمها أمنية، وفي بعضها الآخر اقتصادية، وثقافية.


gt; السؤال عن التجمعات العربية يقودنا إلى السؤال عن مجلس التعاون الخليجي أين يقف هذا المجلس من التطورات الراهنة في المنطقة، وما هو تقويمكم لمسيرته، وماذا عن تطبيق القرار الأخير للقمة الخليجية بالعمل للاستفادة من الطاقة النووية للأغراض السلمية؟

- موقف مجلس التعاون الخليجي يتطابق مع المواقف العربية من مختلف التطورات التي تشهدها المنطقة. أما عن مسيرة المجلس على صعيد العمل الخليجي المشترك، فهي وإن كانت بطيئة الإيقاع، إلا أن الآفاق المرجوة للتعاون واعدة. ولعل التحسن الكبير في التجارة البينية، وتدفق الاستثمارات، والسماح بالملكية العقارية، وممارسة النشاط الاقتصادي، وتوحيد الكثير من الأنظمة والقوانين في مجال الأمن، والتعليم، والصحة، والتأمينات والتقاعد، والزراعة، والصناعة والاستثمار، وتداول الأسهم، سيخلق واقعا اقتصادياً واجتماعياً يساعد على مزيد من التلاحم والتعاون بين دول المجلس، وتحقيق السوق الخليجية المشتركة في العام المقبل، وتوحيد العملة بحلول عام 2010.

أما بشأن قرار القمة الخليجية الأخيرة حول دراسة مشروع سلمي للطاقة النووية، فإننا نؤكد على سلمية هذا البرنامج، وضرورته كطاقة وتقنية، وليس للمشروع أي غايات سياسية، أو أهداف عسكرية، وليس موجها ضد أي دولة، كما أنه ليس مجرد رد فعل على أي برنامج آخر في المنطقة. فالدول الخليجية، وبينها الإمارات، وكجزء من برنامجها لتنويع مصادر الدخل القومي، تتجه لتنويع مصادر الطاقة المتاحة لها، خاصة أن الطاقة النووية، وطاقة الرياح، والشمس هي الخيارات البديلة للنفط والغاز على المدى البعيد.


التأكيدات بحاجة إلى تطمينات


gt; الملف النووي الإيراني من أكثر القضايا التي تواجه المنطقة، ولهذا الملف بعدان إقليمي وعالمي، ما الموقف الإماراتي من هذا الملف، خصوصاً وأن سمو وزير الخارجية الشيخ عبد الله بن زايد كان من بين وزراء الخارجية القلائل الذين زاروا إيران أخيراً. وما الانطباع أو الموقف الذي خرجتم به من طهران بشأن هذا الملف والوضع في الخليج بشكل عام؟

- قلقنا من البرنامج النووي الإيراني يستند إلى مبدأ ثابت وهو ضرورة إخلاء منطقة الخليج والشرق الأوسط من جميع إشكال أسلحة الدمار الشامل. وقمنا منفردين، وفي إطار المنظومة الخليجية مجتمعة بإبلاغ القيادة الإيرانية هذا الموقف المبدئي، وحصلنا في المقابل على تأكيدات بأن البرنامج مخصص للإغراض السلمية. وقلنا لهم إن هذه التأكيدات بحاجة إلى تطمينات بأن البرنامج يتفق مع المعايير التي حددتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بما يطمئننا ليس فقط بسلمية البرنامج، وإنما بوجود مستويات فنية تضمن سلامة المنشآت، وتمنع حدوث أي خلل من شأنه الإضرار بالبيئة الإقليمية، التي تشكل دول الخليج جزءا رئيسيا فيها. وتحقيقاً لذلك دعونا إيران، ونكرر الدعوة لها التحلي بالمرونة، والواقعية، واحترام المطالب الدولية، وتطبيق القرار 1737، لتجنيب المنطقة مزيداً من التوتر، كما ندعو في المقابل الولايات المتحدة والدول الغربية عدم استنفاد الوسائل الدبلوماسية، وعدم اللجوء إلى الخيار العسكري بما يزيد من تفاقم أزمات المنطقة، دون وضع حدٍ للأزمة الإيرانية.


gt; موقف الإمارات من قضية جزرها المحتلة معروف وثابت، لكن السؤال هل يمكن أن تقحم هذه القضية من جانب القوى الدولية كأحد الأسباب لمهاجمة إيران واندلاع حرب في المنطقة؟

- إن النهج الذي اتخذناه لاسترداد جزرنا المحتلة الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى لا يخضع لأي أجندات سياسية إقليمية أو دولية، وإنما يستند إلى موقف قانوني وحقوقي وطني، سابق لوجود البرنامج النووي الإيراني. كما أن الأساليب التي اقترحتها الإمارات لحل النزاع لم تتغير وهي قائمة على أساس الاحتكام للشرعية والقانون الدولي، والتفاهم الأخوي. ولن نستقوي بأي موقف خارجي لمعالجة قضية جزرنا المحتلة، فنحن لا نزال نأمل بحلها عن طريق الحوار الثنائي، أو الاحتكام لمحكمة العدل الدولية. ونرجو أن تقتنع قيادة الجمهورية الإسلامية بضرورة إنهاء احتلالها لهذه الجزر، بما يعيد العلاقة التاريخية والأخوية بين الجارين المسلمين إلى صفوها.


gt; هل يمكن بأي شكل من الأشكال استخدام أراضي الإمارات وأجوائها أو مياهها منطلقاً لمهاجمة إيران أو تقديم تسهيلات عسكرية أو لوجيستية لمثل هذا العمل؟

- إن الإمارات العربية المتحدة دولة مستقلة، وذات سيادة، وهي ترفض استخدام أراضيها أو أجوائها أو مياهها الإقليمية في الاعتداء على أي دولة، وبصفة خاصة إذا كانت جارة ومسلمة، نرتبط معها بعلاقات تاريخية واقتصادية. وقد أكدنا للأخوة الإيرانيين في رسالة حملها وزير الخارجية مؤخراً أننا لسنا طرفاً في النزاع بينها والولايات المتحدة، ولن نسمح باستخدام أراضينا لأي أعمال عسكرية، أو أمنية أو تجسسية ضدها، وأن لا مصلحة، ولا مسؤولية لنا في أي تهديدات قد تتعرض لها بسبب خلافها مع المجتمع الدولي حول برنامجها النووي.


gt; المخاوف من النزاع الطائفي السني ـ الشيعي باتت تكبر في ضوء مظاهر الخلاف الذي يتنامى في دولتين عربيتين هما العراق ولبنان، وقد تكون له امتداداته المحتملة في المنطقة. إلى أي مدى تتلمسون واقعية هذه المخاوف، وكيف ترون التعامل معها؟

- لا شك أن النزاع الطائفي في العالم العربي والإسلامي يثير قلقنا، وقلق جميع الدول الخليجية والعربية والإسلامية، التي تضم غالبيتها تنوعاً مذهبياً تعايش خلال 14 قرناً. ونحن في دولة الإمارات نؤيد ونبارك كل الجهود السياسية والدينية لاحتواء هذا التوتر المذهبي، بدءاً من الحوار السعودي - الإيراني، ومروراً بعقد مؤتمر إقليمي للمصالحة العراقية، وتسوية الأزمة اللبنانية، وانتهاء بتشجيع الحوار والتقارب بين علماء ومفكري المذهبين. والإمارات تقدم نموذجاً حياً للتعايش والتسامح الديني والمذهبي.


gt; وماذا عن رؤية الإمارات للتعامل مع الوضع اللبناني، خصوصاً وأن الإمارات على اتصال مع هذا الملف ومع الكثير من أطرافه، في وقت تلعب فيه دوراً مهماً في تقديم المساعدات للبنان في كثير من الأوقات؟

- انطلاقاً من موقفنا المبدئي فأننا نرفض التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد شقيق أو صديق، غير أننا ندعم الحكومة، ونؤيد كل ما يتوافق عليه اللبنانيون حول أزمة الحكم، وملف المحكمة الدولية، المعنية بالنظر في قضية اغتيال المغفور له الشهيد رفيق الحريري. كما أننا نؤيد الجهود السعودية المشكورة لتسوية هذه الأزمة. ونحن واثقون بإن اللبنانيين بما عرف عنهم من قدرة على تجاوز المحن والصعاب، قادرون على تجاوز المحنة الراهنة، وقطع الطريق أمام أي محاولة خارجية للعب على وتر الخلافات السياسية والمذهبية. ونحن في دولة الإمارات نثمن الجهود السعودية والإيرانية المبذولة، ونؤكد استعدادنا للمشاركة في أي مساعٍ لتوحيد البيت اللبناني، وعدم تحويله إلى مسرح لصراعات المحاور الدولية.


gt; السؤال السابق ينطبق بالمواصفات نفسها تقريباً على العراق، فما هي رؤيتكم أو الدور الذي يمكن أن تلعبه الإمارات في الوضع العراقي؟

- ننظر بكثير من القلق للوضع الذي يعيشه القطر العراقي الشقيق، وقد نقلنا مشاعر القلق هذه لكل الأطراف التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بما يحدث في العراق. وقلقنا لا ينبع فقط من التداعيات السياسية والأمنية، التي يشكلها الوضع المضطرب على الأمن الإقليمي بل على وحدة العراق أرضا وشعبا. وقد عملنا ونعمل بجد من أجل دفع القوى السياسية العراقية على تغليب المصالح الوطنية العليا على المصالح الفئوية الضيقة، حمايةً لوحدة العراق، والعودة به لأداء دوره الإقليمي، والعالمي. ونحن نبارك ما تقوم به الحكومة العراقية من جهد لتطبيق الخطة الأمنية، وندعوها إلى تبني حوار وطني شامل يشارك فيه الجميع، والعمل بجد على تفكيك المليشيات المسلحة، ونزع سلاحها، وبناء جيش وقوات أمنية غير طائفية، تلتزم بالقانون وتعمل على صيانة وحدة العراق، وحماية حدوده، وحفظ أمن مواطنيه.


gt; في ضوء مطالبات الكونغرس الأمريكي للإدارة الأميركية بجدولة الانسحاب من العراق، والتطورات السياسية والعسكرية في العراق والمنطقة، هل لديكم مخاوف من انسحاب أمريكي مفاجئ من العراق، وما التأثيرات التي سيتركها مثل هذا القرار على الوضع العراقي والمنطقة عموما؟

- لا أحد يطالب بانسحاب مفاجئ لتلك القوات، لا الكونغرس، ولا العراق، ولا الدول المجاورة، ولا الدول العربية أو الغربية، الجميع يؤيد انسحاباً مجدولاً، يتزامن مع تسريع عملية المصالحة السياسية الوطنية، وبناء قدرات العراق العسكرية والأمنية، بما يؤهلها للحفاظ على أمن البلاد. فمن يطالبون بانسحاب فوري للقوات الدولية هم الراغبون في تفكيكه، وعدم استقراره، واستمرار حالة الفوضى التي يعيشها. ودرءاً للمخاطر الوخيمة التي ستترتب على انسحاب القوات الدولية، ندعو العراقيين بكافة فئاتهم، والولايات المتحدة، وبريطانيا والدول المجاورة للعراق ألا يألوا جهداً لتسوية الأزمات، وعدم جعل العراق ساحة لتصفية الخلافات الإقليمية والدولية. ويكفي الشعب العراقي ما عاناه خلال نحو 3 عقود من حروب، وحصار، وإرهاب، وتهجير. ونحن في دولة الإمارات مستعدون لتقديم كل ما هو مطلوب لدعم هذا التوجه.


gt; كيف ترون قدرة القمة العربية في الرياض على التعامل مع الملفات الكثيرة التي تواجهها، وهل ترون أن انعقادها في الرياض سيعطيها طابعاً خاصاً وقدرة أكبر على مواجهة هذه القضايا المطروحة؟

- نتطلع للمشاركة في القمة العربية التي تستضيفها الشقيقة السعودية، ونأمل أن يساهم انعقادها في أرض السلام والإسلام، وبرعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، في لم الشمل، وتوحيد الصف، ونبذ الخلافات، وتنقية الأجواء، وتحقيق الوحدة، ومواجهة الحزمة الواسعة من التحديات والمخاطر التي تواجه الأمة، ببلورة خطة تحرك مشتركة دفاعا عن قضايانا، ومصالح دولنا وشعوبنا. فنحن في حاجة اليوم إلى التضامن أكثر من أي وقت مضى، لقد استطاعت المملكة الشقيقة مشكورة تحقيق المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس" الفلسطينيتين من خلال توقيع اتفاق مكة المكرمة الذي أثمر تشكيل حكومة وحدة وطنية، وتعمل بشكل دؤوب لتسوية الأزمة اللبنانية، فضلاً عن دورها في مقاربة مشكلة العراق، والملف النووي الإيراني. من هنا، نستبشر خيراً بهذه الجهود، ونأمل أن تساهم الدول الشقيقة الأخرى في دعم جهود المملكة للتوصل إلى حلول للقضايا العربية الشائكة. فالوضع العربي الراهن يفرض علينا جميعاً السعي بإخلاص لتحقيق التوافق، وتجميع الرؤى، والاتفاق على الخطوات، وتحديد الأطر للتعامل مع المشكلات كافة بتجرد وشفافية. ونحن واثقون بأن القمة ستتوصل إلى ما هو ايجابي من القرارات والتوصيات، إذا ما خلصت النوايا، وتوفرت الإرادة، وسادت الواقعية.


gt; تحاول بعض الدوائر الإسرائيلية والعالمية الحديث في هذه المرحلة عن إمكان إسقاط بند عودة اللاجئين الفلسطينيين من المبادرة العربية، وتوطين الفلسطينيين في أماكن تواجدهم. هل ترون أن مثل هذه الطروحات هي بالونات اختبار أو أن مثل هذه الطروحات يجري التعامل معها في الأروقة السياسية العربية والدولية.

- ليس خافياً على أحد أن إسرائيل، منذ إنشائها على أرض فلسطين عام 1948، قد حددت استراتيجية ترفض عودة اللاجئين الفلسطينيين، ولم تتراجع عن هذه الاستراتيجية، وهي في ذلك تلقى دعماً من بعض الدول الغربية، متجاهلة القرارات الدولية خاصة القرار الرقم 194 الذي يكفل حق العودة والتعويض للاجئين. ونحن نأمل أن تتخذ القمة العربية موقفاً ثابتاً من موضوع حق العودة، وألا يتم التراجع عنه نتيجة أي ضغوط دولية.


gt; ما هي الصورة التي ستكون عليها الإمارات في المرحلة المقبلة، بعد أن رسخت مرحلة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أسس الدولة، وتشكيل معالمها السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية؟

- الحمد الله، أننا لا نبدأ من الصفر، بل نواصل البناء على تجربة ثرية أسس لها المغفور له الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ـ رحمه الله ـ مستلهمين منها العزيمة لمواصلة العمل خدمةً لوطننا وشعبنا. ولاشك أن ما تحقق من إنجازات عظيمة، خلال المرحلة من عمر الوطن يُحملنا مسؤولية إضافية، إلى جانب الحفاظ على المكتسبات التي تحققت خلال الفترة الماضية، فنحن مطالبون بالاستمرار في عملية تطوير التجربة الاتحادية وتحصينها، بما يجعلها قادرة على التكيف المستمر مع المستجدات والمتغيرات الإقليمية والدولية.

ونحن اليوم على مشارف مرحلة جديدة، أطلقنا عليها مرحلة "التمكين"، تمييزاً لها عن "مرحلة التأسيس" السابقة لها. وأهم مقاصد المرحلة الجديدة تتمثل في تهيئة البيئة المبدعة اللازمة لتمكين المواطن من امتلاك عناصر المعرفة والقوة، ليكون أكثر مشاركةً، وأكبر إسهاماً. وضمن مجموعة الوسائل المقصودة لتحقيق هذا الهدف، جاءت تجربة التدرج في تفعيل دور المجلس الوطني الاتحادي، بانتخاب نصف أعضائه، وليكون أكبر قدرةً، وأكثر تمثيلاً، وأوضح فاعليةً والتصاقاً بقضايا الوطن، وهموم المواطنين، يترسّخ من خلاله نهج الشورى، ويدعم التحولات العميقة، والنهضة المشهودة التي نستشرفها. وتحقيقاً لهذا فإن جميع نظمنا المجتمعية تخضع حالياً لمراجعة شاملة من حيث فلسفتها، وأهدافها، وقوانينها، ووسائلها. وفي كل ذلك نحن على قناعة، بأن لجميع أفراد المجتمع، ومؤسساته الدينية، والثقافية، والتعليمية، والإعلامية، والتطوعية، وغيرها، دورٌ رائد، وأن تفعيلها، وتطويرها، ودعمها واجب وطني، وهو جزء من مهمة الحكومة في تهيئة البيئة المبدعة التي تحدثنا عنها.

إن آمالنا لدولتنا، لا سقف لها، وطموحاتنا لمواطنينا لا تحدها حدود، وتوقعاتنا للمستقبل تزداد يقيناً ونحن نستقبل عهداً جديداً، يعكس رؤىً وطنية طموحة، لمرحلة آخذة في التشكل تدرُجاً، تكريساً لمرحلةٍ سِمتُها الشورى، وسيادة القانون؛ ونهجُها تحديد المسؤوليات، وتفويض السلطات، والمساءلة؛ وغايتُها إقامة العدل، وتمكين كل أفراد هذا المجتمع ـ شيباً وشباباً، رجالاً ونساءً ـ من الإسهام الفاعل، والمشاركة الايجابية في صنع المستقبل.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف