جريدة الجرائد

ماذا بعد قمة الرياض؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك



محمد السمّاك

ترافق انعقاد القمة العربية في الرياض مع تفاعل العوامل المهمة الآتية:
العامل الأول عربي داخلي. وهو نشوب حروب أهلية في أربع من الدول العربية هي العراق والسودان وفلسطين والصومال. والتخوف من انجرار لبنان نفسه ايضاً الى هذه المأساة. ومع العجز العربي عن معالجة اي من هذه الفتن الداخلية يصبح الأمن القومي العربي في مهب الريح!.
العامل الثاني اقليمي، ويتمثل في الملف الإيراني النووي وفي التداعيات السياسية المرتبطة به. ولا شك في ان هذه التداعيات سوف تزداد حدة وخطورة عندما تصبح الدول العربية مضطرة للعمل بموجب قرارات مجلس الامن الدولي وآخرها القرار 1747 الذي ينص على فرض عقوبات على ايران. وهو أمر يعيد الى الأذهان ما جرى مع ليبيا التي تعرّضت الى عقوبات دولية التزمت بها ومارستها الدول العربية الاخرى لسنوات طويلة، الأمر الذي صدّع بنية العلاقات الليبية ـ العربية.

واذا كانت ليبيا قد ادارت ظهرها للدول العربية استياءً ويأساً، فماذا ستفعل ايران التي تتطلع الى اداء دور أكثر فعالية وأشد تأثيراً في تقرير شؤون المنطقة؟.
العامل الثالث دولي، وهو ذو وجهين. الوجه الأول منه هو الفشل الذريع الذي منيت به الولايات المتحدة في الشرق الأوسط من خلال الكارثة الانسانية والاسلامية والقومية والوطنية التي تسبّبت بوقوعها في العراق. ان الاحتلال الاميركي (وتبعاً لذلك المشاركة البريطانية الملحقة بهذا الاحتلال) أساء الى سمعة الولايات المتحدة وسحب منها البقية الباقية من الصدقية (اذا كان هناك في الاساس صدقية في التعامل معها).

اما الوجه الثاني لهذا العامل فهو تحفّز الاتحاد الروسي للعودة الى المنطقة التي كان يشكل لاعباً اساسياً فيها طوال العهد السوفياتي السابق. ولعل في الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس بوتين الى المملكة العربية السعودية، وفي تصويت روسيا في مجلس الامن الدولي الى جانب قرار فرض عقوبات على ايران، ما يشير الى طبيعة هذا الدور المتحفز.
من الواضح ان الولايات المتحدة تحاول الآن ان تستعيد بعض الثقة العربية من خلال التعامل بإيجابية (قد تكون مصطنعة وغير جدية) مع المبادرة العربية للتسوية السياسية في الشرق الأوسط التي أقرّتها القمة العربية في بيروت في عام 2002. ومما يؤكد على ذلك الموقف الاسرائيلي الجديد من هذه المبادرة، والذي انتقل من رفضها من حيث المبدأ، ومن تجاهلها كلياً طوال الأعوام الخمسة الماضية، الى التحدث عن العوامل الايجابية والبنّاءة التي تتضمنها (؟).

لقد اكتشفت الولايات المتحدة ان المدخل العملي لتحقيق الانتصار أو على الأقل التقدم في الحرب على الارهاب يتمثل في حل القضية الفلسطينية. ولعلها اكتشفت ايضاً ـ ولو متأخرة جداً ـ ان للعالم العربي وللعالم الاسلامي مصلحة أساسية في تحقيق هذا الانتصار، لما ألحقته الأعمال الارهابية من أذى بصورة الاسلام، ومن ضرر بحقوق وبمصالح العرب والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. ولكن الاسلوب الذي اعتمدته ادارة الرئيس بوش في شنّ حربها على الارهاب لم يؤدِ الا الى زيادة الأمر سوءاً، خاصة بعد احتلال افغانستان والعراق. وقد حالَ هذا الامر دون قيام الدول العربية والاسلامية بدورها الأساسي والفعال في كبح جماح الارهاب وأهله. بل ان هذا الاسلوب المدمر نقل ظاهرة الارهاب الى الدول العربية والاسلامية من اندونيسيا حتى المغرب مروراً بالباكستان ومصر والسعودية وتركيا والجزائر.

من هنا فان التحديات التي واجهتها القمة العربية، وتواجهها الأمة العربية بعد القمة، ليست تحديات عادية هذه المرة. ولكنها تتعلق بصميم المستقبل العربي حضوراً ودوراً. تكفي المقارنة الخاطفة بين القرار العربي بإقامة سوق عربية مشتركة، والقرار الأوروبي بإقامة اتحاد للفحم والصلب قبل خمسين عاماً لإدراك معنى الالتزام بالمواثيق والتعهدات ومعنى عدم احترام القرارات والمواثيق. فأوروبة أصبحت موحدة ليس اقتصادياً فقط، انما سياسياً وعسكرياً الى حد بعيد. اما العالم العربي فلا يزال حتى اليوم يتحدث عن السوق المشتركة وكأنها هدف بعيد المنال!!.

لقد سقط عملياً ميثاق الدفاع المشترك. وسقطت مشاريع الوحدة والاتحاد. وسقطت شعارات الصمود والتصدي. ولم يبقَ شعار للدفاع عنه اليوم سوى شعار "البقاء". ونخشى ان يؤدي عدم الالتزام بقرارات القمة العربية، على تواضعها، الى سقوط هذا الشعار ايضاً.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف